أبو العلاءِ المَعريُّ

أحمدُ بنُ عَبد الله بنِ سُلميان ..... الْقَحْطانِيُّ التَّنوخيُّ
الشَّيخُ العَلاّمَةُ ، شَيخُ الآدابِ ، الْمَعَرّي الأعْمى ، اللُّغوي ، الشّاعر ، صاحبُ التَّصانيفِ السّائِرة والمُتهم بِنِحْلَتِهِ ، عَماهُ بِسَبَبِ الْجَدَري ، لا يَتَذَكَّرُ من الألوانِ إلا الأحمر ، بَقيَ خمساً وأربعين سَنَةً لا يَأْكُلُ اللَّحْمَ تَزَهَّدَ وتفلسفَ ، قنوعاً مُتَعَفِّفاً ، لا يَقْبَلُ من أحدٍ شيئاً ، يُعَدُّ مع المتنبي والبُحْتري . من أَرْدَأ تآليفِهِ : ( رسالةُ الغُفران ــ ورسالةُ المَلائِكَة ــ وديوانه سقط الزند مشهور ــ ورسائل الطَّير على ذلك الأنموذج ــ ولزوم ما يلزم ــ من نظمه ) وكان إليه المنتهى في حفظ اللغات .
ارْتَحَلَ في حدود الأربع مئة إلى طَرابلس واجتازَ باللاذِقية ، فنزل ديراً به راهِبٌ مُتَفَلْسِفٌ ، فَدَخَلَ كلامُه في مسامِعِ أبي العلاء ، وحصلتْ لهُ شُكوكٌ لم يكنْ لهُ نورٌ يَدْفَعُها ، فَحَصَلَ لَهُ نوع انْحِلالٍ . دلَّ عليه ما يَنْظُمُهُ وَيَلْهَجُ بهِ . وَيُقالُ : تابَ من ذلك ، وَارْعَوى . لهُ خَلوةٌ يَدْخُلُها للأكْلِ ، وَيَقولُ : الأعْمى عورةٌ والواجِبُ استتارُهُ . فأكل مرةً دُبساً ، فنقط على صدره منه ، فلما خرج للإفادة ؛ قيل له : أكلتُم دُبساً ؟ فأسرع بيده إلى صَدره ، فمسحه وقال : لعنَ الله النَّهم . فعجبوا من ذكائه .
وَمِمّا رُمِيَ بِهِ أبو العلاء :

قِـرانُ الـمُشْـتري زُحـلاً يــُرَجّى لإيـقــاظِ الـنَّـواظـرِ مـِنْ كَـراهــا
تَـقـَضّى الـنّاسُ جيـلاً بَعْـدَ جـيـلٍ وخُـلِّــفَـتِ الـنّـُجـومُ كَـمـا تَــراهـا
تَـقَـدَّمَ صاحِـبُ الـتّـَوْراةِ مــوسى وأَوْقـع بـالـخسـارِ مَـِنْ اقْــتـراهــا
فـقـــالَ رِجــالــُهُ : وَحْــيٌ أتــاهُ وقــالَ الآخــرونَ بـــلِ افْـتــَراهـا
ومـا حَـجّـي إلــى أحجــارِ بيـتٍ كـؤوسُ الْخَـمْـرِتُشْرَبُ في ذُ راها
إذا رَجَــعَ الحكـيـمُ إلــى حِـجــاهُ تَـهــاوَنَ بِـالـمـذاهِــبِ وَازْدَراهــا

الباخرزي : ( أبو العلاء ضريرٌ ما له ضَريب ، ومَكْفوفٌ في قَميصِ الْفَضْلِ ملفوف ، ومحجوبٌ خَصْمُهُ الألد مَحْجوجٌ ، قد طالَ في ظلِّ الإسلامِ آناؤه ، وَرَشَحَ بالإلحادِ إناؤه . وَعِندنا خَبَرُ بَصَرِه ، واللهُ الْعالِمُ بِبَصيرَتِهِ والمُطَّلعِ على سَريرَتِه ، وإنَّما تَحَدثتِ الألسنُ بإساءتِهِ ) .

