صفحة 1 من 3 1 2 3 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 12 من 29

الموضوع: شبهات حول الإسلام

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1 شبهات حول الإسلام 
    كاتب الصورة الرمزية عبد المنعم جبر عيسي
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    833
    معدل تقييم المستوى
    17
    من سنن الله الكونية سنة التدافع .. بين بين الخير والشر، الحق والباطل .
    قال تعالى :
    { وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } [البقرة251] .
    { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحج40].
    هذا التدافع هو السبيل الحافز لتبليغ دعوة الحق ، و إقامة الحجة على صدقها ، و إزالة الشبهات عنها .، و في ذلك آداء للفريضة التي افترضها الله ، سبحانه و تعالى ، على مَنْ أنعم عليهم بنعمة الإسلام ، وهو السبيل لتنشيط ملكات و طاقات العقل المسلم ، كي يواكب المستجدات في ميادين هذا التدافع . . فلكل عصر شبهاته ، كما أن لكل مذهب من المذاهب الضالة سهامه التي يصوبها نحو الحق و أهله .
    وقال أيضا سبحانه وتعالى :
    { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } (الأنعام : 112) .
    ولقد بُعث النَّـبِيّ صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن على الأرض موحد لله ، إلا بقايا من أهل الكتاب على دين اندرس معظمه ، وحرفت عن جادة الحق تعاليمه .. وكانت الأرض فى ظلام الشرك الدامس ، فكان أمر الله تعالى بكشف هذه الغمة ببعثته صلى الله عليه وسلم .
    قال تعالى :
    { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا } [النساء174]
    { يَا أَيُّهَا النَّـبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا } [الأحزاب45-46]
    فصدع النَّـبِيّ صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى التوحيد وعبادة الله وحده ، ففتح الله له قلوب الخلق ؛ حتى أشرقت ووجوههم وقلوبهم بنور الإيمان ، وانتشروا فى الأرض ينشرون دين التوحيد وفاتحين البلاد ، حتى دانت لهم رقاب العباد من مشارق الأرض إلى مغاربها .. ولكنَّ الكفر يأبى إلا ظلمة الشرك ، فأمر أتباعه وأعوانه بمحاربة أهل الحق ، فكان التدافع من لدن ظهور الدعوة حتى يومنا هذا ، تختلف الأسلحة وتتباين الأشخاص وتتعدد الهيئات ولكنَّ الهدف واحد ، هو اسكات صوت الحق وقتل دعوته ودعاته ..
    إطفاء نور الله ..
    { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [التوبة32] ..
    فبدأوا ينشرون أكاذيهم وشبهاتهم حوله ، ليبثبطوا همم الرجال ويصرفوا عنه قلوب الخلق .. ولكن هيهات ..
    { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) } الأنفال ..
    فقيض الله لهذا الدين علماء أجلاء ، يدفعون عنه تأويل الجاهلين وتحريف الغالين وانتحال المبطلين ، وشُبه الهالكين .. ليهلك من هلك عن بينة ويحى من حى عن بينة .
    ولقد دارت بعض هذه الشبهات حول القرآن ، وبعضها حول السُنَّة أو الأنبياء أوالشرائع أو العقل والنقل ، ومن يطلع على هذه الشبهات المثارة حول الإسلام وشريعته ونبيه ؛ يظن أنه وقع فى بحر خضم لا ساحل له ، ولكنه سرعان يفتح عينيه على ردود علماء السُنَّة ، فيراهم يُجهزون على هذه الشبهات ضربًا وطعنًا وتفنيدا ، فيهدأ باله ويرتاح خاطره ويطمئن قلبه .
    ( وقد ينشأ الاشتباه نتيجة خفاء الدّليل لسببٍ من الأسباب ، كالإجمال في الألفاظ واحتمالها للتّأويل ، ودوران الدّليل بين الاستقلال بالحكم أوعدمه ، ودورانه بين العموم والخصوص ، واختلاف الرّواية بالنّسبة للحديث ، وكالاشتراك في اللّفظ ، أو التّخصيص في عامّه ، أو التّقييد في مطلقه ، كما ينشأ الاشتباه عند تعارض الأدلّة دون مرجّحٍ .. كما أنّ النّصوص في دلالتها ليست على وضعٍ واحدٍ ، فمنها ما دلالته على الأحكام ظنّيّةٌ ، فيجتهد الفقهاء للتّعرّف على ما يدلّ عليه النّصّ ، وقد يتشابه الأمر عليهم نتيجة ذلك ، إذ من الحقائق الثّابتة اختلاف النّاس في تفكيرهم ، وتباين وجهات نظرهم ) ( * ) .
    والرد على الشبهة ؛ يختلف باختلاف مثيرها ، فالرد على المستشرقين ( ** ) من اليهود والنصارى ؛ لا يليق إلا أن يكون جنبًا إلى جنب مع التوراة والإنجيل ، والرد على أحفاد المعتزلة وأدعياء العلم والمستغربين ، وغيرهم من أهل الضلال والانحراف عن الجادة ؛ لا يكون إلا بالعقل والمنطق والأبحاث العلمية ، وكشف حقيقة ما يستندون إليه ويعتمدون عليه من حديث صحيح أو ضعيف أو موضوع ، وكذا كيفية الاستدلال ومدى صحته من عدمه .
    ولسنا قلقين من أعداء الإسلام ، فما زال هذا دأبهم ؛ التشكيك فى القرآن والسُنَّة ونبي الأمة ، فهم لا ينالون ثقة الجماهير الإسلامية أبدًا ، ولا يُسمع صدى لمزاعمهم وأكاذيبهم ؛ لأن المسلم بطبعه يخشى من آراء الآخر ، ويتعامل معها بحذر وريبة ، خاصة ما كان منها متعلقًا بالدين ، ولكنَّ الخوف والقلق من هؤلاء ؛ الذين هم من بنى جلدتنا ؛ يتكلمون بألسنتنا ويشربون ماءنا ويتنفسون هواءنا ، ثم يطعنون فى ديننا وشريعتنا ونبينا ، يهرفون بما لا يعرفون ، ويفتون بما لا يعلمون .. فهم الخطر الحقيقى الداهم لديار المسلمين ، وإن لم نقف ضدهم ؛ بكشف زيفهم وعوارهم الفكرى وخبلهم العقلى لعوام المسلمين ، فقد يزيغ فريق منهم بسبب فساد هؤلاء وإفسادهم فى الأرض .
    نبدء مستعينين بالله العظيم .
    فإلى بعض شبهات المغرضين المشككين ، وردود العلماء عليها .
    والموضوع ـ بكل تأكيد ـ مطروح لمداخلات الزملاء ، للتصويب إن أخطأتُ ,التعقيب إن قصرتُ .
    والله الموفق .
    يتبع .
    -------------------------
    ( * ) ا / عماد حسن أبو العينين – ( شبهات حول السنة والسيرة النبوية ) – ص 8 .
    ( ** ) المستشرقون : جمع مستشرق ، يطلق على كل من يبحث في أمور الشرقيين وثقافتهم وتاريخهم وليس من أهلهم ، ولهم تيار فكرى يعرف بـ ( الاستشراق ) هدفه التشكيك فى صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والطعن فى الإسلام دينًا وشريعة وعقيدة ولغة ، منهم منصفون وأكثرهم المتعصبون .
    moneim
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: شبهات حول الإسلام 
    كاتب الصورة الرمزية عبد المنعم جبر عيسي
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    833
    معدل تقييم المستوى
    17
    قال المغرضون :
    ( يعطي القرآن معلومات مختلفة عن خلق الإنسان :
    { مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ } ( المرسلات : 20)(1)
    { مِنَ الْمَاءِ } ( الأنبياء : 30) . .
    { مِنْ نُطْفَةٍ } ( يس : 77) . .
    { مِنْ طِينٍ } ( السجدة : 7) . .
    { مِنْ عَلَقٍ } ( العلق : 2) . .
    { مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ } ( الحجر : 26) . .
    { وَلَمْ يَكُ شَيْئًا } ( مريم : 67) .
    فكيف يكون كل ذلك صحيحاً في نفس الوقت ؟

