برنامج الإنعاش الأوروبي
مشروع مارشال (صدر رسميا باسم برنامج الإنتعاش الاوروبي، ERP)، هو برنامج اقتصادي تشجيع الدول الأوروبية على العمل معًا للإنعاش الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945م). ففي يونيو 1947م وافقت الولايات المتحدة على مساعدة أوروبا إذا ما وافقت هذه الدول على الاجتماع لتقرر ما تحتاج إليه. وكان الاسم الرسمي للمشروع هو برنامج الإنعاش الأوروبي. وقد أُطْلِق عليه اسم مشروع مارشال لأن وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال كان أول من اقترحه.

البداية

بدأ مشروع مارشال في أبريل عام 1948م، عندما وافق الكونجرس الأمريكي على إنشاء إدارة التعاون الاقتصادي لتشرف على المساعدة الأجنبية. وأقامت سبع عشرة دولة منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي، لمساعدة إدارة التعاون الاقتصادي ولتزيد من التعاون بين أعضائها. وقامت الولايات المتحدة بإرسال ما قيمته حوالي 13 بليون دولار من الأغذية والآلات والمنتجات الأخرى إلى أوروبا. وانتهت المساعدة في عام 1952م. وفي عام 1961م حلّت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية محل إدارة التعاون الاقتصادي، حيث قامت عشرون دولة من بينها الولايات المتحدة وكندا بتكوين منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لزيادة النمو الاقتصادي للأعضاء ولمساعدة الدول النامية. [1].
ضرورة الاتفاق الاوروبي

قال وزير الخارجية الأميركي، جورج مارشال، في كلمته التاريخية التي ألقاها في 5 حزيران/يونيو، 1947، إنه قبل أن تتبرع الولايات المتحدة بأي مساعدات مالية "يتعين أن يكون هناك نوع من الاتفاق بين دول أوروبا" حول كيفية إنفاق هذه الأموال. وقد تعمد ترك التفاصيل مبهمة منتظراً ليرى ما سيحدث.
وفي لندن، أصغى وزير الخارجية البريطاني إرنست بيفن إلى كلمة مارشال عبر إذاعة بي بي سي (هيئة الإذاعة البريطانية) وتحرك على الفور. فقد اتصل بوزير الخارجية الفرنسي الذي كان يتفق معه في الرأي، جورج بيدو، لتدارس سبيلهما إلى تنظيم وقيادة مؤتمر اقتصادي أوروبي. وقال بيفن في وقت لاحق أمام مجلس العموم البريطاني: "قلت لنفسي فوراً ..."إن من واجبنا إبلاغهم بما نريد. إن من واجبنا وضع خطة."
ولم يأت عرض مارشال بتقديم المساعدة في فراغ سياسي. فقد ألقى سلف مارشال، وزير الخارجية الأميركي جيمز بيرنز، قبل ذلك بتسعة أشهر، وبالتحديد في سبتمبر 1946، خطاب الأمل في شتوتگارت، بألمانيا. وقد تعهد بيرنز في خطابه بأن تساعد الولايات المتحدة في إعادة بناء ألمانيا المهزومة وبأن تعيد دمجها في الاقتصاد الأوروبي. كما تعهد بالالتزام بوجود قوات أميركية على المدى الطويل رداً على وجود سوفيتي ضخم في منطقة الاحتلال السوفيتي.
وبعد ذلك بأقل من أسبوعين، في 19 سبتمبر 1946، تحدث رجل الدولة البريطاني ونستون تشرشل في زيوريخ، بسويسرا، عن "إعادة خلق الأسرة الأوروبية" في أوروبا موحدة سياسيا. كما اعتبرت وزارة الخارجية الأميركية التكامل الأوروبي وسيلة لتعزيز الاستقلال الاقتصادي وفي نفس الوقت تقليص التهديدات الأمنية من خلال زيادة اتكال كل دولة من الدول على الدول الأخرى. [2].
المخاوف الاوروبية زمن الحرب


Burned-out buildings after the bombing of Hamburg


كانت خطة مارشال تشمل في بداية الأمر الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الوسطى الواقعة تحت الاحتلال السوفياتي. وفي أواخر يونيو، 1947، اجتمع وزير الخارجية السوفياتي آنذاك فياشيسلاف مولوتوف في باريس مع بيفن وبيدو لمناقشة عرض مارشال. ويبدو أن الأهداف السوفياتية ركزت على برامج لكل دولة بمفردها، لا على تعاون على النطاق الأوروبي، كما أصر السوفيات على استمرار ألمانيا في دفع التعويضات لمساعدة الاقتصاد السوفياتي، الذي كانت الحرب قد دمرته هو أيضا. وعندما اتضح أن بريطانيا وفرنسا لن تدعما هذه الأهداف، انسحب مولوتوف من المفاوضات في 2 يوليو.
وبعد ذلك بعشرة أيام، اجتمعت وفود 16 دولة أوروبية غربية في باريس لحضور أول اجتماع للجنة التعاون الاقتصادي الأوروبي حديثة التشكيل. وكانت لدى الاتحاد السوفياتي رغبة قوية في إبقاء دول أوروبا الشرقية منطقة واقية له فرفض السماح لتشيكوسلوفاكيا وبولندا وغيرهما من الدول بحضور الاجتماع.
وقال بيدو للوفود المشاركة في اجتماع لجنة التعاون الاقتصادي الأوروبي: "لقد ظلت أجيال من الرجال من جميع الدول الرافضة للقومية الأنانية تتلهف إلى هذا الاجتماع الذي يعقد هنا اليوم. فلنعتز بكوننا نشهد انعقاده، وبكوننا حرفيين أجادوا مهمة ظل حلمها يراود الأجيال طوال قرون، وأصبحت في الوقت الحاضر، ضرورة ملحة."
وأمضت لجنة التعاون الاقتصادي الأوروبي ستة أسابيع في وضع لائحة مفصلة بالمشاريع الاقتصادية. ولكن المسؤولين الأميركيين رفضوا المقترحات قائلين إنها تمثل "16 لائحة تسوق منفصلة" عن بعضها بعضا لا خطة واحدة مترابطة منطقيا. وبعد ذلك بأسابيع قليلة، أرسلت اللجنة تقريراً معدلاً إلى الولايات المتحدة كان مستوفياً للشروط الأميركية. وجاء في مقدمة التقرير أنه يمثل مرحلة جديدة في التعاون الاقتصادي الأوروبي. وتضمن التقرير تقييمات بالغة التفصيل للاقتصاد الأوروبي في زمن كانت القدرات الإنتاجية كثيراً ما تعتبر فيه أسراراً قومية. وكان هذا الشرط بتوفر الشفافية المالية من الأسباب التي جعلت الاتحاد السوفياتي يمتنع عن المشاركة في اللجنة.
وقد نظم الاتحاد السوفيتي في سبتمبر، 1947، كرد على لجنة التعاون الاقتصادي الأوروبي، مكتب الإعلام الشيوعي (كومينفورم) لتنسيق السياسة الاقتصادية في أوروبا الشرقية، أثناء محاولته تقويض التأييد الغربي لخطة مارشال. ويعتبر المؤرخون هذه الاستراتيجية السوفياتية خطأ رئيسياً في الحسابات، ذلك أنه من المؤكد تقريباً أن مشاركة السوفيات كانت ستؤدي إلى امتناع الكونغرس عن اعتماد مخصصات لتمويل خطة مارشال.
وما حصل بدلاً من ذلك هو أن اشتراط خطة مارشال التعاون الاقتصادي بين الدول الأوروبية أطلق سلسلة من الأحداث والقرارات السياسية التي تطورت إلى مؤسسات حديثة للاستقرار والتعاون الأوروبي.
ففي شهر مارس من العام 1948، وقعت بريطانيا وفرنسا ودول البنلوكس (البلجيك وهولندا واللوكسمبورگ) اتفاقية للتوصل إلى معاهدة عسكرية، تهدف إلى (إقامة) الدفاع الجماعي المشترك وتعزيز التكامل الثقافي والاقتصادي. ولكنها سعت إلى تحقيق قدر أكبر من المشاركة الأميركية فيها، وأدت المفاوضات في شهر نيسان/إبريل، 1949، إلى تأسيس منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، التي ما زالت تواصل توحيد ودمج دفاعات الدول الديمقراطية الأعضاء فيها.
وفي أيار/مايو من العام 1950، اقترح وزير الخارجية الفرنسي آنذاك روبير شومان، إدارة مشتركة لصناعتي الفحم والفولاذ الفرنسية والألمانية. وأدت خطة شومان في العام 1951 إلى تشكيل ألمانيا الغربية وفرنسا وإيطاليا ودول البنلوكس مؤسسة الفحم والفولاذ الأوروبية. وقد أدى هذا بدوره في العام 1957 إلى معاهدة روما التي أنشئت بناء عليها أول وحدة جمركية تامة لأوروبا، هي المؤسسة الاقتصادية الأوروبية المعروفة بصورة غير رسمية بالسوق المشتركة، والتي تعتبر المنظمة المؤسسة التي قام عليها الاتحاد الأوروبي الحديث.
ومع حلول الذكرى السنوية الستين لخطاب مارشال هذا العام، كان الاتحاد الأوروبي قد أصبح يضم 27 دولة و500 مليون نسمة، يبلغ نتاجها المحلي الإجمالي 14 تريليون دولار، أي أنه يزيد عن الناتج المحلي الإجمالي الأميركي.