(موت شاعر)
قصيدة إلى روح الشاعر السوري
(عز الدين الخيـّر)
وغادَرَ آخرُ أحبابِهِ
فَلفَّ المساءَ بجِلبابِهِ
وأعرَضَ عنْ أُغنياتِ الوجودِ
فلمْ يَبقَ صوتٌ على بابِهِ
يدورُ بأحداقهِ في الفضاءِ
يلوكُ الفراغَ بأهدابِهِ
يمرُ بهِ الحزنُ مثلُ الحَمامِ
يَرفُّ عليهِ بأسرابِهِ
فعادَ بوحشتِهِ للوراءِ
كطفلٍ يَعودُ لألعابِهِ
وعانقَ شُبّاكَهُ للرحيلِ
فأيقظَ غفوةَ لِبلابِهِ
يلوّح للسفْحِ عَبرَ الزُجاجِ
ليَسمَعَ ضحكةَ أعشابِهِ
هُنا كنتُ طفلاً ، هناكَ التقينا
هنا ذابَ عُمرٌ بأكوابِهِ
هناك احتفينا بخمرِ القصيـدِ
وطِفنا سُكارى بِتَشرابِهِ
أنا و (مَناةُ) ، وهمسُ البحورِ
وشِعرٌ يتيهُ كأربابِهِ
لقد عِشتُ عمراً كأن اللياليْ
جَهَدْنَ ، جَهَدْنَ بإتعابِهِ
تداركهُ الوهنُ حتى وَثِقْتُ
بأنَّ التلاشيَ أولى بِهِِ
فكمْ أوجَعَ الثلجُ (شوُحَ) الجبالِ
وعضَّ عليهِ بأنيابِهِ
وكمْ ضاجَعَ الصيفُ حُلْمَ الخريفِ
ليولِدَ أيلولَ مِنْ آبِهِ
غَدَاً !! سأغادرُ صَمْتَ المروجِ
كما يُنـزَعُ (الحورُ) مِنْ غابِهِ
ويُصبحَ بيتُ اللقاءِ (العتيقِ)
مكاناً يَعُجُّ بأغرابِهِ
فنامَ على زمنِ الراحليـنَ
ليغفو على بَرْدِ أعتابِهِ
وَبعثَرَ أشعارَهُ بالضياعِ
ليشكو إلى الصمتِ ممّا بِهِ
تماهى معَ الموتِ يأساً فيأسَاً
وغطّى الهدوءَ بأسبابِهِ
يُشاكسُهُ الحُلمُ حيناً بخوفٍ
ويعبثُ حيناً بأعصابِهِ
يُعالجُ أقواسَهُ بالبقاءِ
ليرميْ الفناءَ بنشّابِهِ
يُكوّرُ أشلاءَهُ بالسجودِ
لِيولَدَ منْ قبرِ محرابِهِ
وحتى لفرطِ الأسى والقنوطِ
تَثاقَلَ عنْ حَملِ أثوابِهِ
يُسامِرُ أوجاعًهُ الـمُضنياتِ
ولمْ يَشكُ يوماً لعرّابِهِ
تداركهُ الوهنُ قَطراً ، فسالتْ
بقايا الحياةِ بميزابِهِ
فأسلَمَ للموتِ قَودَ الزمامِ
وأغناهُ عن جَمعِ أسلابِهِ