    *****

    ولدحض هذه الفرية ، ولدفع شبهة التناقض عن كتاب الله العزيز الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فى مسألة خلق الإنسان ؛ أفرد الأستاذ الدكتور / محمد عمارة ـ رحمه الله تعالى ـ فصلا فى كتابه ( * ) : ( شبهات حول القرآن الكريم ) للرد على هذه الشبهة عقلا ونقلا .. فقال :
    ( ليس هناك أدنى تناقض - بل و لا حتى شبهة تناقض - بين ما جاء في القرآن الكريم من معلومات عن خلق الإنسان . . { وبين ما أثبته العلم الحديث } .. و حتى يتضح ذلك ، يلزم أن يكون هناك منهج علمي في رؤية هذه المعلومات ، التي جاءت في عديد من آيات القرآن الكريم . . و هذا المنهج العلمي يستلزم جمع هذه الآيات . . و النظر إليها في تكاملها . . مع التمييز بين مرحلة خلق الله للإنسان الأول - آدم عليه السلام - و مرحلة الخلق لسلالة آدم ، التي توالت و تكاثرت بعد خلق حواء ، و اقترانها بآدم ، و حدوث التناسل عن طريق هذا الاقتران و الزواج .
    لقد خلق الله ، سبحانه و تعالى ، الإنسان الأول - آدم _ فأوجده بعد أن لم يكن موجوداً . . أي أنه أصبح "شيئاً" بعد ان لم يكن "شيئاً" موجوداً . . و إنما كان وجوده فقط في العلم الإلهي . . و هذا ومعنى الآية الكريمة : { أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا } (مريم : 67) .
    أما مراحل خلق الله ، سبحانه و تعالى ، لآدم . . فلقد بدأت بـ ( التراب ) الذي أضيف إليه ( الماء ) فصار ( طيناً ) ثم تحول هذا الطين إلى ( حمأ ) أي أسود منتن ، لأنه تغير - و المتغير هو ( المسنون ) - فلما يبس هذا الطين - من غير أن تمسه النار - سمى ( صلصالاً ) - لأن الصلصال هو الطين اليابس - من غير ان تمسه نار - و سمى صلصالاً لأنه يصل ، أي يصوت ، من يبسه - أي له صوت و رنين .
    و بعد مراحل الخلق هذه - التراب . . فالماء . فالطين . . فالحمأ المسنون . . فالصلصال . . نفخ الله ـ سبحانه و تعالى ـ في مادة الخلق هذه من روحه ، فغدا هذا المخلوق " إنساناً " هو آدم ، عليه السلام .
    وعن هذه المراحل تعبر الآيات القرآنية فتصور تكامل المراحل - و ليس التعارض المتوهم و الموهوم - فتقول هذه الآيات الكريمة : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ } ( آل عمران : 59) - فبالتراب كانت البداية : { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ } (السجدة : 7) ، و ذلك عندما أضيف الماء إلى التراب { فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ } (الصافات : 11) - و ذلك عندما زالت قوة الماء عن الطين فأصبح " لازباً " ، أي جامداً .
    و في مرحلة تغير الطين ، و اسوداد لونه ، و نتن رائحته ، سمي ( حمأ مسنوناً ) ، لأن الحمأ هو الطين الأسود المنتن ، و المسنون هو المتغير بينما الذي ( لم يتسنه ) هو الذي لم يتغير . . وعن هذه المرحلة عبرت الآيات : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28 ) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) } (الحجر : 26-35)(2) .
    تلك هي مراحل خلق الإنسان الأول ، توالت فيها و تتابعت و تكاملت المصطلحات : التراب . . و الماء . . و الطين . . و الحمأ المسنون . . و الصلصال . . دونما أي شبهة للتعارض أو التناقض ، وكذلك الحال و المنهاج مع المصطلحات التي وردت بالآيات القرآنية التي تحدثت عن خلق سلالة آدم عليه السلام .
    فكما تدرج خلق الإنسان الأول - آدم - من التراب . . إلى الطين . . إلى الحمأ المسنون . . إلى الصلصال . . حتى نفخ الله فيه من روحه . . كذلك تدرج خلق السلالة و الذرية . . بدءاً من (النطفة) - التي هي الماء الصافي - و يعبر بها عن ماء الرجل - ( المني ) - . . إلى ( العلقة ) - التي هي الدم الجامد ، الذي يكون منه الولد ، لأنه يعلق و يتعلق بجدار الرحم . . إلى ( المضغة ) - و هي قطعة اللحم التي لم تنضح ، و المماثلة لما يمضغ بالفم - . . إلى ( العظام ) . . إلى ( اللحم ) الذي يكسو العظام . . إلى ( الخلق الاخر ) الذي اصبح - بقدرة الله - في أحسن تقويم (3) .
    و من الآيات التي تحدثت عن توالي و تكامل هذه المراحل في خلق و تكوين نسل الإنسان الأول و سلالته ، قول الله ، سبحانه و تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا } ( الحج : 5 ) ، وقوله سبحانه : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } (المؤمنون : 12-14) .
    و إذا كانت ( النطفة ) هي ماء الرجل ، فإنها عندما تختلط بماء المرأة ، توصف بأنها ( أمشاج ) - أي مختلطة - كما جاء في قوله تعالى : { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا } (الإنسان : 2) .
    كما توصف هذه ( النطفة ) بأنها ( ماء مهين ) لقلته و ضعفه . . و إلى ذلك تشير الآيات الكريمة : { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ } ( السجدة : 7-8 ) ، { أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ } ( المرسلات : 20- 23) .
    و كذلك ، وصفت ( النطفة ) - أي ماء الرجل - بأنه ( دافق ) لتدفقه و اندفاعه . . كما جاء في الآية الكريمة : { فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) } ( الطارق : 5-7 ) .
    هكذا عبر القرآن الكريم عن مراحل الخلق . . خلق الإنسان الأول . . و خلق سلالات و ذرية هذا الإنسان . . و هكذا قامت مراحل الخلق ، و مصطلحات هذه المراحل ، شواهد على الإعجاز العلمي للقرآن الكريم . . عندما جاء العلم الحديث ليصدق على هذه المراحل و مصطلحاتها ، حتى لقد انبهر بذلك علماء عظام فاهتدوا إلى الإسلام . . فكيف يجوز - بعد ذلك و معه - أن يتحدث إنسان عن وجود تناقضات بين هذه المصطلحات . . ؟!
    لقد صدق الله العظيم : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } (النساء : 82) .
    --------------------------------
    ( * ) شبهات حول القرآن الكريم ـ د / محمد عمارة ، بتصرف يسير .
    (1) الآيات التي تحدثت عن "الماء المهين" هي في سورتى ( السجدة : 8 و ( المرسلات : 20) .
    (2) انظر معاني المصطلحات الواردة في هذه الآيات في : الراغب الأصفهاني ، أبو القاسم الحسين بن محمد ( المفردات في غريب القرآن ) طبعة دار التحرير - القاهرة - سنة 1991م . و ( لسان العرب ) - لابن منظور - طبعة دار المعارف - القاهرة .
    (3) انظر في معاني هذه المصطلحات ( المفردات في غريب القرآن ) - مصدر سابق .
    moneim
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: شبهات حول الإسلام 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    سلام الله عليك

