أواخر هذا الشهر تنعقد القمة العربية نسيت رقم ماذا في ليبيا و يجتمع الملوك والرؤساء العرب.أصحاب الفخامة والسعادة ليناقشوا اوضاع الأمة ومحاولين ايجاد الحلول لمشاكلها وبلورة الرؤى الاستراتيجية للتحديات المستقبلية لها.
اذا كان هذا هو حقا الشعار عند كل اجتماع قمة عربي لماذا حال الأمة سائر من سيء الى أسوا ؟.
فمتى يكون العمل الحقيقي لرأب الصدع العربي و ننهي مرحلة التصادم و التنافر و نسير مثل كل الأمم نحو مستقبل نرسمه نحن لا يرسمه لنا غيرنا.
فكما قال محلل سياسي إيراني *من المؤسف ان العرب لا يملكون التأثير في مصيرهم ولا صنع مستقبلهم رغم انهم يملكون كل الأدوات اللازمة لذلك.* نعم كلام فيه كل الحق فيكفي ان نقارن 22دولة عربية بإيران او تركيا مثلا و مواقفهم في قضاياهم المصيرية.وتطابق استراتيجياتهم مع مصالحهم لندرك الواقع الذي هو اكبر من مخزي الذي آلينا اليه .فإلى أين نتجه داخل حركة التاريخ.
ان واقعنا العربي يمر بأحلك ايامه فقد صار جليا في هذا العالم ان من يدين بالإسلام هو كمن يتربص بالآخر و ينتظر الفرصة لينقض عليه و الصورة ليست فقط في الشوارع الغربية بل حتى في المحافل الرسمية التي يدعى إليها ملوكنا ورؤسائنا ليسمعوا الشتم و السب و نشر الغسيل وقد صار جليا للعالم اننا الوحيدون في هذا العالم الذين نسير بدون إستراتيجية وهدف .
فالسياسة العالمية التي سطرتها الولايات المتحدة .و تبنتها المعمورة تحت الضغط.لن تترك أحدا خارج الإطار و بخاصة المتهمون المباشرون العرب و المسلمون .و الغريب في الأمر ان هذا الواقع يدركه حكامنا جيدا غير انهم لم يهتدوا الى توحيد الرؤى.بل اعتمدوا مثل كل مرة سياسة النفور من الشريك الطبيعي و التقليدي شعوبهم .فحتى البيانات التي يصدرها العرب و بغض النظر عن متابعتها فهي لا ترقى حتى لمستوى الاستهلاك فكيف التأثير .وفي ظل هذا الواقع فالأكيد ان العلاقات العربية العربية ستتدهور اكثر في ظل التحدي العالمي و سياسة إرضاء الأقوى ودفن الرأس في الأرض كالنعام. بل والقيام بمشاريع غريبة*كفصل الجوار حتى من تحت الأرض* بحجة الأمن القومي متجاهلين ان الأمن القومي لكل دولة عربية هو جزء لا يتجزأ من جوارها .وانه تقنيا لا ضمانة لهذا الامن اكثر من تعزيز التكامل بين هاته الدولة وجوارها تسايرا مع التكامل العام لكل الدول العربية.تحت معطى الحس والانتماء الثقافي والجغرافي و الديني.وهاته السياسة العكسية هي ما جعل من يتربص بالمنطقة يتمادى في رفع سقف مطالبه والإصرار عليها بالتهديد والوعيد لانه تعود بالتجربة على قابلية المنطقة ودولها لتلك الاستجابة وبالتالي التهديد عسكريا وفعليا لكل من سولت له نفسه اتخاذ موقف استقلالي اتجاه قضاياها.
وهنا علينا الإشارة الى ان جميع الدول العربية تربطها علاقات عداء مع دولة او اكثر وان قللنا من مصطلح عداء فلنقل جفاء فيمكن الاشارة مثلا الى العلاقة المكهربة بين الجزائر و المغرب و بين السعودية و ليبيا وليبيا ولبنان. الامارات المتحدة و البحرين .قطر و السعودية .الاردن السعودية .لبنان سوريا.الكويت العراق.قطر مصر.مصر سورية .و المهزلة التي حدثت مؤخرا بين مصر والجزائر بسبب مباراة كرة قدم ظاهريا. وهناك خلافات اكثر داخل ثلاجات هاته الدول تنتظر الخروج للعلن.
و لعل هاته الادلة هي دلالة على المستوى الذي وصلت اليه الاجتماعات العربية العربية و العلاقات الثنائية العربية العربية و يكفي ان نذكر غياب قادة دول عربية عن القمم الماضية بسبب خلافات شخصية لنضحك على هاته الأمة و مصيرها بيد هؤلاء .والملفت للانتباه ان غياب الديمقراطية و انفصام العقد الاجتماعي بين الحكام و الشعوب مدد عمر التقهقر وزاد من عمر هذا التشنج.
