هل صحيح أن المجتمع العربي (ذكوري) ..والمجتمع الغربي (أنوثي) ؟

يدو أن مسألة الظاهر والباطن بدأت تكتنف كل الأشياء ، بدءاً من المسائل التعبدية الخالصة ، ومروراً السياسة وغيرها ، وانتهاءً بصفات وطبقات المجتمع ، حتى إننا بدئنا نلمس الظاهرية والباطنية في تعاملاتنا اليومية المجتمعية والأسرية ، ومصداق ذلك ما تعارفه الناس من المثل القائل (إياكِ أعني ..واسمعي يا جارة) .
فعلى صعيد الفهومات الدينية ، نجد الكثير من المفاهيم التي تتعلق بالعرفان والفتاوى والتفسير والتأويل ، وكلها لا تخلو من انطباقات مع معاني الظاهر والباطن ، حتى أننا نسمع غالباً أن للكتب السماوية (ظهر وبطن) ، ولما يقوله الأنبياء والمرسلون من أحاديث ظهر وبطن ، ولما يتفوه به العلماء ظهر وبطن أيضاً ، ولست بحاجة للخوض في التفاصيل ، فـ (إن اللبيب من الإشارة يفهمُ).
وعلى صعيد السياسة في العالم ، فحدث ولا حرج ، فهناك الكثير من القادة والزعماء والرؤساء والملوك ممن يمثلون الواجهة (الظاهر) في أحزابهم أو حكوماتهم ، بيد أن الفاعل الرئيسي والمحرك الكبير (الباطن) قد يقف خلف الكواليس ، أو في العتمة ، ودون أن يراه أحد ، كأنموذج (سرجون) الذي كان يعمل خادماً لدى (يزيد) والذي أوحى وسوغ ليزيد قتل الحسين ، ورأينا ألأتراك والفرس وغيرهم كيف عاثوا بقرارات أمراء المؤمنين في الدول التي يتمسح بها العرب ويسمونها عربية، ونتلمس تأثيرات اليهود والنصارى على قرارات أمراء المؤمنين في الدول التي يعتقد البعض إنها كانت إسلامية .
وليس معنى هذا إننا نقف ضد من يعتنق بقية الأديان ، مسيحياً كان أو يهودياً أو صابئياً أو غيرهم ، ولسنا من دعاة التطرف ، ولكننا نقف موقف (مستضد الضد) مع من يحمل مشروعاً دينياً متطرفاً كالمشروع الصهيوني أوالنغمة التي يعزفها بعض من يدعون أنهم حماة الصليب ، يريدون بها أن يطفئوا نور الله في الأرض ، ويقمعوا وجود الإنسان .
في السياسات المعاصرة ، قد يتصور البعض إن الرئيس الأمريكي هو الأب الراعي لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية ، غير ملتفت إلى الأيدي المؤسساتية والشركات الاستثمارية والعقارية ، وأصحاب رؤوس الأموال ، واللوبي الصهيوني في الوقوف خلف الكواليس والتأثير على القرارات ومفردات الأجندات والتطبيقات ، ولست أخفي دهشتي من همسة همسها بأذني بعض من أعرف ، حين قال لي – والعهدة عليه – بأن أي قرار أو مشروع أمريكي لن يبصر النور دون أن يوافق عليه (اللوبي الصهيوني) ويباركه (البابا) شخصياً .
وعلى كل الأصعدة ، فهناك الظاهر والباطن ، وهنا أتذكر مثلاً عراقياً كان يردده العراقيون الذين سافروا في حينها الى دول أوربا والدول العربية ، فقد كانوا حين يتذاكرون (الفساد) والانفتاح والانشراح يرددون المثل العامي الذي يقول (القول لندن ..والفعل بيروت) ، ومعناه أن السمعة للندن ، بيد أن الفعل الحقيقي في بيروت ، ولست معنياً بصحة أو خطأ هذا القول (المثل) أو غيره ، ولكنني أوردته لأثبت أن (الظاهر والباطن) موجود بأدق وأكبر تفاصيل حياتنا .
وللعودة الى أصل عنوان المقالة ، فعلينا أن نتسائل عن معنى كون المجتمع (ذكوري) أو (أنوثي) ، فالأعم الأغلب من الناس ، والمرأة العربية الذات ، تتهم المجتمع العربي بأنه مجتمع (ذكوري) ولا مجال للمرأة فيه ، وهذا ما طبل وزمر له أعداء المجتمع العربي والإسلامي في الغرب .
والكثير من الناس ، والمجتمعات النسوية العربية بالذات ، تثني على المجتمعات الغربية ، وتعتبرها مجتمعات (أنوثية) ، وتشعر أن فيها للمرأة متسعاً وأفقاً شاسعاً ، وهذا ما تشبث به الغربيون ، واعتبروه مفخرة لهم ، وهلل وكبّر له المتأثرون بثقافة الغرب .