    أبارك هذا التوجه المحمود للمشرف الكريم الأستاذ عبد المنعم جبر عيسى

    وما أحوج القراء ليعرفوا تفاصيل هذه الشبهات ليحصنوا أنفسهم من أباطيلها

    وأذكر هنا أن كثيراً من المستشرقين ومن لف لفيفهم
    يعتمدون إثارة البلبلة والضوضاء في مواضيع شتى متشابهة
    وأداتهم فيها التأويل
    والتأويل علم مستقر في تراثنا
    ولا بد من اقتفاء هذ العلوم والوقوف عند الشبهات و الرد عليها بأحسن ما يكون

    و الصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد: شبهات حول الإسلام 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية زرقـــاء اليمامة
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    الدولة
    بين سطور الألم والأمل..
    المشاركات
    92
    معدل تقييم المستوى
    15
    سلام الله عليك ..
    الأستاذ الفاضل عبدالمنعم جبر عيسى
    نعم هو موضوع مهم وخطير..فقد تعرضوا للقرآن الكريم بما ليس لهم به علم فألقوا الشبه من تشكيك بأنه كلام أعجمي وكلام مكرر ومتناقض وما يزعمونه من أن فيه أخطاء تاريخية بل إن المنصرين الغربيين والمستشرقيين وجهلة اللغة العربية تهجموا على بعض الصور النحوية والبلاغية التى لا يفهمونها فى القرآن الكريم ، سواء أكان هذا عن عمد أم عن جهل،والمصيبة الكبرى أن المغرضين والمشككين عملوا على إضلال عوام المسلمين بإثارة الشبهات حول القرآن،ولتتصور عظم هذا الخطب يُنقل أن المنصرين الغربيين يقومون بتأليف آلاف الكتب سنويا ضد الإسلام وتضليل المسلمين حول القرآن الكريم..والأدهى والأمرّ أن من يعينهم هم أبناء الإسلام أو من يحسبون على الاسلام فكم من كتاب ألفوه ضد دينهم وأغووا به عوام المسلمين ..وأصبحوا منتشرين بكثرة في المنابر الإعلامية يفصلون ويفسرون ساعين إلى تضليل الأمة..لكن الحقيقة واضحة والشمس لاتغطى بغربال.
    ولاريب أن جهود علمائنا إزاء هذا الإضلال و التضليل مباركة، غير أننا بحق نحتاج إلى المزيد من الدراسة و البحث بما يتناسب مع
    خطورة هذا الموضوع.
    وجزيت خير أستاذي الفاضل على هذا الموضوع القيم
    أسأل الله ألا يحرمك أجره..
    دمت بخير
    لا يخاف الشمع نار واحتراق
    مادامت الأثمان ضوء وسنا
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد: شبهات حول الإسلام 
    كاتب الصورة الرمزية عبد المنعم جبر عيسي
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    833
    معدل تقييم المستوى
    17
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زرقـــاء اليمامة مشاهدة المشاركة
    سلام الله عليك ..

