النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: وداعا رائد الرواية الجزائرية العربية..

  1. #1 وداعا رائد الرواية الجزائرية العربية.. 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    52
    مقالات المدونة
    17
    معدل تقييم المستوى
    15
    عندما يختارنا الموت، فحتما نحن أمام الحقيقة التي لا تُفَلسَفُ، وإنما تَقهر.

    بعد معاناة دامت سنتين مع مرض عضال، أدرك الموت الأب الحقيقي والشرعي للرواية التي كتبت باللغة العربية في الجزائر: الطاهر وطار، "عمي الطاهر".

    الطاهر وطاربدأ الفقيد حياته الأدبية قاصّا ومسرحيّا، وانتهى بالرّواية سكنا لقلمه. منذ بداية السبعينات ظهرت رواياته التي كانت تعتبر علامة فارقة في تاريخ المتن الروائي الجزائري، وتعتبر مرحلة لتأسيس تجربة روائية متكاملة تنحو نحو الأصل لتكريس خصوصية خطابها الروائي. ففي تلك الفترة، بدأ الطاهر وطار ينشر عطاءه الأدبي في الساحة الجزائرية بروايات ومجموعات قصصية: اللاز (1974) والزلزال (1974) والحوات والقصر (1974) والشهداء يعودون هذا الأسبوع (1974)، وهي الروائع الأولى التي ثبَت بها الكاتب أقدامه في حقول تُزرَع فيها نماذج روائية لكنها بلغة أخرى، لغة حاولت محو الهوية العربية للفرد الجزائري.

    للذين لا يعرفونه، أقول في بضعة سطور إنه الرجل المتواضع جدا، ابن الريف الجزائري. ولد سنة 1936 بسدراتة الواقعة في ولاية سوق أهراس بالشرق الجزائري. درس وتعلم في مسقط رأسه. تربى تربية دينية من خلال حفظ القرآن، ثم التحق كبقية محبي اللغة العربية بمدرسة جمعية العلماء المسلمين لرائدها عبد الحميد بن باديس بقسنطينة، فقرأ الأدب ونهل من علوم الشريعة والفقه. ثم درس بجامع الزيتونة بتونس علوم الإسلام واللغة العربية.

    التحق بصفوف الثوار كأي جزائري وطني سنة 1956، فتمرس على النضال، وشكلت الثورة مفاهيمه الوطنية والنضالية، إلى جانب اهتماماته الفكرية والأدبية.

    اشتغل الأديب الراحل بالصحافة والسياسة، ولكنه كتب الرواية باللغة العربية بامتياز. أحاله أعداؤه على تقاعد استثنائي في سن الأربعينات.

    كان يعتبر أن الجزائر استقلت سياسيا، لكنها لم تنل استقلالها الثقافي بعد. الروائي الساكن بداخله خاض معركته بشرف، فقد كان "عمي الطاهر" حامل لواء اللغة العربية في الكتابة الروائية، ومن الذين تصدوا للجناح الفرانكفوني، ووقف لهم بالمرصاد لفضح مخططاتهم التدميرية.


    ظل الأديب الطاهر وطار مقتنعا بمسيرته التي اختارها، وباللغة التي أراد بها أن يعبر عن استقلال الجزائر الفعلي. وتمسك باختياراته. وكوّن نفسه فكان عصاميا بامتياز. استطاع أن يمنح للرواية الجزائرية عروبتها التي حاول أتباع فرنسا بترها منها.

    يحق لنا أن نبجل هذا الرجل الذي غازل اللغة العربية وراقصها في حفلات ومهرجانات رسمية ما تزال تلهج لغة المستعمر. نحن الجيل الذي كان يحمل راية العربية في سنوات التعريب الأولى في المدارس الجزائرية التي كانت مفرنسة حتى النخاع.

    نعم عمي الطاهر أنا من جيل معني جدا بموتك لأنك من رسخت لغتنا العربية، وكتبت بها لتعبد مع أجيالك الحاملين لنفس همومك، طريق أجيال قادمة. أعتز وأفتخر بأنني ممن فتحوا ثانويات جزائرية باللغة العربية ولا شيء غير العربية. كانت تلك السنة مفخرة للغة حاربها الاستعمار طيلة سنوات احتلاله للجزائر، وبعد الاستقلال واصل محاربتها من خلال تيار فرانكفوني. لا نملك بعدك إلا أن نوفيك حقك، ونمنحك مكانتك التي تستحقها. أنت طائر السلام الذي حط على أكتاف شعب أنهكته الحرب، وسلبت منه لغة لسانه.

