أنيس



حين عاودتها صورة أم سلمان ( ربما للمرة المائة أو يزيد).. وهي تغادر علي نقالة يحفّ بها أربعة عناصر من الحماية المدنية، وجمع غفير من سكان الحيّ الشعبيّ المزدحم. أحسّت أم إبراهيم بانقباض في صدرها، و وحشة في قلبها ومرارة في حلقها".. رحمة الله عليها.. كانت صديقة الطفولة و الشباب و رفيقة الحج و العمرة" مازلت نبراتها الحزينة ترّن في أذنيها وهي تشكو لها هجر سلمان و قسوة قلبه... حدث ذلك في آخر زيارة لها" هوّني عليك يا أم سلمان كلنا في الهمّ سواء".. ستفتقدها كثيرا دون أدنى شك... كانت مستمعة جيدة و مواسية أجود... صحيح ان البركة في أنيس، و لكن ليس الذكر كالأنثى اذا تعلق الأمر بالشكوى من عقوق البنين.

المرّوع في موت أم سلمان، لم يكن عدم وجود أي شخص الى جوارها حين أزفت ساعةالرحيل، فهذا متوقع لمن كان في مثل سنها و كثرة أمراضها و إنفضاض الأحبة من حولها.. المروّع في موت أم سلمان، كان كيفية العثور المتأخر عليها، و قد أتت الجرذان على نصف جثمانها وقيل أكثر.
نظرت إلى أنيس الذي بدت عليه آثار النعاس، ثم كرّرت و للمرة الخامسة منذ الإكتشاف المحزن:
ــ سبق أن أخبرتك، أن إختفاءها مش ببلاش.
ــ ...
تجاوزت نوبة سعال حادّة أضافت بعدها:
ـــ قلت لك أيضا أن قلب المؤمن دليله. و ان أحاسيسي لم تخني قط.
اطالت التنهد ثم استمرت متسائلة:
ـــ يا حبيبتي يا أم سلمان، من كان يتصّور أن نهايتك ستكون على هذه الصورة البشعة.
ثم وهي تنظر ناحية أنيس:
ــ بعد يومين من اختفائها، و حين اقترحت خلع الباب، أعارني الجميع آذانا صماء.. قالوا لي" ربما كانت مسافرة".. قلت لهم :" صحيح انها تعتزم السفر، و لكن ليس قبل فراغها اليوم من مراجعة طبيبها.. وحتى لو حدث ما يوجب سفرها فقد كان من الضروري اعلامي بذلك كي أتولي عنها تسلم معاش زوجها. هكذا كان دأبها منذ عشرين سنة". كنت بجانبي حين قلت لهم هذا.. اليس كذلك؟"
ــ ...
ــ أنيس

ــ ...
ــ أنيس... لعلك نمت يا حبيبي؟
ــ ...
اقتربت قليلا حيث يرقد أنيس
أمعنت فيه النظر.
لقد نام أنيس.
أدركت ذلك من تردّد نفسه و سكون ذيله!

أوسلو 28 مارس 2010