    الأستاذ الفاضل عبدالمنعم جبر عيسى
    نعم هو موضوع مهم وخطير..فقد تعرضوا للقرآن الكريم بما ليس لهم به علم فألقوا الشبه من تشكيك بأنه كلام أعجمي وكلام مكرر ومتناقض وما يزعمونه من أن فيه أخطاء تاريخية بل إن المنصرين الغربيين والمستشرقيين وجهلة اللغة العربية تهجموا على بعض الصور النحوية والبلاغية التى لا يفهمونها فى القرآن الكريم ، سواء أكان هذا عن عمد أم عن جهل،والمصيبة الكبرى أن المغرضين والمشككين عملوا على إضلال عوام المسلمين بإثارة الشبهات حول القرآن،ولتتصور عظم هذا الخطب يُنقل أن المنصرين الغربيين يقومون بتأليف آلاف الكتب سنويا ضد الإسلام وتضليل المسلمين حول القرآن الكريم..والأدهى والأمرّ أن من يعينهم هم أبناء الإسلام أو من يحسبون على الاسلام فكم من كتاب ألفوه ضد دينهم وأغووا به عوام المسلمين ..وأصبحوا منتشرين بكثرة في المنابر الإعلامية يفصلون ويفسرون ساعين إلى تضليل الأمة..لكن الحقيقة واضحة والشمس لاتغطى بغربال.
    ولاريب أن جهود علمائنا إزاء هذا الإضلال و التضليل مباركة، غير أننا بحق نحتاج إلى المزيد من الدراسة و البحث بما يتناسب مع
    خطورة هذا الموضوع.
    وجزيت خير أستاذي الفاضل على هذا الموضوع القيم
    أسأل الله ألا يحرمك أجره..

    دمت بخير
    الأخت الكريمة زرقاء اليمامة ..
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
    اللهم آمين .
    والشكر موصول لك ..
    حضور شذى بهى يثلج الصدر ..
    ومتابعة وتشجيع أسعد بهما وأفخر ..
    لك تحياتى .
    moneim
    رد مع اقتباس  
     

  6. #6 رد: شبهات حول الإسلام 
    كاتب الصورة الرمزية عبد المنعم جبر عيسي
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    833
    معدل تقييم المستوى
    17
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق شفيق حقي مشاهدة المشاركة
    سلام الله عليك

    أبارك هذا التوجه المحمود للمشرف الكريم الأستاذ عبد المنعم جبر عيسى

    وما أحوج القراء ليعرفوا تفاصيل هذه الشبهات ليحصنوا أنفسهم من أباطيلها

    وأذكر هنا أن كثيراً من المستشرقين ومن لف لفيفهم
    يعتمدون إثارة البلبلة والضوضاء في مواضيع شتى متشابهة
    وأداتهم فيها التأويل
    والتأويل علم مستقر في تراثنا
    ولا بد من اقتفاء هذ العلوم والوقوف عند الشبهات و الرد عليها بأحسن ما يكون

    و الصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
    وبارك الله بك أستاذنا الكريم ..
    هو من فضل الله أولا .. ثم بفضل توجيهكم ..
    نسأل الله العلى القدير أن يتمه علينا جميعا ، ثم يتقبله منا خالصا لوجهه الكريم ..
    تحياتى وتقديرى .
    moneim
    رد مع اقتباس  
     

  7. #7 رد: شبهات حول الإسلام 
    ...... الصورة الرمزية د.ألق الماضي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    الدولة
    بين الكتب
    المشاركات
    10,196
    مقالات المدونة
    12
    معدل تقييم المستوى
    31
    جزيت الجنان أخي عبدالمنعم،،،
    موضوع رائع يستحق التقييم،،،
    متابعة لك،،،

    ألقٌ من السِحرِ ..أم سِحرٌ بـهِ ألقُ
    وفي حروفِكِ يأتي البدرُ والشـفقُ
    وحِـسُ قلبِكِ أثْـرَىَ لحنَ أغنيتي
    فصـار قلبي على كفَّـيْكِ ينطلقُ
    أأكتبُ الشّـِعرَ أم أُهـديكِ قافلةً
    من الورودِ عليها القلبُ والحَـدَقُ
    ورمزُ اسمـِكِ مكتُوبٌ على شَفَتي
    من قبلِ أن يُولدَ القِرطاسُ والوَرَقُ
    ثروت سليم
    رد مع اقتباس  
     

  8. #8 رد: شبهات حول الإسلام 
    كاتب الصورة الرمزية عبد المنعم جبر عيسي
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    833
    معدل تقييم المستوى
    17
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د.ألق الماضي مشاهدة المشاركة
    جزيت الجنان أخي عبدالمنعم،،،

    موضوع رائع يستحق التقييم،،،

    متابعة لك،،،
    اللهم آمين ..
    وإياك أيتها الأخت الفاضلة ..
    وشكرا جزيلا على التققييم ..
    خالص التحية والتقدير .
    moneim
    رد مع اقتباس  
     

  9. #9 رد: شبهات حول الإسلام 
    كاتب الصورة الرمزية عبد المنعم جبر عيسي
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    833
    معدل تقييم المستوى
    17
    الرد على دعوى جواز نسيان النبي القرآن أو إسقاطه عمدًا

    شكَّك بعض الْملاحدة في الأصل الذي قام عليه أمر كتابة القرآن الكريم وجمعه ، وهو حفظ النبي للقرآن بدعوى جواز النسيان على النبي ، واستدلوا على ذلك بدليلين :
    الأول : قوله تعالى : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ } ( 1 )
    والثاني : ما رواه البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : سَمِعَ النَّبِيُّ قَارِئًا يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ فِي الْمسْجِدِ فَقَالَ : يَرْحَمُهُ اللهُ ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَة كَذَا وَكَذَا . وفي رواية : أُنْسِيتُها . ( 2 ) .
    فزعموا أن هذين الدليلين يدلان - بطريق الاستثناء - على أن محمدًا قد أسقط عمدًا أو أُنسي آيات لم يتفق له من يذكره إياها ، وتدل أيضًا على جواز النسيان على النبي { صلى الله عليه وسلم } .

