على ضفاف شط العرب


من يرمي طوق النجاة ؟




نشر الموضوع في جريدة الزمان بعددها 3399 في 15/9/2009


كاظم فنجان الحمامي

شارك العراق، في رمضان العام الماضي, في أعمال المؤتمر العالمي الثاني للشباب للقضاء على البطالة ومكافحة الفقر, الذي عقد في العاصمة الأذربيجانية (باكو), بحضور أكثر من (75) دولة, ومن المؤكد إن معظمها من الدول البحرية التي أطلقت العنان لقطاعها الخاص ليخوض غمار البحار البعيدة, وسمحت لطواقمها البحرية العاطلة عن العمل بتحقيق المزيد من المكاسب المالية. وعلى الرغم من المساعي الحثيثة للدول المشاركة في المؤتمر, ونشاطاتها الملحوظة في تشجيع أبنائها على العمل في البحار والمحيطات, التي تشكل ثلاثة أرباع مساحة كوكب الأرض, فقد اتفق المؤتمرون على أهمية تعزيز دور الشباب واحتضانهم ورعايتهم باعتبارهم العمود الفقري للمجتمع، وتفعيل الأنشطة والوسائل الكفيلة بالقضاء على البطالة التي تعانيها هذه الشريحة المهمة. وانتهت نقاشات المؤتمر على خير, من دون أن تعلم الدول المشاركة في المؤتمر إن العراق هو الدولة الوحيدة, من بين أقطار السماوات والأرض, التي حرمت عامة الناس من الحصول على الجوازات البحرية, وبالتالي لم تسمح لهم بمزاولة الأعمال البحرية الخاصة. وعاد المؤتمرون إلى أوطانهم ولم يعلموا بهذه الحقيقة الغامضة, ومن المتوقع إن وفد وزارة الشباب, الذي مثل العراق في المؤتمر, لم يكن يعلم بهذا الأمر.


تعرضت سفينة القطاع البحري الخاص للعطب, وجنحت على ضفاف شط العرب منذ عام 1980, وهو العام الذي اندلعت فيه أولى حروب الخليج, ثم تلتها سلسلة من الحروب والمعارك المتعاقبة, وهبت عليها رياح الحصار الاقتصادي الجائر, فمزقت أشرعتها, وحطمت صواريها, وهي الآن مشرفة على الموت غرقا بين (الخورة) و(الفاو), وتنتظر من يمد لها يد العون فينتشلها, أو يرمي لها بطوق النجاة, ويسعفها من الكارثة التي ألمت بها منذ أكثر من ربع قرن. ربما يتساءل الناس عن الجهة التي تمتلك طوق النجاة, والتي تقع على عاتقها مسئولية الإنقاذ ؟, وكم تبلغ التكاليف المالية المترتبة على هذه المبادرة؟, وربما يتهامس المسئولون عن نوع وحجم ولون طوق النجاة ؟. ونقول لهؤلاء جميعا إن طوق النجاة لن يكلف الدولة فلسا وحدا, فأصحاب السفن التجارية العراقية ليسوا بحاجة إلى الإعانات المادية, ولا إلى المساعدات العينية, فهذه المساعدات ميئوس منها تماما, وهم ليسوا بحاجة إلى الإعفاءات الضريبية, والتسهيلات الجمركية, فهذه الإعفاءات هي الأخرى كانت ومازالت بعيدة المنال في الماضي والحاضر والمستقبل , لكنهم بحاجة إلى إصدار قرار رسمي وطني عراقي يحررهم من قبضة الظلم الذي وقع عليهم, وقصم ظهورهم, وحرمهم من مغادرة العراق, وكبلهم بالقيود, ومنعهم من الانطلاق ببضاعتهم وسفنهم نحو المرافئ البعيدة, أسوة بسفن البلدان المجاورة, الكويت وقطر والبحرين والإمارات وعمان والسعودية وإيران والأردن وسوريا وتركيا.
فالعراق, يا جماعة الخير, هو البلد الوحيد, الذي يصر على التمسك ببنود وأحكام القانون رقم (86) لسنة 1986, وهو القانون الذي حرم العاملون في القطاع البحري الخاص من الحصول على المفتاح السحري (الجواز البحري) الذي يفتح أمامهم بوابات البحار والمراسي المغلقة بوجوههم, وهو الجسر الذي يؤمن لهم كسب الرزق الحلال. والمشكلة إننا, وعلى الرغم من مواصلتنا المطالبة بإدخال التعديلات التشريعية على قانون (هوية البحار), لم نتلمس أي ردود فعل ايجابية من الجهات المعنية, وربما هنالك من يتربص بنا شرا, وقد يتساءل الناس عن الجهات الرسمية التي يتعين عليها التصدي لهذا الموضوع, فنقول لهم إنّ البرلمان العراقي وحده هو المسئول الأول عن مناقشة التعديلات الحضارية التي ينبغي أن تأخذ طريقها نحو ميادين التطبيق العملي, فالبرلمان العراقي هو المعول عليه الآن ليقوم برمي طوق النجاة لينقذ هذه الشريحة المضطهدة, ويفتح لها مغاليق المسالك المسدودة.
فالبرلمان المصري (مجلس الشعب) وعلى الرغم من تحرر مصر من القيود الاحترازية في منح الجوازات, بحث في دورته الجديدة قضية تصدير العمالة البحرية المصرية, من منظور يرتكز على أهمية تحقيق موارد مالية عالية قد تصل إلى تسعة مليارات دولار في العام الواحد. وأعلنت الهيئة المصرية لسلامة الملاحة إنها منحت لغاية 31/7/2009 نحو (13833) جوازا بحريا صرفت جميعها للقطاع الخاص, وتعد الفلبين من الدول الأكثر تسويقا لعمالتها البحرية, وتحقق سنويا عائدات مالية بالعملة الصعبة تزيد على عشرة مليارات دولار.
أما نحن في العراق فكل ما نحتاجه هو تعديل التشريعات القديمة, وتحرير الناس من قيود الماضي, عندئذ سيسجل التاريخ بالحروف المسمارية : إن البلد الذي كان مهدا لأقدم الحضارات في كوكب الأرض, والذي كان أول من سن القوانين والشرائع, وكان أول من علم الناس فنون الملاحة وركوب البحر هو اليوم آخر البلدان, التي عدّلت تشريعاتها لتسمح لأبنائها باللحاق بمن سبقهم في ركوب البحر. وبخلاف ذلك فإننا سنحتفظ بمكانتنا في سجلات غينيس للأرقام القياسية لأننا نمثل البلد الأوحد بين أقطار الكون في الإصرار على حرمان قطاعه الخاص من حق التزود بالجواز البحري لأسباب غامضة, يجهلها حتى الراسخون في العلم, وللحديث بقية إن شاء الله.