على غير العادة استيقظت "هي" اليوم وكأن الحياة عادت إلى أوصالها من جديد بعد غيبوبة طويلة.....كانت تتحسس المكان بكل جوارحها .كأن شيئا ما بداخلها يرغب في أن ينقب عن بعض من ذكريات أيامها الخالية......
ربما كان الدافع لذلك استرخاءها اليوم في فراشها ....رفاهية افتقدها جسمها منذ زمن طويل.
"هي" اليوم في عطلة لذا لن تكون مجبرة على مسابقة الزمن، كي ترتب أشياء غرفتها وغرف أطفالها التي عبثا تحاول تثبتها في مكانها.....
تتحسس المكان بسمعها هذه المرة...فتجده صامتا حد الرغبة في العودة للنوم من جديد.....
أطفالها الثلاثة غادروا البيت منذ زمن مع والدهم لمقاعد دراستهم.....لذا فالبيت في تلك اللحظة كان سالما من "جرثومة" صراخهم المستمر......الذي كثيرا ما يسبب لها ألما فضيعا في الرأس....لا تسكنه إلا حبة الأسبرين التي أصبحت تتجرعها يوميا حد الإدمان....
ربما هذا الهدوء غير المعتاد هنا ، هو الذي أعطى لعقلها اليوم مساحة التفكير بعمق في تفاصيل حياتها داخل البيت وخارجه......
تلف خصلة من غرتها السوداء الجميلة حول سبابتها ثم تتركها تنسدل من جديد.....فهي قررت أخيرا النهوض من سريرها الذي ملت الاستلقاء عليه.
تتجه نحو مطبخها.....تلك المملكة الجميلة التي تشتهيها كل نساء العالم.....مملكة هجرتها كباقي تفاصيل أخرى جميلة أيضا ، اختزلتها من يوميات حياتها.....تسكب فنجان قهوة من الإبريق الذي حضره زوجها قبل أن يخرج للعمل .....
"غريب"...تردد في نفسها....حتى واجباتها نحو زوجها أسقطتها من قائمة الأولويات.....
تخرج للشرفة ....تبعد كرسي الطاولة الموجودة هناك بحركة بسيطة من رجلها...""فهي" اليوم تريد أن تتحرر من بروتوكولات حياتها العملية".....وتجلس أرضا...... ربما فعلت ذلك...لأنها ترغب في تحسس برودة البلاط. علها تشعر مجددا أنها هنا في بيتها بين أشياءها ....مملكتها الضائعة....التي لم تعد تختلف عن وطن عزيز ...تم هجرانه جحودا من قبل كل الأحبة .....
تميل برأسها إلى الوراء. فتعلق عيناها بزرقة سماء صافية حد الإغراء للتحليق فيها....فتطفوا على سطح ذاكرتها ....ذكرى وجودها "هي".... و"هو" هنا في البيت أول مرة.....كان ذلك يوم زفافهما....كلاهما كان يتخيل لحظتها أن عتبة هذا البيت لن تختلف كثيرا عن عتبة جنة دائمة الخضرة... خالية من كل أنواع الغيم الأسود......كلاهما عمل جاهدا لتحقيق ذلك......لكن الخضرة الدائمة بقيت مجرد حلم.....والسماء الصافية لا تعدوا أن تكون "هنا" جزءا من ذلك الحلم الذي استحال تحقيقه. ....
كل شئ"هنا"..... داخل البيت أصبح ذابلا مصفرا حد القهر.....
"الخيال غير الواقع" ...يردد صوت الحقيقة المر بداخلها..... "الخيال غير الواقع" يتكرر الصوت .......
تلعن للمرة الألف داخل نفسها الحاجة التي جعلت "منه" "ومنها "مجرد غرباء تحضنهم جدران باردة....وسقف يحبس تحته بعضا من آمالهم الضائعة......وغرف تملأها خيوط عنكبوت عمرت "هنا" لطول ذلك الجفاء بين "هي" و"هو"......
العاقل (تردد بينها وبين نفسها):" لا يلهث ليل نهار وراء لقمة عيش ممزوجة بالضياع".
لو أنها من بداية حياتها، لهثت وراء القلوب المعمرة هنا، داخل هذه الجدران الباردة كي تستعبدها، ألم يكن ذلك أسعد لها"" و"لهم"؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
تتذكر بحسرة أن تلك القلوب البائسة" هنا "خارجة عن إطار أولوياتها .....فأولوياتها "هي" محصورة في سفر ونجاح في عمل كي يزداد المردود الاقتصادي أكثر.....فتلبي لها ولهم طلباتهم الأكثر !!!!!!!!!!...فالحياة اليوم تستنزف منا أرواحنا كي نحصل على النقود .....كما أنها تستنزف الجيوب أيضا !!!!!!!!!!!!" بعد ذلك فتتركها خاوية مثل خواء الأجساد. من الأرواح ...
" تبا للحاجة" تكرر بينها وبين نفسها مرة أخرى .......ومرة أخرى..........وأخرى.
:" يبدوا أن الحياة اليوم جعلت من" الاختيار" هو الآخر "ترفا"، لا يحق للمواطنين من الدرجة الثانية والثالثة التمتع به !!!!!!!!!!!!!!!!" تردد "هي" في سخرية .
ولكني أريد استرجاع مملكتي وقصري.....من استعمار الحاجة و المادة......
أريد استرجاع حقوق ....."عرشي" داخل مملكة قلبه " هو".....أرغب في استرجاع موطن صورتي الحانية داخل عوالم" هم ".......... أطفالي.....ذاك الزاد الذي ضيعته...من اليوم الذي أجبرتني الحياة فيه على اللهث وراء مادتها ...من أجل تحقيق لي ولهم ما هو فقط مادة!!!!!!!!!!!!!!!!!!
أريد العودة من جديد إلى "هنا" ..............................قصري.....