ميراث متراكم من النزعة الفردية والقطرية الملونة بأثرياء المرحلة وبطانة السوء والفساد الجاثم فوق انات شعوب مستضعفة مقهورة.يضحك عليها ببرامج سياسية ومرتزقة مثقفين يغذون روح الكراهية والبغضاء بينها داعين للقطرية كخيار ومسوقين لإستراتيجيات تخدم مصالح أعداء الأمة بترويض شعوبها.فحتى التمترس العربي كمعتدلين و متطرفين مضحك في طرحه .فهل تلك الأنظمة التي تسمى المعتدلة اكثر انفتاحا وديمقراطية وتوافقا مع خيارات شعوبها. للأسف فواقع الحال يعبر عن نفسه فالمشكلة على حد تعبير *شيمون بيريز*"ان المسألة ليست ديمقراطيات او دكتاتوريات ان المسالة في ان علاقة هاته الأنظمة مع إسرائيل أحسن من علاقاتها مع بعضها" فليس مستبعدا ان يكون بعض الزعماء اليهود أفضل موقفا من الحكام العرب قاطبة بانتقادهم الجرائم الإسرائيلية و الدعم الأمريكي لها .بينما يدين الحكام العرب عمليات الدفاع الشرعي عن النفس والحق في المقاومة بل ان مسئولا عربيا حتى تجرأ على تسمية التعبير العفوي لشعبه لمساندة اخوتهم المضطهدين وهو أضعف الإيمان بالغوغاء.اذن مصطلح الاعتدال المفهوم منه سياسات ترويض الشعوب بما يتماشى مع تقبل الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين كواقع لابد من تقبله والتعايش معه .
اما آن الاوان لكي تستبدل هاته القيادات و يسلم المشعل لمن لا يملكون في جعبتهم حسابات شخصية. ولا زلت اذكر في قمة الجزائر 2005 كم كان المشهد طريفا الجمع بين شخصيتين متناقضتين وهو تجسيد للفرق الواسع بيننا وبينهم *القذافي و ثاباثيرو* رئيس الوزراء الاسباني . فالأول يحكم منذ فاتح سبتمبر 69 ولن يزحزحه من كرسيه الا الموت و الثاني مارس 2005 نفهم موقعنا في مسار التاريخ .ونفهم ما يحدث للعرب من مهانة مع استمرار القادة في تجاهل مطالب شعوبهم و إثارة الضغائن بين هاته الشعوب ما لن يغفره التاريخ يوما .
ان قراءة بسيطة في واقعنا الفكري ارتباطا بواقعنا السياسي تؤكد من خلال معطيات عدة و من نتائج وقائع متكررة انه لو استمر العرب على هذا الوضع من الركود و الإهمال لقضاياهم المصيرية فأنهم حتما منتهون الى الأسوأ و هو ما نلمسه من واقعنا المعاش كل يوم .ففي رأي إثبات العرب لوجودهم هو رهينة لنفض هذا الغبار الثقيل الذي جعلهم يفرطون حتى في شرفهم و شرف أنجالهم .
فالعرب رغم ما هم عليه من كيان اقتصادي و عسكري و اجتماعي له كل مؤهلات النجاح *النفط.الغنى الطبيعي .شساعة الأراضي.القوة البشرية* هم في صراعات مع الأخر الغرب و من ورائهم الصهاينة لا يفقهون قواعدها و منطلقاتها بل يجهلون كل شيء عن أعدائهم ولا يعرفون عن إسرائيل مثلا سوى لون العلم وشكله.
شبابنا العربي رجال الجبهة المأمولة لرد الكرامة العربية. وتحت وطأة الفشل التنموي على كل الأصعدة للنظم التسلطية لم يعد يعنيهم من تاريخهم شيء .بل صار التاريخ عرضة للسب والشتم و المعيرة والتلفيق مثلما حدث مع مصر والجزائر للأسف مؤخرا.فكيف بان يعرفوا فن تاريخ اليهود مثلا عن فلسفتهم و فلسفة منظريهم فاغلبنا لا يعرف عن الأدب العبري مثلا. شيئا كأساس للعلوم الإنسانية و تطلعاته و تأثيره على الثقافة العبرية و الغربية خاصة بل و كيف و معرفة اللغة العبرية و ما من ذلك من سبل لدراسة الهوية الإسرائيلية و قوتها و ضعفها على عكس الإسرائيليين الذين يكادون يعرفون كل شيء عن العرب. الا يفسر هذا كيف نجحت الدولة العبرية في هزيمة امة في ثلاث حروب نعم الحقيقة اننا كنا ننادي الى الحرب و نحن لم نستعد لها فيما هم ينادون الى السلام و يستعدون للحرب .من هنا يظهر جليا ان المعركة العربية مع إسرائيل ومن ورائها العالم الغربي حتما خاسرة من الجانب العربي اذ يعد من يدخل لها مغامرا في زمن الفكر الدقيق و الثوابث العلمية .
