تعيش بلادى هذه الأيام ؛ أجواء قتالية .. !
الكل هنا على أهبة الإستعداد .. القلوب تنبض وطنية ، وتتفجر بطولة .. ووسائل الإعلام لا تمل من إذاعة الأغانى الوطنية والأناشيد الحماسية ، تستحث الجميع على التضحية والفداء والبذل والعطاء ، على أنغام كورسية وسط صيحات الجماهير المصممة على القتال حتى آخر رمق : ( مصر .. مصر .. مصر ) بطريقة تمزق أوصال الحناجر وتؤكد الإصرار على أن المعركة المقبلة مصيرية وحاسمة ، وسيترتب على إثرها الكثير من الأوراق فى منطقنا الساخنة بأحداثها ، والمشتعلة بأزماتها .
الترقب والإنتظار سمة تغلب على الكل ، نكاد نشعر بثقل الدقائق والثوانى ، ونحن نعدها فى انتظار اشارة البدء .. وصافرة اشتعال الملحمة .. التى ستدور رحاها بين شعبين أخوين جذورهما واحدة .. تربط بينهما الكثير من الروابط وتؤكدها الكثير من الصلات الحميمية الأخوية الأبدية .. داخل حدود المستطيل الأخضر !
المسؤولون من كلا البلدين يدلون بالتصريحات النارية ، التى لا تنفى خطورة المعركة وأهميتها لكلا البلدين ، وسط تأكيدات وأمنيات بألا تؤثر نتيجتها على تاريخية العلاقات بين الشعبين الشقيقين والأخوين الحبيبين .. واتهامات متبادلة بين الطرفين ؛ بإشعال روح العداء والخروج بالرياضة عن رسالتها الأخلاقية .. ومواطنون غاضبون يؤكدون دعمهم ومساندتهم لمنخبنا ، جيشنا البطل الذى سيخوض غمار المعركة الفاصلة ، فى مواجهة ند لدود لا يقبل الهزيمة منا ، ولا يستسلم للهجوم تلو الهجوم .. النفوس مشحونة والأجواء مشتعلة والقلوب فيها ما يكفيها .. والتساؤل الصعب يرتسم على كل الشفاه : هل تكون الجزائر هى بوابتنا للعبور إلى كأس العالم 2010 م ، تماما كما حدث فى نوفمبر عام 1989 م ؟
أمنياتنا ألا يحدث كما حدث أيامها ، خاصة وأننا نحمل ذكرى مؤلمة ؛ عاشها المصريون المغتربون فى شوارع بغداد فى هذه الأثناء ، عندما خرجوا فى تظاهرات احتفالية بالنصر الكبير ؛ فتلقفتهم عصى الشرطة وضربات الغاضبين ـ ولا أقول الحاقدين ! ـ ، فى فاجعة لا تنساها وسائل الإعلام المصرية عرفت وقتها بـ ( النعوش الطائرة ) بين بغداد والقاهرة .. وتبعتها أحداث عنف لم تنتهى إلا بتدخل الرئيس الراحل صدام حسين ـ رحمه الله ـ ونشره للآلاف من رجال الشرطة لحماية المصريين فى شوارع المدينة .
الإعلانات الدعائية تصم الآذان .. درجات الإستعداد تتصاعد مع كل ثانية تمر ..
أحداث تعيد للأذهان أيام البطولة ، التى سمعنا تفاصيلها ولم نعشها : ( والله زمان يا سلاحى ) و ( خلى السلاح صاحى ) و ( ابنك يقول لك يا بطل ..... ) و ( قوم يا مصرى ؛ مصر ـ دايما ـ بتناديك ! ) ولم لا والمعركة فاصلة ومصيرية كما يقال ؟ و ( ورونا الهمة دى الخطوة المهمة ! ) ، التى تبث فى النفوس أن سمعة مصر العظيمة .. بل مصيرها كله على المحك ! .. وصور ـ تناقلتها وسائل الإعلام ـ لمواطنيين جزائريين غاضبين يحرقون ( العلم المصرى ) أقصد شارة المنتخب المصرى .. !
وها هى عقارب الساعة تكاد تتوقف لثقلها .. والكل يعيش مترقبا العاصفة التى لن تبقى ولن تذر .. لتختصر كل المبادىء ؛ ولتختزل كل القيم .. تحت مسمى واحد ؛ خطت حروفه من نار تكوى ضلوعنا .. وتؤجج فرقتنا .. وتؤكد ضعفنا وهواننا .. ولتغرقنا فى خضم هائل من القضايا الهامشية ، فى زمن التفاهة والسفاهة .. ناهيك عما تسفر عنه تحقيقات الفيفا ، حول الشكوى المقدمة من الشقيقة ( الجزائر ) ؛ بشأن تعرض بعثتها الرياضية لهجمات بالحجارة ، من قبل مشجعين متعصبين ، فستبقى أحزان القلب كما هى .. ولا بارك الله فى رياضة أفسدت العلاقة بين شعبين جمعتهما المحنة ، ووحد بينهما العدوان .. !
وليتمخض الجبل الأشم .. بكل تاريخه .. ومقدراته .. وثرواته .. ليلد فأرا .. !
أحزان تترى .. ومحن تتوالى .. وما زلنا نعيش التغييب بكل مراحله .. وعنفوانه .. فى قضية الكل فيها خاسر .. والرابح الوحيد ليس منا .. بل هو عنا بعيد وعلينا يتفرَّج وبحالنا يسعد .. حتى ولو كنا نلعب ، فى ثروة إعلامية وفورة حماسية تبدد فى غير موضعها ، على مرأى من الجميع !
مصيبتنا دائما أننا نخلط بين الجد واللعب .. جريمة تُرتكب عبر وسائل الإعلام عندما تحشد الرأى العام للاشىء .. ولا قضية .. وعبثا حاولت أن أقنع من شاهد المباراة معى بأننا نمارس لعبة .. لها أحكامها .. ولا يجب أن نحمل الأمور فوق ما تحتمل .. بعد أن رأينا التخاذل واضحا على وجوه ( لاعبينا ) .. وليس مقاتلينا .. اشتبك صديقان احتجاجا على أحد قرارات حكم المباراة ، بعد أن احتدم بينها الخلاف .. وعلا صوت المشاحنات .. وأخبرنى صديق رياضى بأنه كاد يصاب بالضغط أو السكر .. وكاد قلبه يتوقف صدمة بمنتخبنا الذى لم يلعب سوى لدقيقة أو دقيقتين طوال دقائق المباراة التسعين .. وكانت صدمتى أنا فوق احتمال البشر .. !
فلم تنتهى المعركة الفاصلة بعد ..
بقيت فيها جولة لم تحسم .. وستكون ( السودان ) الحبيبة مسرحا لأحداثها .. وأملنا فى اخوتنا هناك كبير كبير .. !
أليست ( السودان ) لنا .. و ( تونس ) لهم .. ؟ فليساندنا شعبها وليؤازرنا شبابها .. إذن ؟؟ حتى نسحق عدونا وعدوهم .. وفق سيناريو محكم أبدعه أساتذة اللعب .. والحرب .. !
وقل على عروبتنا السلام .. !