    *****

    وللرد على هذه الشبهة تصدى علماء كثيرون ؛ هذه أقوالهم :
    أولاً : قوله تعالى : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى } وعدٌ كريمٌ من الله تعالى ؛ بعدم نسيان ما يقرؤه من القرآن ، إذ إن ( لا ) في الآية نافية ، وليست ناهية ، بدليل إشباع السين ، فأخبر الله فيها بأنه لا ينسى ما أقرأه إياه .
    وقيل ( لا ) ناهيةٌ ، وإنما وقع الإشباع في السين لتناسب رءوس الآي ، والقول الأول أكثر.( 3 ) .
    قال القرطبي بعد أن ذكر القولين : والأول هو الْمختار ؛ لأن الاستثناء من النهي لا يكاد يكون إلا مؤقتًا معلومًا ، وأيضًا فإن الياء مثبتة في جميع الْمصاحف ، وعليها القراء .( 4 ) .
    ومعنى الآية على هذا : سنعلمك القرآن ، فلا تنساه ، فهي تدل على عكس ما أرادوا الاستدلال بِها عليه .
    ثانيًا : إن الاستثناء في الآية معلق على مشيئة الله إياه ، ولم تقع الْمشيئة ، بدليل ما مر من قوله تعالى : { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } ، ولأن عدم حصول الْمعلق عليه يستلزم عدم حصول الْمعلق ، ويستحيل أن تتعلق مشيئة الله بعدم بلوغ رسالته .
    ثالثًا : الاستثناء في الآية لا يدل على ما زعموا من أنه يدل على إمكان أن ينسى شيئًا من القرآن ، وفي الْمراد بِهذا الاستثناء قولان :
    القول الأول : أن الاستثناء صوريٌّ لا حقيقيٌّ ، فهو للتبرك ، وليس هناك شيءٌ استُثني .
    قال الفراء : ( 5 ) لم يشأ أن ينسى شيئًا ، وهو كقوله : { خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك } ولا يشاء ، وأنت قائل في الكلام : لأعطينَّك كل ما سألتَ إلا ما شئتُ ، وإلا أن أشاءَ أن أمنعك ، والنية ألا تمنعه ، وعلى هذا مجاري الأيمان ، يُستثنى فيها ، ونية الحالف التمام . ( 6 ) .
    وقيل إن الحكمة في هذا الاستثناء الصوري أن يعلم العباد أن عدم نسيان النبي القرآن هو محض فضل الله وإحسانه ، ولو شاء تعالى أن ينسيه لأنساه ، وفي ذلك إشعارٌ للنبي أنه دائمًا مغمور بنعمة الله وعنايته ، وإشعار للأمة بأن نبيهم مع ما خُصَّ به من العطايا والخصائص لم يخرج عن دائرة العبودية ، فلا يُفْتَنُون به كما فُتِنَ النصارى بالْمسيح ( 7 ) .
    القول الثاني : أن الاستثناء حقيقي ، وأن الْمراد به منسوخ التلاوة فيكون الْمعنى أن الله تعالى وعد بأن لا ينسى نبيه ما يقرؤه ، إلا ما شاء - سبحانه - أن ينسيه إياه بأن نسخ تلاوته لحكمة ، أو على أن الْمراد به الترك ، أو ما يعرض للإنسان بحكم الجبلة البشرية ، أو لأجل تعليم الناس وتبيين السنة لهم .
    عن الحسن وقتادة { إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ } : أي قضى أن تُرفع تلاوته.
    وعن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما : إلا ما أراد الله أن ينسيكه لتَسُنّ َ.
    وقال الطبري : وقال آخرون : النسيان في هذا الْموضع : الترك ، قالوا : ومعنى الكلام : سنقرئك يا محمد ، فلا تترك العمل بشيء منه ، إلا ما شاء الله أن تترك العمل به مِمَّا ننسخه . ( 8 ) .
    وعلى هذين القولين فلا تعلق لأصحاب تلك الشبهة بِهذه الآيات ، إذ لا يفهم منها أن النبي قد نسي حرفًا واحدًا مِمَّا أمر بتبليغه .
    وعن الدليل الثانى وما استند إليه المشككون في الحديث الشريف :
    أولا : أن الحديث الذي أوردوه لا ينهض حجةً لهم فيما زعموا من الشكّ في الأصل الذي قامت عليه كتابة القرآن وجمعه ، إذ إن الآيات التي أنسيها النبي ثم ذكرها كانت مكتوبة بين يدي النبي { صلى الله عليه وسلم } ، وكانت محفوظة في صدور أصحابه الذين تلقوها عنه ، والذين بلغ عددهم مبلغ التواتر- والذين منهم هذا الذي ذكَّرَه، وإنما غاية ما فيه الدلالة على أن قراءة ذلك الرجل ذكرت النبيَّ بالآيات ، وكان قد أُنسيها ، أو أسقطها نسيانًا ، وليس في الخبر إشارة إلى أن هذه الآيات لم تكن مِمَّا كتبه كتَّاب الوحي ، ولا ما يدل على أن أصحاب النبي كانوا نسوها جميعًا ، حتى يخاف عليها الضياع . ( 9 )
    ثانيًا : أن روايات الحديث لا تفيد أن هذه الآيات التي سمعها الرسول من أحد أصحابه كانت قد انمحت من ذهنه الشريف جملةً ، بل غاية ما تفيده أنَّها كانت غائبة عنه ثم ذكرها وحضرت في ذهنه بقراءة صاحبه ، وليس غيبة الشيء عن الذهن كمحوه منه ، فالنسيان هنا بسبب اشتغال الذهن بغيره ، أما النسيان التام فهو مستحيل على النبي { صلى الله عليه وسلم } ؛ لإخلاله بوظيفة الرسالة والتبليغ . ( 10 ) .
    قال الباقلاني ( 11 ) وإن أردت أنه ينسى القدرَ الذي ينساه العالْم الحافظُ بالقرآن ، الذي لا يُنسَب صاحبه إلى بلادة ٍ، فإن ذلك جائز بعد أدائه وبلاغه ، والذي يدل على جوازه أنه غير مفسدٍ له ، ولا قادح في آياته ، ولا مفسد لكمال صفاته ، ولا مسقط لقدره ، ولا منزل له عنه ، ولا معرضٍ بتهمته . ( 12 ) .
    ثالثًا : أن قوله : ( أسقطتها ) مفسرةٌ بقوله في الرواية الأخرى : ( أُنْسِيتُها ) ، فدل على أنه أسقطها نسيانًا لا عمدًا ، فلا محل لما أوردوه من أنه قد يكون أسقط عمدًا بعض آيات القرآن .
    قال النووي : قوله { صلى الله عليه وسلم } : " كنت أُنْسِيتُها " دليل على جواز النسيان عليه فيما قد بلَّغه إلى الأمة . ( 13 ) .
    أقوال العلماء حول مسألة وقوع النسيان من النبي :
    وقوع النسيان من النبي { صلى الله عليه وسلم } يكون على قسمين :
    الأول : وقوع النسيان منه فيما ليس طريقه البلاغ . فهذا جائز مطلقًا لما جُبل عليه من الطبيعة البشرية .
    والثاني : وقوع النسيان منه فيما طريقه البلاغ . وهذا جائز بشرطين :
    الشرط الأول : أن يقع منه النسيان بعد ما يقع منه تبليغه ، وأما قبل تبليغه فلا يجوز عليه فيه النسيان أصلاً .
    قال النووي في شرح قوله : " كنت أُنْسِيتُها " : دليل على جواز النسيان عليه فيما قد بلَّغه إلى الأمة . ( 14 ) .
    الشرط الثاني : أن لا يستمر على نسيانه ، بل يحصل له تذكره : إما بنفسه ، وإما بغيره . ( 15 ) .
    وقال القاضي عياضٌ ( 16 ) - رحمه الله ـ : جمهور الْمحققين على جواز النسيان عليه ابتداءً فيما ليس طريقه البلاغ ، واختلفوا فيما طريقه البلاغ والتعليم ، ولكن من جوز ذلك قال : لا يُقَرُّ عليه ، بل لا بد أن يتذكره أو يُذَكَّره . ( 17 ) .
    ونسيان النبي لشيء مِمَّا طريقه البلاغ يكون على قسمين أيضًا :
    قال الإسماعيلي : ( 18 ) النسيان من النبي لشيء من القرآن يكون على قسمين :
    أحدهما : نسيانه الذي يتذكره عن قربٍ ، وذلك قائم بالطباع البشرية ، وعليه يدل قوله في حديث ابن مسعود في السهو : إنَّما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون . ( 19 ) .
    وهذا القسم عارضٌ سريع الزوال ، لظاهر قوله : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } . ( 20 ) .
    والثاني : أن يرفعه الله عن قلبه على إرادة نسخ تلاوته ، وهو الْمشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ } ، ( 21 ) على بعض الأقوال .
    وهذا القسم داخل في قوله : { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا } . ( 22) ، ( 23) .