فما زلنا نحن العرب نعجز عن مناقشة فكرة فكيف الايمان بها .رغم ان التاريخ يعلمنا انه قد تهزم الجيوش ولكن لن تهزم الأفكار اذا آن اوانها هذه هي الحقيقة. الارتجال و العاطفة وابتعادنا على كل ما هو واقعي بل نحن على حد قول بنغوريون*لا يفقهون و اذا فهمو لا يعملون* فكيف نساير هذا الواقع الذي يندفع الى الأمام بسرعة مذهلة و نحن نتقهقر الى الخلف بنفس السرعة
و هنا علينا ان نطرح السؤال الاستراتيجي الذي لا مفر لطرحه في كل الدوائر السياسية و الإستراتيجية و مراكز صناعة القرار العربي بل في العقل العربي ما السبيل لهزم إسرائيل و النهوض بكيان الأمة من جديد .لماذا لا يدرس لنا في مؤسساتنا التاريخ العبري مثلما يدرسون هم تاريخ العرب .لماذا لا ندرس نحن اللغة العبرية ليطلع شبابنا على واقع الهوية العبرية و يعرف الجانب الأوضح من عدوه مثلما يعرف الشباب اليهود كل شيء عن الذات العربية و تاريخها و مميزاتها الحضارية ولسانها.بل يسعون الى صنع أسلحة بيولوجية لا تستهدف غير العرب.ومن يرى هذا مستحيلا يسأل كم كان كم المستحيلات العلمية قبل قرن وهل هي كذلك اليوم .
فإسرائيل عندما قصفت مركز الدراسات الفلسطينية بلبنان يوما ما لم يكن ذلك عبثا فهي تعي جيدا دور مثل تلك المراكز في عملية الوعي العربي الذي يخيف إسرائيل اكثر من أسلحتهم.
فالعرب ليسوا بحاجة لاجتماعات قمة لشرب النبيذ واكل الشواء بدل ان اقول *الشجب والتنديد* لانه الواجهة*. العرب بحاجة الى مشروع استراتيجي ووضع الآليات لخلق الوعي و التقدم المؤسساتي لتجسيده.
فحتى في الدول ذات العمق التاريخي والحضاري تطغى فيها المصالح الفئوية للنظم على مصلحة الدولة بالمفهوم الجغرافي و السياسي كنظام معياري للقيم العامة لامة ما .و نجد شرخا هاما بين القمة والقاعدة في الخيارات الإستراتيجية.
فما زلنا لم نخرج من جدلية مفهوم الدولة و التي هي الركيزة الأساس بما لذلك بارتباط بالمواطنة والهوية و آليات تجسيد ذلك كالديمقراطية حتى يكون لنا كعرب مفهوم واستراتيجية مستقبلية اتجاه قضايانا بما يكفل الامن القومي العربي كمعطى شامل بكل أبعاده الاقتصادية والعسكرية والسياسية.
ولن يتم بلورة ذلك لدينا كعرب وقبل ذلك في وجدان مجتمعاتنا العربية الا بتفعيل مفهوم مواطنة حقة و ذلك بتجسيد الحق في المشاركة الديمقراطية التي تقود الى ردم القطيعة بين القمة والقاعدة و تساهم في خلق إحساس بالمسؤولية الذي يدعم مفهوم الهوية الوطنية كمعطى للهوية لدى الامة للوقوف مع اي خيار استراتيجي تتخذه ضد الاخطار التي تتهددها.وهو شيء نلاحظه جليا عند الامم الاخرى كالايرانيين مثلا.اذ لا نجد شرخا بين القمة والقاعدة في الخيارات الإستراتيجية.بدل التسابق على من يفوز بالحضوة عند أمريكا والغرب..
وما دمنا بعيدين عن ذلك في ضوء الواقع فلماذا القمة.
من الغريب انه عند موت كل حاكم عربي تروح وسائل الإعلام في إظهار مناقب ذلك الرئيس او ذاك الملك ودوره في مصلحة شعبه و في لم الصف العربي وتفعيل العمل العربي المشترك.وووو ؟؟؟؟ !!.
.....
ر.رزاق الجزائري