النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: حقيبة الرحلة الأخيرة !! - قصة قصيرة

  1. #1 حقيبة الرحلة الأخيرة !! - قصة قصيرة 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    السعودية
    العمر
    54
    المشاركات
    66
    معدل تقييم المستوى
    15
    حقيبة الرحلة الأخيرة ؟!
    قصة قصيرة
    كتبها : أحمد كمال
    علا صفير مكابح القطار ، ودوى نفير قاطرته ، وراح الركاب ينزلون الواحد تلو الآخر ، ضوضاء ، غوغائية ، ومكبرات الصوت تنادي :
    - على السادة ركاب قطار الرحلة الأخيرة إحضار حقائب أمتعتهم .
    تلفت حولي وأنا لا أكاد أرى شيئاً ، أبحث عن حقيبة أمتعتي ، وإذا بها محفوظة على أحد الأرفف ، كانت ثقيلة ، ثقيلة ، وثيابي تعيقني عن الحركة ، بقسوة شديدة ، شديدة ، وبالرغم من ذلك تمكنت من الهبوط إلى الرصيف .
    ضوء خافت ، في ظلام حالك ، وزحام شديد ، أفواج ، وأفواج من البشر حشدت ، هبطت كلها من القطار ، وتتدافع في كتلة بشرية واحدة ، كموج متلاطم في أعالي البحار ، أشفقت على نفسي من ذلك الزحام ، ورحت أتلفت يميناً ويساراً أبحث عن مخرج ، بلا جدوى ، فألقيت بجسدي الهزيل ، وسط الحشد المهيب ، وأنا أجر حقيبة أمتعتي ، على أطراف، أطراف أصابعي كانت خطواتي ، ومن ثقب إبرة كانت تأتي أنفاسي ، دارت الدنيا من حولي ، وتفصد جسدي عرقاً غزيراً ، وكدت أن أغوص وسط الحشود ، لولا أني رأيت نهاية الرصيف على مرمى مني .
    في نفس الضوء المريض ، جلست أمام أحد المستقبلين ، أعطاني ورقة بها خمسة أسئلة ، أمسكت بالورقة ، قلبتها ذات اليسار ، وذات اليمين ، وأجبت على الأسئلة ، ويملأني استغراب شديد ، حتى أشار لي بالمرور عبر البوابة ، وأنا أحمل حقيبة أمتعتي ، وأتجه نحو باب عظيم ، وتتداعى إلى أذني ، تأوهات الندم ، وصيحات الخوف ، وصرخات الألم ، لم أستطع أن ألتفت ، ولا حتى فكرت في ذلك ، فالمستقبلين غلاظاً ، شدادا .
    وبينما الفرحة تملأني لأنني أوشكت أن أجتاز البوابة ، إذا بأصوات مبحوحة تنادي علي ، وتلح في النداء ، هذه الأصوات تألفها أذني ، أدرت رأسي يميناً ويساراً أبحث عن من ينادي ، فإذا بهما أبي ،وأمي ، اقتربت ، ازددت اقترابا ، وأنا مندهش ، ألم يموتا ؟ لقد دفنتهما بيدي، وصببت على قبريهما الماء ، وزرعت لهما النخل والزيتون ، والصبار ، هل عادا إلى الحياة ؟ ولكن كيف ؟
    تعانقنا باشتياق ، وضمتني أمي إلى صدرها ، والدموع تفيض من عينيها وتصيح :
    - ما خيبت ظني يا ولدي ؟ وصدقت تربيتي لك
    بينما والدي يمسح بيده على رأسي قائلاً :
    - أنجيتنا بطهارة قلبك يا ولد ، وكنت أنا لها من الساخرين ، زهدت ، فعلوت يا ولدي .
    وكان السؤال يلح علي طيلة الرحلة ومن غير أبي يجيب عليه :
    - أين نحن يا أبي ؟ وكيف عدتما للحياة ؟
    ضحك ضحكة مجلجلة ، هزت أركان المحطة ، وفاضت الدموع من عينيه ، وهو يقهقه ، حتى قال:
    - نحن هنا يا ولدي ؟
    اتسعت حدقتا عيني مستغرباً ، فواصلت أمي :
    - نحن لم نعد للحياة ؟
    ونادى المنادي بمرور الركاب عبر بوابة الزمن الخلفية ، وأنا أتأمل والديا متسائلاً :
    - ألن تأتيا معي ؟
    فقالا في صوت واحد :
    - لقاء قريب !!
    وتلاشى الاثنين معاً ، بعيداً ، بعيداً ، وأنا شارد الذهن ، مشتت ، لا أستطيع أن أقبل بالحقيقة ؟!
    وركضت نحو بوابة الزمن الخلفية ، وأنا أحمل حقيبة أمتعتي الثقيلة ، حتى مررت من تحتها ، ساعة في حجم القمر ، وعقاربها كناطحات السحاب ، ولكن زمنها لا يتقدم ، ولا يتأخر ، وليس بها أرقام ، بها صفر كبير، عملاق ، وفور عبور البوابة أمسك بي الحراس ، شدوا وثاقي ، ووضعوا حقيبتي الثقيلة على الميزان ، فاضت دموع عيني كالأطفال ، أهاب النتيجة ، أخشى العاقبة ، أحاول أن أتخلص من قيدي بدون فائدة ، وطبت كفة الميزان تحمل حقيبتي ، فصحت مهللاً ، لقد نجوت من أصعب امتحان ، ونظر الحراس صوبي مستغربين فرحتي ، وهم يشيرون لي بأن أهدأ ، دون جدوى ، حتى جاء حشد عظيم ، وأنا أتفحصهم ، أحاول أن أشخصهم ، هذا أبي ، وتلك أمي ، وهؤلاء إخواني ، وأخواتي ، أصدقائي ، صديقاتي ، أبنائي ، وبناتي ، وآخرون لا أعرفهم ، ولكنهم يعرفونني ، فتحوا حقيبتي ، سلبوا أمتعتي ، القطعة تلو الأخرى ، اقتسموا ما في حقيبتي من خيرات ، وأنا أصيح فيهم :
    - أتركوا أمتعتي ، أنتم لستم بأهلي ، أنا بريء منكم
    وبدون أي فائدة ، أتعبت حالي ، وفرغت حقيبتي ، وتبقى من الحشد قليل ، دسوا في حقيبتي قمامتهم ، ونقل الحراس حقيبتي إلى أقصى اليسار بدلاً من أقصى اليمين ، وأنا أدرك أنني ضائع ، هالك لا محالة وتدلى رأسي على صدري ، وتملكني يأس عظيم ، وقد تداعي إلى أنفي رائحة شواء ملايين الأطنان من اللحوم ، فصحت في الحراس متوسلاً :
    - فكوا وثاقي فأن لي في البيت أمتعة سوف أحضرها !!
    نظر كبير الحرس وقال بصوت لا رحمة فيه :
    - لا عودة من هنا !!
    وبقيت أنا أصيح ، واصرخ مستغيث ، وإذا بمن يهزني من كتفي قائلاً :
    -أستيقظ يا رجل ، فالقطار على وشك المجيء ؟!!
    انتهى
    أحمد كمال سالم
    إنسان حر وحر وحر
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: حقيبة الرحلة الأخيرة !! - قصة قصيرة 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Aug 2009
    المشاركات
    216
    معدل تقييم المستوى
    15
    في الحلم كل شيئ ممكن,حضور الاموات,حضور العجائبي,ما لا يتصور,انه عالم غريب عالم اللاشعور و رغباتنا الدفينة...
    تحيتي و تشجيعي
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: حقيبة الرحلة الأخيرة !! - قصة قصيرة 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    السعودية
    العمر
    54
    المشاركات
    66
    معدل تقييم المستوى
    15
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسن_العلوي مشاهدة المشاركة
    في الحلم كل شيئ ممكن,حضور الاموات,حضور العجائبي,ما لا يتصور,انه عالم غريب عالم اللاشعور و رغباتنا الدفينة...
    تحيتي و تشجيعي
    ممتن لك كثيراً لمرورك الكريم
    طيب الله خاطرك
    أحمد كمال سالم
    إنسان حر وحر وحر
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. الجمعية المغربية للبحث في الرحلة
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 10/09/2010, 08:02 PM
  2. الحصة الأخيرة " قصة قصيرة "
    بواسطة محمد عبده العباسي في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 15/01/2008, 08:32 AM
  3. الرحلة الأخيرة
    بواسطة البشير الأزمي في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 28/10/2007, 10:22 PM
  4. وصايا نبيّ الرحمة والإنسانية !!..
    بواسطة بنت الشهباء في المنتدى إسلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05/07/2006, 11:14 AM
  5. من أدب الرحلة الجغرافيّة .. جبال مكّة العملاقة ..
    بواسطة الدكتور مروان الظفيري في المنتدى إسلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06/06/2006, 04:30 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

عرض سحابة الكلمة الدلالية

ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •