من سنن الله الكونية سنة التدافع .. بين بين الخير والشر، الحق والباطل .
قال تعالى :
{ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } [البقرة251] .
{ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحج40].
هذا التدافع هو السبيل الحافز لتبليغ دعوة الحق ، و إقامة الحجة على صدقها ، و إزالة الشبهات عنها .، و في ذلك آداء للفريضة التي افترضها الله ، سبحانه و تعالى ، على مَنْ أنعم عليهم بنعمة الإسلام ، وهو السبيل لتنشيط ملكات و طاقات العقل المسلم ، كي يواكب المستجدات في ميادين هذا التدافع . . فلكل عصر شبهاته ، كما أن لكل مذهب من المذاهب الضالة سهامه التي يصوبها نحو الحق و أهله .
وقال أيضا سبحانه وتعالى :
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } (الأنعام : 112) .
ولقد بُعث النَّـبِيّ صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن على الأرض موحد لله ، إلا بقايا من أهل الكتاب على دين اندرس معظمه ، وحرفت عن جادة الحق تعاليمه .. وكانت الأرض فى ظلام الشرك الدامس ، فكان أمر الله تعالى بكشف هذه الغمة ببعثته صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى :
{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا } [النساء174]
{ يَا أَيُّهَا النَّـبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا } [الأحزاب45-46]
فصدع النَّـبِيّ صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى التوحيد وعبادة الله وحده ، ففتح الله له قلوب الخلق ؛ حتى أشرقت ووجوههم وقلوبهم بنور الإيمان ، وانتشروا فى الأرض ينشرون دين التوحيد وفاتحين البلاد ، حتى دانت لهم رقاب العباد من مشارق الأرض إلى مغاربها .. ولكنَّ الكفر يأبى إلا ظلمة الشرك ، فأمر أتباعه وأعوانه بمحاربة أهل الحق ، فكان التدافع من لدن ظهور الدعوة حتى يومنا هذا ، تختلف الأسلحة وتتباين الأشخاص وتتعدد الهيئات ولكنَّ الهدف واحد ، هو اسكات صوت الحق وقتل دعوته ودعاته ..
إطفاء نور الله ..
{ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [التوبة32] ..
فبدأوا ينشرون أكاذيهم وشبهاتهم حوله ، ليبثبطوا همم الرجال ويصرفوا عنه قلوب الخلق .. ولكن هيهات ..
{ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) } الأنفال ..
فقيض الله لهذا الدين علماء أجلاء ، يدفعون عنه تأويل الجاهلين وتحريف الغالين وانتحال المبطلين ، وشُبه الهالكين .. ليهلك من هلك عن بينة ويحى من حى عن بينة .
ولقد دارت بعض هذه الشبهات حول القرآن ، وبعضها حول السُنَّة أو الأنبياء أوالشرائع أو العقل والنقل ، ومن يطلع على هذه الشبهات المثارة حول الإسلام وشريعته ونبيه ؛ يظن أنه وقع فى بحر خضم لا ساحل له ، ولكنه سرعان يفتح عينيه على ردود علماء السُنَّة ، فيراهم يُجهزون على هذه الشبهات ضربًا وطعنًا وتفنيدا ، فيهدأ باله ويرتاح خاطره ويطمئن قلبه .
( وقد ينشأ الاشتباه نتيجة خفاء الدّليل لسببٍ من الأسباب ، كالإجمال في الألفاظ واحتمالها للتّأويل ، ودوران الدّليل بين الاستقلال بالحكم أوعدمه ، ودورانه بين العموم والخصوص ، واختلاف الرّواية بالنّسبة للحديث ، وكالاشتراك في اللّفظ ، أو التّخصيص في عامّه ، أو التّقييد في مطلقه ، كما ينشأ الاشتباه عند تعارض الأدلّة دون مرجّحٍ .. كما أنّ النّصوص في دلالتها ليست على وضعٍ واحدٍ ، فمنها ما دلالته على الأحكام ظنّيّةٌ ، فيجتهد الفقهاء للتّعرّف على ما يدلّ عليه النّصّ ، وقد يتشابه الأمر عليهم نتيجة ذلك ، إذ من الحقائق الثّابتة اختلاف النّاس في تفكيرهم ، وتباين وجهات نظرهم ) ( * ) .
والرد على الشبهة ؛ يختلف باختلاف مثيرها ، فالرد على المستشرقين ( ** ) من اليهود والنصارى ؛ لا يليق إلا أن يكون جنبًا إلى جنب مع التوراة والإنجيل ، والرد على أحفاد المعتزلة وأدعياء العلم والمستغربين ، وغيرهم من أهل الضلال والانحراف عن الجادة ؛ لا يكون إلا بالعقل والمنطق والأبحاث العلمية ، وكشف حقيقة ما يستندون إليه ويعتمدون عليه من حديث صحيح أو ضعيف أو موضوع ، وكذا كيفية الاستدلال ومدى صحته من عدمه .
ولسنا قلقين من أعداء الإسلام ، فما زال هذا دأبهم ؛ التشكيك فى القرآن والسُنَّة ونبي الأمة ، فهم لا ينالون ثقة الجماهير الإسلامية أبدًا ، ولا يُسمع صدى لمزاعمهم وأكاذيبهم ؛ لأن المسلم بطبعه يخشى من آراء الآخر ، ويتعامل معها بحذر وريبة ، خاصة ما كان منها متعلقًا بالدين ، ولكنَّ الخوف والقلق من هؤلاء ؛ الذين هم من بنى جلدتنا ؛ يتكلمون بألسنتنا ويشربون ماءنا ويتنفسون هواءنا ، ثم يطعنون فى ديننا وشريعتنا ونبينا ، يهرفون بما لا يعرفون ، ويفتون بما لا يعلمون .. فهم الخطر الحقيقى الداهم لديار المسلمين ، وإن لم نقف ضدهم ؛ بكشف زيفهم وعوارهم الفكرى وخبلهم العقلى لعوام المسلمين ، فقد يزيغ فريق منهم بسبب فساد هؤلاء وإفسادهم فى الأرض .
نبدء مستعينين بالله العظيم .
فإلى بعض شبهات المغرضين المشككين ، وردود العلماء عليها .
والموضوع ـ بكل تأكيد ـ مطروح لمداخلات الزملاء ، للتصويب إن أخطأتُ ,التعقيب إن قصرتُ .
والله الموفق .
يتبع .
-------------------------
( * ) ا / عماد حسن أبو العينين – ( شبهات حول السنة والسيرة النبوية ) – ص 8 .
( ** ) المستشرقون : جمع مستشرق ، يطلق على كل من يبحث في أمور الشرقيين وثقافتهم وتاريخهم وليس من أهلهم ، ولهم تيار فكرى يعرف بـ ( الاستشراق ) هدفه التشكيك فى صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والطعن فى الإسلام دينًا وشريعة وعقيدة ولغة ، منهم منصفون وأكثرهم المتعصبون .