لَـه :
صَرْفُ الزَّمـانِ مُفَرِّقُ الإلفيـنِ فَاحـْكُمْ إِلـهي بـيـنَ ذاكَ وَبـَيـنـي
أَنْهَيْتَ عـن قَتـلِ الُّنفوسِ تَعَمداً وَبَعثـتَ أَنْـتَ لـِقَبضـِهــا ملـكين
وزعـمتَ أنَّ لَهــا مَعـاداً ثانيــاً مـا كــانَ أَغْنـاهـا عـن الحاليـن
وله :

عُقولٌ تَسْتَخـِفُ بِها سُطـور ولا يَدري الفَتى لِمَنِ الثُّبور
كِتابُ مُحمدٍ وكتابُ موسى وإنْجيلُ ابنُ مَريـمَ والزُّبور

ولـهُ :
قــُلْــتُـم لـــنـا خـالِــقٌ قَــديــمُ صَــدَقــْتـــُم هــكـذا نـــَـقـولُ

وله
زَعَــمـتـُـمــــوهُ بِــلا زَمـــانٍ ولا مَـكــانَ ألا فَـــقــــولــوا
هــذا كــلامٌ لــــَهُ خَـــبــيءٌ مـعــْنـاهُ لَـيْسَتْ لَـكُـم عُـقـولُ
وَلَـــهُ :
ديـنٌ وَكُـفــْرٌ وأنــبـاءٌ تـُقــالُ وفرقانٌ يَنُصُ وتوراةٌ وإنجيلُ
في كُلِّ جيلٍ أباطيلُ يُدانُ بِها فَـهَـلْ تَفتَرَّدَ يوماً بِالهُدى جيلُ


فَأَجابَهُ شمس الدين الذَّهبي :
نَعَـم أبـو الـقـاسمِ الْـهـادي وَأُمّـَتـُهُ فَـزادَكَ اللـهُ ذُلاً يـا دُجَيْجـيلُ
وَلَهُ أبياتٌ لُعِنَ عَليها مِنْها :

فـلا تَحْسَب مَـقــالَ الـرُّسْل حَـقـّاً ولـكـنْ قـَوْلُ زورٍ سَـطَّـروه
وكـانَ الـنّـاسُ فـي عَيـْشٍ رَغـيـدٍ فَـجـاؤوا بِالـْمُحـالِ فَكَـدَّروه
ولهُ :
يـدٌ بِخـمـسِ مِـئٍ عَـسْجَـدٍ وُدِيـَتْ ما بـالُها قُطِعَـتْ في رُبْعِ دينـار
تـناقُـض ما لـنـا إلا السُّكـوتُ لَــهُ وأنْ نَعـوذُ بمـولانـا مـن الـعـار

قيلَ أنَّه قالَ : هذا كقولِ الفُقهاء ، عِبادةٌ لا يُعْقَلُ مَعْناها . ومنْ عَجيبِ رأيه : أنَّهُ لا يأكلُ إلا ما ينبتُ ، وهذا رأْيُ الْبَراهما ( وهم الذين لا يجوزون على الله بعثه الرسل . وله كلامٌ كثيرٌ في الشَّطَطِ والزَّيْغِ ) .
ومن خَبيثِ قولِ الْمَعري :

أَتى عيسى فبطل شرع موسى وجــاءَ مــحـمـدٌ بـصلاةِ خـمـس
وقــالــوا : لا نـبـيٌّ بـعـد هــذا فَـظـَلَ الـقــومُ بـيـن غَــدٍ وَأَمـْسِ
ومهمـا عِشْتَ من دنياكَ هـذي فمـا تُـخليكَ مــن قـَمَـرٍ وشـمـسِ
إذا قُلْتُ المحالَ رَفَعْتُ صَوتي وإن قُلتُ الصَّحيح أطلتُ هَمْسي
وله بلايا كثيرة لم أرد ذكرها خشية الإطالة ، ويدخل لقلب القارئ الملالة .