    كل الذين عرفوه سواء اتفقوا أو اختلفوا معه في الرأي يجمعون على أن هذا الرجل الطيب يفرض عليك أن تحترمه وتُجل فيه الوقار والاعتزاز باللغة العربية حتى النخاع.
    واحترامه للرأي الآخر وهو الذي كان ديدنه في جمعيته الثقافية التي كانت تمد يد العون للأدباء الشباب، وهي جمعية الجاحظية التي أسسها سنة 1989، فكانت منارة الأدب الذي يؤصل لجذور هذا الشعب العربي الأبي المسلم كان شعار مؤسسها الفقيد " لا إكراه في الرأي"، ومن خلالها أصدر مجلة التبيين، والقصة، والقصيد، كما أسس جائزة مفدي زكريا المغاربية للشعر.

    بموت رائد الرواية العربية في الجزائر نكون قد فقدنا أهم أعمدة الأدب الجزائري والعربي. وتكون الجزائر قد خسرت أحد أهم حماة اللغة العربية. ويبقى عزاؤنا في رحيله تلك الآثار التي خلفها لأجيال متعطشة لحرف الضاد في وطن تعصف به رياح الغرب، فتقاومه نسائم الشرق.

    رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جنانه.



    مقال منشور في مجلة/عود الند
    فريدة ابراهيم بن موسى - الجزائر
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2  
    مشرف
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    المشاركات
    736
    معدل تقييم المستوى
    19
    شكرا لك أستاذتي الكريمة على هذه النبذة التي تضيء لنا عن احد اقلامنا اللامعة الرجل الانسان الطيب المتواضع الذي كان رمزا و مثالا لجزائري اصيل سي الطاهر . والتي لم توفه هذه البلاد حقه مثل غيره.
    وبالامس مات المفكر الجزائري محمد اركون بصمت ومن قبله المفكر عبد الله شؤيط صاحب كتاب معركة المفاهية الذي كان احدى الروافد المعرفية بهذا الوطن.
    رحمهم الله .
    قد تهزم الجيوش لكن لن تهزم الأفكار إذا آن أوانها
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3  
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    52
    مقالات المدونة
    17
    معدل تقييم المستوى
    15
    شكرا أستاذي رزاق الجزائري

    هكذا يموت الرجال العظماء مع نكران الأوطان لهم

    رحم المفكر محمد أركون

    شكرا استاذي

    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رحم الله الأديب الفقيد 
    (ريشة المطر) الصورة الرمزية نهي رجب محمد
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    الدولة
    صعيد مصر-مغتربة في الإمارات - العين
    المشاركات
    237
    معدل تقييم المستوى
    17
    جزيل الشكر علي هذه المقالة العظيمة الفائدة عن الأديب والقاص الطاهر وطار
    هكذا ترحل النجوم مخلفة ميراثا من الضوء ينير درب السالكين في العتمة
    نهى رجب محمد
    ريشة المطر
    التعديل الأخير تم بواسطة نهي رجب محمد ; 19/09/2010 الساعة 04:40 AM سبب آخر: تنسيق
    تحيا جمهورية الأدب
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. المخابرات الجزائرية تعتقل المواطن الحر مصطفى ولد سيدي مولود
    بواسطة عبده رشيد في المنتدى فسيفساء المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03/10/2010, 03:56 PM
  2. كتاب رائد في اللغة العربية
    بواسطة طارق صلاح الدين في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 13/09/2009, 08:40 AM
  3. اشجار الزيتون ...لابناء الثورة الجزائرية
    بواسطة غمارى احمد في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 26/06/2008, 05:31 PM
  4. الاحساء تشيع الشاعر عبد الرحمن المنصور رائد الشعر الحديث في نجد ..
    بواسطة د.ألق الماضي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 27/02/2008, 11:27 PM
  5. وداعاً نجيب محفوظ .. راوي مصر وقمة الرواية العربية
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 01/09/2006, 01:55 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •