زمن الكبجور


كان الشيخ حسين المحمد رجلا فاضلا محسنا محبا لعمل الخير فلم يستعن به احد الا واعانه ولم يستجر به أحد الا وأجاره فكان ديوانه قبلة للمحتاجين يقصدونه لقضاء الحاجات ومنارا للمتسمرين يقصدونه لقضاء لياليهم حيث يروحون بها عن متاعب نهارات مضنية في اعمال الفلاحة الشاقه ويتعلمون فيها ماجهلوه من امور دينهم ودنياهم ومااكثرمن يجهلون في ذلك الزمن حيث كان الشيخ من القليلين الذين يجيدون قراءة القران في المنطقة وكان يطلق على الذي يجيدها لقب "ملا" فاطلق على ديوانه ديوان الملا حسين .
لم تكن حال الشيخ ميسورة لكنه لم يشعر يوما بالضيق والعسر لان اقرباءه من اهل القرية لم يتركوه ولم يخذلوه فكلما باع احدهم شيئا من غلة زرع اوبهيمة انعام اخرج للديوان وعن طيب خاطر منها سهما أو ما يسمى آنذاك بـ "الكبجور" وهي كلمة اظنها تركية دخيلة على العربية وتعني ظريبة الديوان وقد سمعتها منه اول مرة وكنت فتى يافعا واسكن المدينة ولم أعهد هذه الكلمات حين خاطب ابن عمي سائلا اياه عن سهم الديوان من ثور كان أبوه قد باعه أول امس :
ـــ ياحميد سلملي على أبيك وقل له اين الكبجور؟
فقلت له : ياعمي الملا ... ماهو الكبجور؟ فاجاب مازحا
ـــ الكبجور ياابن اخي هو حصتنا من الثور
ظل ديوان الملا حسين عامرا يطلق عند السحر صوت النجر كل مساء يدعو الناس للاجتماع وقضاء الاوقات السعيدة وظل يقري الضيوف القادمين من الفجاج البعيدة وظلت مجالس السمر والعلم مستمرة وحتى وفاة الشيخ منتصف الستينيات .
تغير الزمن وتغيرت معه طبائع المجتمع فاندثرت الالفة والمحبة وانطفأت جذوة التكافل وحسن التعامل وساءت الامور حين انقطع الناس عن دفع الكبجور.