عندما اطلق القدر صافرته بانتهاء العقد السابع من عمره كان الرجل قد انهى لتوه مراسيم التشييع لشريكة حياته وام عياله , وحين غادر المشيعون المقبرة مكث هنال تلقاء قبرها يستعيد شريط ذكرياته معها حلوها ومرها , صفوها وكدرها اوقف الشريط عند ذلك المشهد مشهد ذلك اليوم الجميل يوم زفافه على المرحومة . تبسم العم عواد ثم واصل استعراض الشريط ببقية مشاهده المثيرة مرورا بمشهد الفرح بولادة ابنهم البكر عزيز ثم بمشهد الحزن الذي خيم عليهم بوفاة ابنهم الثاني بعد ولادته بقليل ثم مشهد الحزن والفخر في ان واحد باستشهاد ابنهم الثالث محمود دفاعا عن حياض الوطن في حرب الخليج الاولى سنوا ت ثم مشهد الفرح بزواج عزيز ومشاهد الفرح في مجيء الاحفاد ومشاهد الحزن برحيل الاحباب والاصحاب و ... و ثم المرض المفاجيء لام عزيز ومعاناة مراجعة عيادات الاطباء والمستشفيات ثم ينقطع الشريط على صيحات عزيز :حب في الوقت الضائع
ـــ أبي مابك ياأبي لقد تأخر الوقت وهناك في البيت الكثير من المعزين في الانتظار.
ـــ الكثير من المعزين وماذا سينفعني عزاء هؤلاء هل سيعيد لي أمك ياعزيز؟
مد عزيز يده ليساعده في النهوض فيمشي العم عواد الهوينا متكئاعلى كتف عزيز ثم يلتفت وراءه فيلقي بطرفه الدامع تحية الوداع على العزيزة ام عزيز.
مرت الايام والاشهر معلنة عن الذكرى الاولى لوفاة الشريكة الغالية , كانت بالنسبة للعم عواد سنة من الوحدة , سنة من الحرمان والاتكال على صدقات الكنات ومنتهن في تقديم الخدمة والرعاية له واللاتي لم ولن يرقين الى مستوى المرحومة ام عزيز فلقد كانت عنده كعصاة موسى يتكأ عليها في تصريف امور البيت حينا ويهش بها على الاولاد حينا اخر .
من هنا عصفت به الهواجس وراوده التفكير بالزواج على كراهة لكن هذه الاسألة هي الاخرى بحاجة الى اجابة ... فمن سيختار؟ ومن سترضى ؟ وهل سيوفق مثلما وفق اخوه ابو عبدالله ؟ حيث رزقه الله بنت الحلال التي سهرت على رعايته والعناية به حتى اخر يوم من حياته , وهل سيكون العمر كريما معه فيمنحه وقتا اضافيا يمارس به حياته كما كانت أم أن الامراض المزمنة التي بدات تغزو جسده المتعب قد لاتسمح للعمر دوام .
لكن العم عواد لم يستسلم فراح يرسل الخاطبات هنا وهناك واخيرا وبعد جهد جهيد وجدن له فتاة بالمواصفات وكونها من اسرة فقيرة ومعدمة فقد وافقت سريعا وبدون عناء , فرح الرجل وارسل المهر على الفور وهو يمني النفس بحياة جديدة وعمر مديد فقضى ليلته يضرب الاخماس والاسداس وراح يبني من الاحلام بيوت امال , لكن المفاجاة كانت صاعقة و قاسية اذ سرعان ماتراجعت الفتاة في اليوم التالي حين تقدم اليها خطيب ثان , شاب وسيم صحيح الجسم تملؤه الحيوية والمستقبل مفتوحا امامه. لم يتحمل الرجل وقع الخبر فسقط مغشيا عليه لينقل بعدها المستشفى ثم يوضع في قسم العناية المركزة , ياتي الطبيب فيشخص حالته كالاتي ... المريض يعاني من "حبٌ في الوقت الضائع ".