    ------------------

    ( 1 ) سورة الأعلى ، الآية 6 ، وبعض الآية 7 .
    ( 2 ) رواه البخاري في صحيحه ، انظر صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري (5/312) كتاب الشهادات ح : 2655، و(8/702-705) كتاب فضائل القرآن ح : 5037 ، 5038 ، 5042 ، و(11/140) كتاب الدعوات ح : 6335 ، ورواه مسلم في صحيحه ، صحيح مسلم بشرح النووي كتاب صلاة الْمسافرين ، باب الأمر بتعهد القرآن (6/75) ، وأبو داود في سننه : كتاب الصلاة - باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل (2/37) ح : 1331، وفي أول كتاب الحروف والقراءات (4/31) ح : 3970.
    ( 3 ) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 312 ، وفتح القدير (5/420) ، تفسير القرآن العظيم (4/500) .
    ( 4 ) الجامع لأحكام القرآن (20/14) .
    ( 5 ) هو أبو زكريا يحيى بن زياد الأسدي مولاهم ، العلامة صاحب التصانيف ، إمام النحاة ، وصاحب الكسائي ، توفي بطريق الحج سنة 207هـ . سير أعلام النبلاء (1/118 )، وتذكرة الحفاظ (1/372) .
    ( 6 ) معاني القرآن للفراء (3/256) .
    ( 7 ) مناهل العرفان (1/267-268 ).
    ( 8 ) تفسير الطبري (30/154) ، وفتح القدير (5/422) ، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/702) .
    ( 9 ) مناهل العرفان (1/265) .
    ( 10 ) مناهل العرفان (1/266) .
    ( 11 ) هو القاضي محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر ، الإمام العلامة ، سيف السنة ولسان الأمة ، الْمتكلم على لسان أهل الحديث ، صاحب التصانيف ، وكان يُضرب الْمثل بفهمه وذكائه ، وكان ثقة إمامًا بارعًا . صنف في الرد على الرافضة والْمعتزلة وغيرهم من الفرق ، مات في ذي القعدة سنة 403هـ . سير أعلام النبلاء (17/190) .
    ( 12 ) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 312 .
    ( 13 ) شرح النووي على صحيح مسلم (6/76) .
    ( 14 ) شرح النووي على صحيح مسلم (6/76)
    ( 15 ) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/703) .
    ( 16 ) أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض ، الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام ، استبحر في العلوم ، وجمع وألف ، وسارت بتصانيفه الركبا ن، وهو إمام الحديث في وقته ، وأعرف الناس بالنحو واللغة وكلام العرب ، من مؤلفاته الشفا بتعريف حقوق الْمصطفى ، ومشارق الأنوار . توفي سنة 544هـ . سير أعلام النبلاء (20/212) .
    ( 17 ) الشفا بتعريف حقوق الْمصطفى (2/161) ، وشرح النووي على صحيح مسلم (6/76) .
    ( 18 ) هو الإمام الحافظ الفقيه الحجة شيخ الإسلام ، أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الإسماعيلي الشافعي ، صنف تصانيف تشهد له بالإمامة في الفقه والحديث ، وكان واحد عصره ، وشيخ الْمحدثين والفقهاء . توفي سنة 371. سير أعلام النبلاء (16/292) .
    ( 19 ) رواه البخاري في صحيحه كتاب الصلاة بَاب التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ كَانَ . (1/600) ح 401.
    ( 20 ) الآية 9 من سورة الحجر .
    ( 21 ) الآية 6 وبعض الآية 7 من سورة الأعلى .
    ( 22 ) من الآية 106 من سورة البقرة .
    ( 23 ) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/703) .
    moneim
    رد مع اقتباس  
     

