ســــــــــوق عكـــــــاظ
" كان للعرب أسواق يقيمونها شهور السنة، وينتقلون من بعضها إلى بعض، ويحضرها سائر العرب بما عندهم من المآثر والمفاخر ... ومنها (سوق عكاظ) بضم المهملة وتخفيف الكاف، وآخر ظاء معجمة بالصرف وعدمه. قال اللحياني: الصرف لأهلي الحجاز، وعدمه لغة تميم.
وهو موسم معروف للعرب، بل كان من أعظم مواسمهم وأسواقهم، وهو نخل في واد بين نخلة والطائف، وهو إلى الطائف أقرب، بينهما عشرة أميال، وهو وراء (قرن المنازل) بمرحلة من طريق صنعاء اليمن، وكان المكان الذي يجتمعون فيه منه يقال له الابتداء، وكانت هناك صخور يطوفون حولها، وكانوا يتبايعون فيها ويتعاكظون، ويتفاخرون، ويتحاججون، وتنشد الشعراء ما تجدد لهم، وقد كثر ذلك في أشعارهم، كقول حسان:

سأنشر إن حييت لهم كلاما ** ينشر في المجامع من عكاظ

وفيها كان يخطب كل خطيب مصقع، ومنهم قس بن ساعدة الأيادي، إذ خطب خطبته الشهيرة هناك، وهو على جمله الأورق، وفيها علقت القصائد السبع الشهيرة افتخارا بفصاحتها على من يحضر الموسم من شعراء القبائل إلى غير ذلك، وكان كل شريف إنما يحضر سوق بلده إلا سوق عكاظ، فإنهم كانوا يتوافون بها من كل جهة، فكان يأتيها قريش، وهوازن، وسليم، والأحاشيش، وعقيل، والمصطلق، وطوائف من العرب.
ومن كان له أسير سعى في فدائه، ومن كانت له حكومة ارتفع إلى الذي يقوم بأمر الحكومة، وكان الذي يقوم بأمر الحكومة في هذه السوق أناس من بني تميم، وكان أحدهم الأقرع بن حابس، ولما كانت هذه السوق مجمع القبائل، قال طريف بن تميم العنبري:

أو كلما وردت عكاظ قبيلة ** بعثوا إلي عريفهم يتوسم

... وكانت بعكاظ وقائع مرة بعد مرة، ولذلك يقول دريد بن الصمة:

تغيبت عن يومي عكاظ كليهما ** وإن يك يوم ثالث أتغيب
وإن يك يوم رابع لا أكن به ** وإن يك يوم خامس أتجنب
مقتطف من كتاب:(بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب) - السيد محمود شكري الألوسي البغدادي


د. أبو شامة المغربي