ولكي نكون دقيقين في التوصيف ، فعلينا أن ننتبه الى أن البعض يتصور بأن أنوثة المجتمع تتمثل بالإباحية والعري والمتاجرة بأجساد ومفاتن النساء وتسويق البضائع من خلال صورهن المثيرة للشهوة والغريزة والمسيلة للدموع واللعاب بنفس الوقت ، و هذا الكم الهائل من الأفلام والصور الإباحية ، بل البعض يرى (أنوثة) المجتمع الغربي من خلال إعطاء الحرية للبنت - حين تبلغ الثامنة عشر - لكي تغادر بيت العائلة وتلتحق بالحشـّاشين ومدمني المخدرات وتتسكع في الأحياء وتمارس الجنس أو ترتاد بيوت الدعارة وتتعرض للاغتصاب والامتهان أو استغلالها والمتاجرة بجسدها ، كل هذا لتشعر أنها كائن موجود ، وتتمتع بحريتها وكيانها ، فهذا سوء فهم لمعنى الحرية وكرامة ووجود المرأة ، ولا داعي لأن نناقش في التفاصيل ، ولو أن مجتمعاتنا العربية في الوقت الحاضر ليست بمعزل عن هذه الممارسات الأخلاقية تماماً ، ولدينا من جرائم الاغتصاب وأمراض السحاق والمثلية وانتشار بيوت الدعارة ومحلات المتاجرة بالنساء وغيرها ما لا يمكن كتمانه ، ولا يمكن البوح به .
وعلى كل حال ، فهناك - أيضاً - من يرى (أنوثة) و (ذكورة) المجتمعات من خلال نسب توزيع المناصب والمقاعد والوظائف بين النساء والرجال في المجتمع ، وهذه طريقة خاطئة ومخطئة أخرى ، لأن المجتمع العربي والإسلامي يؤمن بأن صلاح المجتمع لا يكتمل إلا على يد امرأة ، ولذا أمرها طلب العلم والثقافة ، ثم أعطاها (أهمية ودور وصلاحية ووجوب) أن تتولى رعاية البيت ، وحماية أمن الأطفال والأسرة من الانزلاق في المهاوي ، وأعطاها أكبر وظيفة من وظائف الكون ، وهي بناء الأسرة ، التي من خلالها سيتم بناء المجتمع بكامله ، ولا أعتقد بأن وظائف (الصادر والوارد) أو وظائف السكرتارية أو العمل كنادلة في الكافتيريات والمقاهي يمكن أن توازي حجم وأهمية مسؤولية بناء المجتمع .
ولكي نفهم أي المجتمعين ذكوري وأيهما أنوثي ، فعلينا أن نعرف بأن أغلب أفراد وشركات المجتمع الغربي كانت وما زالت تعتبر المرأة سلعة للتسويق ، خصوصاً عمليات التسويق إلى المجتمعات العربية التي يؤمن أغلب أفرادها بأن أهم ما في الإنسان هو (البطن ..وما تحت البطن) ، ولأن أغلب أفراد المجتمع الغربي كانوا قد عاصروا الإباحية والابتذال واعتادوها ، وأصببحت لديهم من المألوفات والمسلّمات ، فقد اكتنزت بوعيهم مفاهيم أن المرأة سهلة ورخيصة ومباحة ، وإنها ليست بالغلاء الذي تتصوره ، ولذلك ، فقد فقدت المرأة الغربية شعاعها وأنوثتها وأهمية وجودها المعنوي ، وفقدت تأثيرها وسحرها على الرجل ، وهذا ما دفع بالأمريكية (أنجيلا ديفز) أن ترفع شعار (الرجل سيد العالم) كرد فعل متناغم مع اليأس والإحباط الذي أصاب المرأة الغربية ، وهو يشبه مقولة (اليد التي لا تستطيع قطعها ، فعليك تقبيلها)
في وقت نجد فيه أن المرأة في المجتمع العربية ، ما زالت تمثل مصدراً من مصادر الخلق المجتمعي ، وتشكل عند الرجل العربي وسيلة من وسائل الارتياح والأمان ، وتسبب له الرغبة في اكتشاف عوالمها المخفية (الغالية) جداً ، وما زالت المرأة التي ترتدي القناع تثير رغبة العربي في سبر أغوار عالم الأنوثة ، ولهذا ، وبسب طبيعة تكوين وحرارة الرجل العربي ، ما زالت المرأة لديه ، تمثل التناغم الحقيقي مع الاحترام والتبجيل ، ونجد أن للمرأة تأثيراً واضحاً على سياسة وأحكام وقدرات وقرارات الرجل في المجتمع العربي ، بدءاً من أبسط قرارات الأسرة ، وانتهاءً بقرارات الساسة والمسؤولين في الحكومات ، وهذا موجود في ماضي الأمة العربية وحاضرها ، وسيمتد إلى مستقبلها ، وكلنا يتذكر كيف أن (دولة كندة) قد تقوضت تحت مطارق جمال وأنوثة امرأتين فارسيتين .
وختاماً ...علينا أن نتذكر بأن الصوت الغربي الذي رفع شعار (الرجل سيد العالم) ، فإن المجتمع العري ما زال يردد شعار (وراء كل رجل عظيم امرأة) ....وهنا يكمن الظاهر والباطن في سلطة القرار والتأثير في المجتمع .

راسم المرواني
العراق / عاصمة العالم المحتلة
marwanyauthor@yahoo.com