أُسود الغابة الفضّية
الحلقة الأولى
درباس
أحسّ درباس بسعادةٍ لا تُوصف، وهو يُراقب قطعان الظباء و النُّوْ و الغزلان تعود من هِجرتِها الشّتوية. فاعتلى قمّة صخرة القمر، و أطلق زئيرا مدويًا، تَبِعه إخوته ليثٌ و ضرغامٌ و هزبرٌ بزئير مثلهِ؛ مُعلنين ترحيبهم بِعَودة الحيوانات من جديد. و في المساء، اجتمع درباس و إخوته بِرؤساء القطعان العاشبة و زُعماء الحيوانات اللاحمة.
-مرحباً بِعودتكم من جديد.
-نشكرك أيّها الملك على الترحيب الذي حظينا به.
-لا شُكر على واجب، إنّها غابتكم.
فيقول رئيس قطيع الغزلان:
-أودُ أيّها الملك أن أستفسر عمَّا وصلتْ إليه المسالة التي تحدثنا فيها قبل موسم الشّتاء؟
-لا تقلق أيّها الزعيم، لقد استَشرتُ زعماء الحيوانات المُفترسة و قد أعلنوا موافقتهم على الخطة.
فيُضيف زعيم قطيع الذئاب، و الذي كان يستشيره درباس في كل الأمورِ المتعلقةِ بالغابةِ ، نظرا لحكمته وسنِّه الطاعنة:
-لقد رأينا أن مُقترحكم عادل لكلا الطرفين، فيمكنكم أن تطمئنوا على صغاركم، و يمكننا إطعام صغارنا من لحوم الحيوانات العاجزة و المريضة. يُسعدنا أن نتحد معاً من أجل غابتنا.
فيقول درباس عندئذٍ:
- إذن، فَلْنحتفل بهذا اليوم العظيم.
وهكذا، بدأ عهدُ سلامٍ جديدٍ داخل الغابة الفضّية بِقيادة الأسد الحكيم درباس، الذي كان يلقى احترامَ الجميعِ لِلُطفه وحكمته و شجاعته.
لكن الأمر لم يَرُقْ سرحان، ذلك الذئب النّهم المفترس. فيقول ذات يوم مُحدثاً صديقه:
-اسمع يا ضُبَيْع، هذا الأمر لا يروقني...كيف نُحرم من اصطياد ما نشتهي من الغزلان و الظباء...من يَحسبُ درباسٌ هذا نفسَه؟؟
-و...و...ل..ل..كنن...نه ال...ال..الم...لك...يا..يا..سر..سر..حا...ننن
-هه..الملك، هذا لا يُعطيه الحق في التصرف بأرزاقنا...لن أسمح له.
-وَ...وَ..وَيْ...لي.....ما...ما...ذا..تع..تع...تع.. ..نييي؟
-سأبقى على عهدي، لن ألتزمَ بالاتفاق...فانا لا أتمتّع إلا بطعم الظِباء الصغيرة و الطرية....ممممم.
وهكذا نفذَ سرحان وعيده، و أخذ يتربّصُ بِصغار الحيوانات العاشبة في منطقة الجُرفِ الصّخري عند نهاية المراعي. و عندما تأتي أُمّهاتُها للبحث عنها يقول أنّها سقطتْ من أعلى المنحدر. في البداية، بدا الأمر طبيعياً نظراً لِخُطورة المكان. و لكن تكراره بنفس الطريقة جعل رئيس القطيع يشك في الأمر بِرُمّتِه. فَنَقل مخاوِفه لِلملك درباس:
-معذرةً أيّها الملك، لكن الأمر يزداد خطورة..لا أظن أن كل هذه الاختِفاءات ناجمة عن السقوط في الوادي. كما و أنّ....
وقبل أنْ يُتم كلامَهُ، سُمِع صوت السّنجاب يجري مذعوراً إلى الملك:
-أيّها الملك...أيّها الملك...أمر خ..خ..طير..خطير جداً.
-ما الأمر أيّها السنجاب...ما الذي يجري؟؟
-لقد..لقد..رأيتُ جثة...إحدى الغزلان الصغيرة....يبدو أن أحداً اصطاده منذ يوم فقط..
-ماذا تقول؟؟
-لقد رأيتها...بِعَيْنَيَّ هاتين.
فقال درباس و الغضب يعتريه:
-إذن هناك من يخرق القانون في الغابة.
فيردف رئيس القطيع:
-هذا ما شعرتُ به أيّها الملك..علينا أن نجد من يخرق القانون و نُعاقبه.
-سوف نجِدُه...و حينها، سيكون لي معه حساب عسير...أيّها السنجاب.
-نعم يا سيدي.
-اجمع كلَّ السّناجب و انتشروا في الغابة...أريدكم ان تجدوا هذا الذي يخرق القانون...هذا أمر ملكي.
-حاضر يا سيدي
و مَضتْ كلُّ السناجب تقوم بِعملها... و بعد عدة أيام، كان درباس في عرينه مع شقيقه ليث عندما سُمِعَ صوتُ السّنجاب:
- أيّها الملك...أيّها الملك..لقد عرفته، لقد وجدته
- أخبرني من هوَ؟ من الذي يخرقُ قانونَ الغابة؟؟
- إنه الذئْبُ سرحان ...