  10. #10 رد: شبهات حول الإسلام 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية عبد الكريم الجاسم
    تاريخ التسجيل
    Aug 2009
    العمر
    47
    المشاركات
    41
    معدل تقييم المستوى
    0
    الاستاذ الفاضل عبد المنعم
    جزاك الله عنا خير الجزاء فقد افد تني كثيرا
    خصوصا في مراحل خلق الانسان الاولى
    وأن سنة التدافع بين الخير والشر ماضيه منذ الازل ألى يومنا هذا
    و تمثلت بقول ورقة بن نوفل ألى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما سألته خديجه عن الناموس الذي نزل عليه
    بانه سيكون لك أعداء وانه ما جاء أحد بمثل ماجئت به الاعودي
    ,الىيومنا هذا نرى الدعاة الى الله الذين يسيرون على الهدي النبوي ويدعون الناس الى الخير في ضيق من أمرهم بسبب المصاعب التي يواجهونها لانهم ظاهرين على الحق
    لكن الفلاح أن شاء الله لاهل الخير لانهم اهل الحق
    ( وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا)
    رد مع اقتباس  
     

  11. #11 رد: شبهات حول الإسلام 
    كاتب الصورة الرمزية عبد المنعم جبر عيسي
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    833
    معدل تقييم المستوى
    17
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الكريم الجاسم مشاهدة المشاركة
    الاستاذ الفاضل عبد المنعم

    جزاك الله عنا خير الجزاء فقد افد تني كثيرا
    خصوصا في مراحل خلق الانسان الاولى
    وأن سنة التدافع بين الخير والشر ماضيه منذ الازل ألى يومنا هذا
    و تمثلت بقول ورقة بن نوفل ألى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما سألته خديجه عن الناموس الذي نزل عليه
    بانه سيكون لك أعداء وانه ما جاء أحد بمثل ماجئت به الاعودي
    ,الى يومنا هذا نرى الدعاة الى الله الذين يسيرون على الهدي النبوي ويدعون الناس الى الخير في ضيق من أمرهم بسبب المصاعب التي يواجهونها لانهم ظاهرين على الحق
    لكن الفلاح أن شاء الله لاهل الخير لانهم اهل الحق

    ( وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا)
    وجزاكم الله خيرا أستاذ عبد الكريم ..
    والحمد لله أولا وآخرا أن نال هذا الموضوع استحسانك ..
    وفى الحقيقة البحث فى هذا الجانب من ديننا نافع ومفيد ..
    نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الحق حتى نلقاه عليه .. إنه ولى ذلك والقادر عليه .
    وهذا أخى هو قدر الدعاة إلى الحق ..
    وما ضيق الدنيا بشىء أمام جنات عرضها السماوات والأرض .. اعدت للمتقين .
    والدنيا سجن المؤمن .. وعلى قدر المشقة يكون الجزاء والأجر الجزيل المضاعف ..
    فليصبر كل داع إلى الحق وليحتسب .
    والله المستعان .
    moneim
    رد مع اقتباس  
     

  12. #12 رد: شبهات حول الإسلام 
    كاتب الصورة الرمزية عبد المنعم جبر عيسي
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    833
    معدل تقييم المستوى
    17
    يوضح القرآن أن الله لا يغفر أن يشرك به ( النساء : 48 . و مع ذلك فقد غفر الله لإبراهيم ، عليه السلام ، بل جعله نبياً رغم أنه عبد النجوم و الشمس و القمر ( الأنعام : 86-87 . فما الإجابة ؟

