زواج المحارم ؟!
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
(فيلسوف القصة)
جلست المسكينة ، في غرفتها العتيقة حزينة ، ليس على زوجها الفقيد ، ولكن على حظها العنيد ، الذي أبى أن يهديها على مر السنين عريس يحتويها كما تريد .
وبينما تفيض دموعها أنهاراً على خدودها ، طرق أحدهم بابها يستأذن بصوته المشروخ بالدخول ، فراحت تعتدل في جلستها ، وتصلح من هيئتها ، وتأذن له في الدخول ، وإذا به نفس الشيخ الكبير ، الذي طالما أحل لها زواج الآخرين ، بالرغم من علمه بعدم رضائها المبين ، وضع بصره في الأرض ، وطأطأ رأسه في خشوع وتهذيب :-
- سيدتي لقد جئنا لكي بعريس ، يعوضك عن الزواج التعيس !
فصاحت فيه غاضبه قائلة :-
- ألا تستحي أيها الشيخ الكبير ، فإني لا أسمع منك إلا نعير !
فتبسم لها محاولاً احتواء غضبها ، وراح يدنوا مقترباً جالساً إلى جوارها ثم قال في هدوء المستكين :-
- لاشيء فيها ياسيدة ، فلا بد أن تبقي مقيدة .
فوقفت هي، فصاحت فيه غاضبه ، متسائلة :-
- ومن ذاك العريس ، الذي سيعوضني زوجي البئيس ؟!
فحمحم قائلاً في حشرجة وهو يتضاءل خوفاً من غضبها :-
- إنه ولد الفقيد ، فإنه خير وريث !
فالتفتت إليه ، وأمسكت كتفاه بيديها ، وراحت تهزه حتى أطاحت بعمامته الزائفة وهي فيه تصيح قائلة :-
- ماذا قلت أيها الفقيه ، أتريد تزويجي من محرم سفيه ؟!
فأخذ يتودد إليها بنظراته الخاضعة ، ورضوخه لهزاتها العنيفة ، وهو يصيح قائلاً :-
- إهدأي يا سيدتي فإن الأمر ليس لي .
ولما أدركت معنى ما قاله ، هدأت وراحت بجواره تجلس وتستكين ، وتتمتم قائلة :-
- وكذلك الأمر ليس لي !
راحت تضرب خدها ، تنتحب ، وتناجي ربها قائلة :-
- أغثني يامغيث ، وأرسل لي العريس !
فنظر إليها محدقاً ، مستغرباً ، وطرح عليها السؤال السريع قائلاً :-
- من ذاك العريس ؟
فوقفت تفتح نافذة غرفتها العتيقة ، ليقتحم نور الشمس غرفتها ، وراحت تدور حول نفسها كالطفلة ليلة العيد، فرحة بلباسها الجديد ، قائلة في صوت أشبه بالترانيم :-
- هو رجل بمعنى كلمة رجل ، له عقل من ذهب ، وقلب من ألماس ، قرأ كثير من الكتب ، فصار فصيح اللسان ، أسر قلبي بكلامه ، ولا يحلم إلا بي ، ولا يوجد غيري في خياله ، هوايته تحقيق المستحيل ، ملأ عيناي بجسده القوي المتين ، وأدرك وجداني ببشرته السمراء من شمس الكادحين ، لا يملك إلا ما أعطيه ، ويرضى إذا منعته ، أنا همه ولا هم له إلا أنا ، ما تبقى من عمره يهبه لي ، ومهري قد قبلته ، قبلة منه على الجبين .
- فيقف الشيخ الكبير ، ويمسك بها حتى يمنع دورانها وراح يصيح قائلاً :-
- يا سيدتي أنتي تحلمين ، وفي الوهم تعيشين ، والسراب تنتظرين !
فصاحت فيه معنفة ، ودفعته بقوة عن طريقها صائحة ، غاضبة ، قائلة :-
- كذبت أيها اللعين ، إنه قادم قدوم الآمنين !
وخطت برشاقة إلى نافذتها ، واتكأت عليها بذراعيها ، وراحت تنظر إلى بعيد ، بعيد ، وهي ترتل الترانيم قائلة :-
- ربما هو في تلك الحافلة ، أو ربما ذلك المسكين ، وقد يكون هذا الذي يتطلع إلى من بعيد .... أنا هنا في إنتظارك أيها الحبيب !
فجثا الشيخ على ركبتيه وسط الغرفة ، وشبك يداه متوسلاً قائلاً :-
- أتوسل إليك أيتها السيدة الطيبة لا تتمنعين ؟
فالتفتت إليه صائحة ، ومعنفة بشموخ قائلة :-
- لا .... أيها الشيخ الهزيل .. لست أنا من تورث ، ولدي في جعبتي من السهام الكثير !
فيقف مسرعاً متسائلاً :-
- يا سيدتي ماذا تنوين ؟!
فقالت وفي عينيها كبرياء ، وقد أشاحت بطرحتها عن شعرها ، وأمسكت بضفيرتيها مقسمة :-
- والله يا أيها العريس ، سأبقى أنتظر حتى تأتي بالفرس ، ومعك أمتطيه ، ولن أكون زوجة مكرهة لجبار جديد ، أو زوجة محرمة لذاك الوريث ، فعجل بالمجيء .
واستسلم الشيخ الكبير ، لما أدرك أن طلبه مستحيل ، وغادر غرفتها العتيقة وتركها تبتهل ، أن يعجل عريسها بالمجيء .
تمت ؛؛