- ماذا تقول؟؟ سرحان؟
- اجل يا سيدي، لقد رايته يقترب من أحد صغارِ البقر الوحشي و يلاطفها، ثم يطلب ان تلعب معه....و عندما تغفل أُمهاتُها عنها، يفترسها و يُلقِي بِبَقاياها في الوادي..
- البائس...لأُعاقبنَّه عقاباً عسيراً...ليث.
- أمركَ يا أخي.
- جِدْ لي الذئبَ سرحان و استدعِهِ...و لكن لا تُبدِ له أنّي غاضب أو مُنزعج، مفهوم.
- حاضر
و انطلق ليث حتى وجد سرحاناً ممداً في ظل شجرة. اقترب منه بِهدوء و ألقى عليه التحية:
- مرحباً يا سرحان...تبدو سعيداً اليوم؟
- أهلاً أهلاً،...و من لا يَسعد في يومٍ كهذا و في غابةٍ مثل غابتنا؟؟ إنّ الحياة جميلة حقا..
- معكَ حق..غابتنا جميلة و الحياة فيها رغيدة ....آه، كدْتُ أنسى..الملك يستدعيك في مجلسه.
فقام سرحان من مكانِه و علاماتُ القلقِ بادية على وجه:
-ال...ملك؟...و ماذا يُريد مني سيدي الملك؟
- الحقيقة أني لا ادري....لم يُخبرني السبب.
ثم سكتَ هُنَيْهَةً و أضاف:
-أعتقدُ أن الأمر يتعلق بقيادة قطيع الذئاب...أنت تعرف أن قائدها أصبح هرِماً، و لم يَعُدْ في وِسعِهِ تَحَمّل أعباءِها...
فَالتَمعت عَيْنا سرحان في خبث و مكر و قال:
-حقاً؟؟...و متى يُرديني أن أذهب إليه؟
-الآن...أنت تعرف أن أخي لا يتوانى في أمورٍ تتعلق بِسلامة حيوانات الغابة و راحتها
-أكيد ...أكيد.
فقال ليثٌ في نفسِه " أيّها الماكر...لقد وقعتَ في المصيدة". ثم أضاف:
-أنا آسف يا سرحان، لا استطيع مرافقتك، لقد أوكل إليَّ الملكُ مهاماً أخرى...
-لا تقلق أبداً...أنا أعرفُ طريقي...رافقتك السلامة.
و انطلق سرحان مزهواً فرحاً و هو يُحدث نفسه و يُمَنيها " يا لَفرحتي...عندما أصبح قائدَ القطيع..سأفعل ما يحلو لي...يا سلاااااااااام."
وصل سرحان إلى عرين الأسود، فوجد الملك ممداً مشغولاً بتلميع مخالبه. فاقترب منه و قال:
-اسعد الله صباحك أيّها الملك السعيد. هل طلبتني؟؟
-آه، هذا أنت يا سرحان...يبدو انك لا تُهْمِل واجباتك أبدا.
-بالطبع يا سيدي..و إلاّ لما وجدتَ في شخصي المتواضع المُناسبَ لما سَتُوكله إليَّ من مهام.
فنظر إليه درباس جاهداً في كتم غيظه، ثم قال:
-أكيد...لكني أريد تذكيرك أن أول شيء عليك احترامه...هو القانون يا سرحان.
-بالتأكيد...لولا القانون لما أصبحت غابتنا مفخرة الوادي الكبير...وأنا أحترم القانون.
-و أنت تعرف كذلك، أن قانون غابتنا يُطبَقُ على الكبير مثلما يُطبقُ على الصَّغير...على القوي قبل الضعيف..
-أجل ..أجل. هذا أكيد.
عندئذ قام درباس مكشراً عن أنيابه و مخالبه:
-إذن، لماذا تصطاد صغار الحيوانات العاشبة بعد أن منعتُ ذلك حتى على الأُسود؟؟
ذُعر سرحان و تلعثم لسانه، و اخذ يتراجع إلى الوراء مع تقدم درباس الغاضب إليه. غير انه توقف فجأةً ليجد وراءه ليث القوي و ضرغام الجسور و هزبر الشرس. أحاط الأُسودُ الأربعة بالذئب المذعور و هم يسلون مخالبهم و يكشرون عن أنيابهم الفتّاكة. فقال درباس:
-لو أسمعُ عن اختفاء أي حيوان صغير...و لو كان جُرذاً...فلا تلومنَّ إلاَّ نفسك. هل تفهم؟
وصفعه بشدة حتى أحدثت مخالبه جرحاً بالغاً في وجه الذئب الذي ولّى هارباً لا يلوي على شيء.
عند الغدير، كان سرحان ينظف جرحه الذي ترك علامةً بارزةً على وجهه و هو يكادُ يموت من الحنق. فاقترب ضبيع منه قائلا:
-ل...لق...لقد...ح..ح..حذر...تك...يا..يا...سر..سر... حان..فلم..فلم...تس..تس..تست..مع..إلي..و..
-أصمت أيها الأحمق و إلا قطعتُ ذيلك...لن يمرَّ هذا اليوم دون حساب.سوف أنتقم مما حدثَ لي.
-وي...وي..وي..لي ...ما..ما...ذا تع...تع...ني؟؟
اعني ما فهمتَ يا ضُبيع...سوف ينالُ درباسٌ هذا عقابه على ما فعلهُ بي...أعدكْ.