    الجواب :
    وقد تصدى للرد على هذه الشبهة فضيلة الدكتور / محمد عمارة ، فى كتابه : ( شبهات حول القرآن الكريم ) ، فقال رحمه الله :
    الشرك محبط للعمل : { قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ } (الزمر : 64-66) ، { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } (النساء : 48 .
    و الأنبياء و الرسل هم صفوة الله من خلقه ، يصطفيهم و يستخلصهم ، و يصنعهم على عينه ، و ينزهم - حتى قبل البعثة لهم و الوحي إليهم - عن الأمور التي تخل بجدارتهم للنبوة والرسالة . . و من ذلك الشرك ، الذي لو حدث منهم واقترفوه لكان مبرراً لغيرهم أن يقترفه ويقع فيه . . و لذلك ، لم يرد في القرآن الكريم ما يقطع بشرك أحد الأنبياء و الرسل قبل بعثته . . بمن في ذلك أبو الأنبياء وخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام .
    أما الآيات التي يشير إليها السؤال . . وهي قول الله ، سبحانه و تعالى : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ 78 إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } ( الأنعام : 74-83) .
    أما هذه الآيات ، فليس فيها دليل على أن إبراهيم عليه السلام ، قد مر بمرحلة شرك ، و حاشا له أن يقع في ذلك ، وإنما هي تحكي كيف آتى الله إبراهيم الحجة على قومه . . حجة التوحيد ، و دحض الشرك . . فهي حجاج و حوار يسلم فيه إبراهيم جدلاً - كشأن الحوار - بما يشركون ؛ لينقض هذا الشرك ، و يقيم الحجة على تهاوي ما به يحتجون ، و على صدق التوحيد المركوز في فطرته . . ليخلص من هذا الحوار و الحجاج و الاحتجاج إلى أن الخيار الوحيد المتبقي - بعد هذه الخيارات التي سقطت - هو التوحيد . . فهو حوار التدرج من توحيد الفطرة إلى التوحيد القائم على المنطق و البرهان والاستدلال ، الذي فند دعاوى و حجج الخصوم . . الاستدلال اليقيني - { و ليكون من الموقنين } - و ليس فيه انتقال من الشرك إلى التوحيد . . تلك هي الحقيقة التي رجحها المفسرون :
    فالقرطبي ، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (671ه 1273م) يقول في تفسيره ( الجامع لأحكام القرآن ) - مورداً الآراء المختلفة حول هذا الموضوع :
    قوله تعالى : " قال هذا ربي " اختلف في معناه على أقوال ؛ فقيل : كان هذا منه في مهلة النظر وحال الطفولية وقبل قيام الحجة ؛ وفي تلك الحال لا يكون كفر ولا إيمان .. وقال قوم : هذا لا يصح ؛ وقالوا : غير جائز أن يكون لله تعالى رسول يأتي عليه وقت من الأوقات إلا وهو لله تعالى موحد وبه عارف ، ومن كل معبود سواه بريء . قالوا : وكيف يصح أن يتوهم هذا على من عصمه الله وآتاه رشده من قبل ، وأراه ملكوته ليكون من الموقنين ، ولا يجوز أن يوصف بالخلو عن المعرفة ، بل عرف الرب أول النظر . قال الزجاج : هذا الجواب عندي خطأ وغلط ممن قال ؛ وقد أخبر الله تعالى عن إبراهيم أنه قال : " واجنبني وبني أن نعبد الأصنام " " إبراهيم : 35 " وقال جل وعز : " إذ جاء ربه بقلب سليم " " الصافات : 84 " أي لم يشرك به قط .
    لقد قال " هذا ربي " على قول قومه ؛ لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر ؛ ونظير هذا قوله تعالى : " أين شركائي " " النحل : 27 " وهو جل وعلا واحد لا شريك له . والمعنى : ابن شركائي على قولكم .
    وقيل : إنما قال " هذا ربي " لتقرير الحجة على قومه فأظهر موافقتهم ؛ فلما أفل النجم قرر الحجة وقال : ما تغير لا يجوز أن يكون ربا . وكانوا يعظمون النجوم ويعبدونها ويحكمون بها . وقال النحاس : ومن أحسن ما قيل في هذا ما صح عن ابن عباس أنه قال في قول الله عز وجل : " نور على نور " [النور: 35] قال : كذلك قلب المؤمن يعرف الله عز وجل ويستدل عليه بقلبه ، فإذا عرفه أزداد نورا على نور؛ وكذا إبراهيم عليه السلام عرف الله عز وجل بقلبه واستدل عليه بدلائله ، فعلم أن له ربا وخالقا . فلما عرفه الله عز وجل بنفسه ازداد معرفة فقال : " أتحاجوني في الله وقد هدان " [الأنعام: 80].
    وقيل : هو على معنى الاستفهام والتوبيخ ، منكرا لفعلهم . والمعنى : أهذا ربي ، أو مثل هذا يكون ربا ؟ فحذف الهمزة . وفي التنزيل " أفإن مت فهم الخالدون " [الأنبياء : 34] أي أفهم الخالدون ؟ . (1)
    و مع هذا الرأي ايضاً الزمخشري ، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي (467-538هـ/1075-1144م) صاحب تفسير ( الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ) .. الذي يقول في تفسير هذه الايات :
    " وكان أبوه آزر وقومه يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب ، فأراد أن ينبههم على الخطأ في دينهم ، وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال ، ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤدّ إلى أن شيئاً منها لا يصحّ أن يكون إلٰهاً ، لقيام دليل الحدوث فيها ، وأن وراءها محدثاً أحدثها ، وصانعاً صنعها ، مدبراً دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها .
    { هَـٰذَا رَبّى } قول من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل ، فيحكي قوله كما هو غير متعصب لمذهبه . لأن ذلك أدعى إلى الحق وأنجى من الشغب ، ثم يكرّ عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة .
    { لا أُحِبُّ ٱلأفِلِينَ } لا أحبّ عبادة الأرباب المتغيرين من حال إلى حال ، المتنقلين من مكان إلى آخر ، المحتجبين بستر ، فإنّ ذلك من صفات الأجرام .
    { لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبّى } تنبيه لقومه على أنّ من اتخذ القمر إلٰهاً وهو نظير الكوكب في الأفول ، فهو ضال ، وأنّ الهداية إلى الحق بتوفيق الله ولطفه .
    { إِنّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضَ } أي للذي دلت هذه المحدثات عليه وعلى أنه مبتدؤها ومبتدعها . (2)
    و على هذا الرأي أيضاً - من المحدثين - الشيخ عبد الوهاب النجار (1278-1360هـ/1862-1941م) - صاحب ( قصص الأنبياء ) - الذي يقول : " لقد أتى إبراهيم في الاحتجاج لدينه وتزييف دين قومه بطريقة التدرج في الإلزام ، أو التدرج في تكوين العقيدة .. " . (3)
    ذلك هو موقف إبراهيم الخليل عليه السلام ، من الشرك .. لقد عصمه الله منه .. و إنما هي طريقة في الجدال يتدرج بها مع قومه ، منطلقاً من منطلقاتهم ؛ ليصل بهم إلى هدم هذه المنطلقات ، وإلى إقامة الدليل العقلي على عقيدة التوحيد الفطرية المركوزة في القلوب .
    ----------------------------------------------------
    (1) ( الجامع لأحكام القرآن ) جـ7 ص25 ، 26 . طبعة دار الكتاب العربي للطباعة و النشر – القاهرة سنة 1387 ه سنة 1967 م .
    (2) ( الكشاف ) جـ2 ص30 ، 31 طبعة دار الفكر – بيروت – بدون تاريخ – و هي طبعة مصورة عن طبعة طهران " انتشارات آفتاب – طهران " – و هي الأخرى بدون تاريخ للطبع .
    (3) ( قصص الأنبياء ) ص80 . طبعة دار إحياء التراث العربي – بيروت – لبنان – بدون تاريخ للطبع .
    moneim
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. مقال: ردود على شبهات وتصحيح لأفكار ومسارات حول (المرأة المسلمة وحجابها )
    بواسطة خاشع ابن شيخ إبراهيم حقي في المنتدى مجلة المربد
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 25/12/2010, 02:35 PM
  2. ردود على شبهات وتصحيح لأفكار ومسارات حول (المرأة المسلمة وحجابها )
    بواسطة خاشع ابن شيخ إبراهيم حقي في المنتدى إسلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 28/11/2010, 05:11 PM
  3. شتلات حب مني ولي !!!
    بواسطة قرنفلة الجبل في المنتدى الرسائل الأدبية
    مشاركات: 90
    آخر مشاركة: 10/08/2009, 08:04 PM
  4. الشفاعة في الإسلام.
    بواسطة ابو مريم في المنتدى إسلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09/07/2007, 01:32 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •