الأخ الكريم والأديب الكبير الدكتور عبدالفتاح
" أبوشامة المغربي "
أحييك أجمل تحية 00وأشكرك على تعليقاتك
الوردية هذه وأقدم شديد اعتذاري على تأخرى
بالتواصل معكم بالردود على أسئلتكم الحوارية
الطيبة 00والله وحده يعلم مالدي من أعذار
لا أظنني إذ أسردها إلا مستوجبة منكم خالص الدعوات000والحمد لله أولا وآخرا
وكم أدعوه - سبحانه - أن يوفقني للإجابة عن
بقية أسئلتك الحوارية الممتعة
سؤالي الثاني
كيف كانت البداية الشعرية لديك؟ وما هي في رأيك رسالة الشاعر ووظيفته الحقيقية؟ ومن هم الشعراء الذين قرأت لهم أكثر من مرة؟
************************
البداية الشعرية كانت منذ الطفولة فجّرتها عناية
الوالد - رحمه الله - بنا وترديده الشعر كثيرا
على مسامعنا حال كونه شاعرا كبيرا وخطيبا
مفوها على مستوى بلدتنا على الأقل 00وكانت
عبارة عن محاولات تقليدية لما يقوله الوالد
ويكتبه 00وكنت أقولها على تخوفٍ من أن
يعرف ذلك عني أو يسمعني فيعنِّف أو يغضب
ولكن عكس ماظننتُ 00فكمْ كانت فرحته غامرةً
حين قرأ أولياتي وبدأ بتقويمها لي 00وتقديم
نصائحه الغالية التي لازلت أسيرعلى هداهافي
كتاباتي 00ومن تلك البدايات قولي في أحد
السنوات بشهر رمضان المبارك عن ليلة القدر ِ
هي ليلُة القدرِ العظيمة فُضِّلتْ = عنْ ألفِ شهرٍ تمتلئ بأمانِ
مَنْ قامها غفرَ الإلهُ
ذنوبَهُ = وعليهِ يرْضى دائِمَ الرضوانِ
فيها الملائكةُ الكرامُ تنـزَّلتْ = والـروحُ بالأمْـر مْنالدَّيانِ
جبريلُ بالنورِ المبينِ مُنَزَّلٌ = يوحي لأحمـدَ بالهُدى القرآني
ولمطلعِ الفجرِ سلامٌ كلها = ولآخرِ الدنيا مَدَىالأزْمانِ
يا " ليلةَ القدْر "تمنينابأنْ = تبقي و 00لكنْ حكمة الرحمنِ
تقضي بأنْ نشتاقَ نورك دائماً = في كلِّ عامٍ طيلةَ الأزْمانِ0
ومِن يومها تعودت أن تكون لي قصيدة ولو
أبيات معدودة في شهر رمضان المعظم 00
جمعت منذ سنوات بعضها ووضعته بديواني "
مِنْ فيض الوجدان بليالي رمضان " الذي أشرف
الآن بنشر بعض قصائده بمربدنا الزاهر 00
سؤالي الثالث
هل ثمة فاصل بين الكتابة النثرية
والنظم الشعري؟ إن وجد فما عساه
يكون تحديداً؟
طبعا هناك فارقٌ كبير بين الكتابة النثرية والنظم
الشعري في كون النثر كلام خالٍ من الوزن
والقافية
أما النظم فهو الكلام الذي به وزن وقافية 00ولو
خلا حتي من المشاعر والجماليات كنظم ابن
مالك لقواعد النحو في ألف بيت شعر في مؤلفه
الشهير " ألفية ابن مالك " وكنظم علماء
التجويد أصول وقواعد هذا العلم المفيد في
منظومات شعرية 00وكنظم على ابن الجهم
سيرة الرسول – صلى الله على وسلم -
وإن كان بنظم السير بعض المشاعر أحيانا
والوجدانيات والتعبيرات البيانية الجميلة
********************
سؤالي الرابع
ما طبيعة القصائد الشعرية
التي تجدين في نفسك ميلاً إلى رصدها بالقراءة واقتفاء أثرها بالتأمل؟
والله يا أخي الكريم أنا أميل كثيرا للشعر
الوجداني عامةً00وخاصة الوجدانيات
الروحانية أقتفي أثرها قراءة وكتابة ما أمكنني
السبيل إليها 0ففي مثل تلك الوجدانيات خاصة
الصادقة تُحلِّق الروح في عوالم من الشاعرية
الحقة 00ويكون الشعر للشعر حينها ممتعا
للعقل والقلب معا
ومن أمثلة ذلك الشعر الذي أميل إليه وأستمتع به
شعر ابن عربي وابن الفارض ووجدانيات
صريع الغواني وقيس بن الملوح ومعظم
الموشحات الأندلسية 00ومن المحدثين شعر
العقاد وجبران الفلسفي 00والديني لأحمد شوقي
00وبعض الرمزي والسياسي لنزار قباني
والسياب والوجداني والاجتماعي لنازك
الملائكة
و 00وربما كل ماهو وجداني وإنساني هادف
لكثير من الشعراء
*******************
سؤالي الخامس
ترى هل
الشاعر في حاجة إلى تذوق الأعمال الأدبية النثرية لينظم الشعر؟
الشاعر كشاعر منذ بداياته الأولى لابد له من
الاطلاع كثيرا لصقل موهبته 00فالموهبة
وحدها لا تكفي لخلق شاعر 00ولذلك هو دوما
يجب أن يكون في حالة اطلاع وتذوق لكتابات
غيره من الشعراء سواء الأقدمين أو المحدثين أو
حتى معاصريه 00لأنه لم لو لم يتذوق لغيره لما طوَّر من نفسه وجدَّد
**************************
سؤالي السادس
كيف ترين القصيدة العربية المعاصرة؟ ثم أثمة موضوعات معينة لها قصب السبق في اهتمامات شعراء العرب اليوم؟
القصيدة العربية المعاصرة أراها كما يراها كل
مهتم بالأدب في
حالة تشبه ربما حالتها أثناء عصر الركاكة
واضمحلال اللغة العربية أثناء العصر العثماني
– يعني غير مزدهرة – وربما السبب قلة
اللقاءات والندوات والمؤتمرات الأدبية بين
الأدباء على المستوي الإقليمي والدولي ربما 00
وأيضا انتشار قصيدة النثر والترويج لها
( فأصبح كل من يكتب كلمتين فيهما بعض خيال
وينشرهما على تلك الشبكة العنكبوتية في أي
موقع أدبي ويُكتَب تحتهما تعليقان له يقول:
أنه شاعر00وشاعر عصري يكتب قصيدة النثر )
وذلك هو السبب الثالث الرئيسي للحالة المزرية
التي وصلت لهاالقصيدة العربية حاليا 00
والسبب الرابع تراجع كثير من الشعراء الجادين
عن مواكبة " العصرنه " والاكتفاء بما لديهم من
بعض التاريخ الأدبي المشرِّف 00وبمعنى آخر
ربما لايوجد شاعر يلتف حوله الشعراء ( كأمير
أو كبير ) مثلا كما كان في كل عصر ذهبي
للشعر تجد للشعراء كبير كقائد لهم أو مرجعية
يتخذه الصغار رمزاً يقلدونه 00والكبار يجدون
فيه الريادة لهم 00أو قُلْ المنافسة
00وخامسا :
طبعا ظروف العصر 00بل ظروف أمتنا العربية
المتدهورة التي جعلت معظم أغراض الشعر
على ساحتنا المعاصرة بعض " رثاء " للعراق
وغزة ولبنان 00وبعض " غزليات " ساذجة أو
مبتذلة أوحت بها لشعرائنا الشباب فضائياتنا
العربية التي يعلم الله بحالها ( وأكتفى بهذا القدر
بذلك الموضوع 00خوف الإطالة 00فكم هو
موضوع ذو شجون ) وأخاف على قارئنا الملل
أخي الفاضل دكتورعبد الفتاح 00ولكن ربما لنا
عودة له فيما بعد حيث كم هو يستحق الحديث بل الدراسة المتأنية
********************
سؤالي السابع
ما
الذي يعنيه النقد الشعري بالنسبة للقصيدة العربية قديماً وحديثاً؟
النقد الشعري الآن أصبح يمر بأزمة كبيرة
متشعبة الأسباب بل معقدة 00حيث اتبع بعض
النقاد العرب المدارس الغربية بالنقد ناسين أن
للغتنا الجميلة مقاييس نقدها 00ولشعرنا العربي
طبيعة تخالف طبيعة الشعر الغربي بل لشاعرنا
العربي خصائص شخصية00ومبادئ أخلاقية
وظروف اجتماعية تختلف عما هو سائد بالبيئة والمجتمع الغربي
فمثلا يرى أصحاب " مدرسة النقد الحديثة "
التي من أشهر أصحابها راسوم وبلاكمور وإليوت
" أنه على الأديب أن يغفل القيم الأخلاقية
والروحية ومواصفات المجتمع وقضايا وطنه في
إنتاجه الأدبي " لأن العمل الأدبي عندهم شكل
فقط 00فهل يجب أن نرى في نقدنا لشاعر
عربي أو قصيدة عربية مايرونه ؟؟؟
00ولذلك فالنقد العربي قديما كان نقدا هادفا
حتى في أبسط صورة عندما كان يتم في
الأسواق الأدبية بعكاظ وذي المجاز فمثلا حين
كان يجلس شاعر كزهير ابن سلمى مثلا يجود في
قصيدة له حولا كاملا لكي يتفادى النقد المقذع
لها و حين تناول النابغة الذبياني بيت حسان بن
ثابت بقوله :
لنا الجفنات البيض يلمعن في الضحى ** وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فاتجه لنقد اللفظة ومعناها فقال كان ينبغي أن
يقول حسان " وسيوفنا " للدلالة على الكثرة
بدلا من " أسيافنا "
التي هي جمع قلة 00وهكذا ظل مقياس النقد
لزمن طويل اللفظ والمعنى حتى عند " عبد
القاهر الجرجاني " ثم أضيف إليهما حالة
الشاعر النفسية 00وظروف بيئته 00الخ تلك
المقايس النقدية العربية الملائمة للغتنا وهويتنا
العربية الأصيلة
ولذلك فالناقد الحق هو من يضع في الاعتبار كل
ظروف الشاعر الحياتية والأخلاقية والنفسية
والفكرية واللغوية أثناء نقده 00لاينقد عاطفة
الشاعر فقط ولا لغته فقط ولا فكره فقط ولا أخلاقه فقط 00ولا
00ولا نفسيته الشاعرة فقط 00بل يضع كل ذلك
بالاعتبار 00ويحاول عدم تطبيق مقاييس النقد
الغربية على أدبنا العربي 00لأن لغتنا العربية لها
التي هي قوام أدبنا لها صفاتها المميزة لفظا ومعنى
وللأديب العربي خصائص طبيعية ونفسية 00بل
وحياتية تختلف عماهو معروف لدى الأديب غير العربي
************************
وأكتفي بهذا القدر من الحوار الشيق معك أخي الفاضل
أبو شامة 00ومع كل مرتاد لتلك الصفحة التي أود أن
تنال لدى الجميع القبول 00وتكون موضع فائدة - إن
شاء الله تعالى - على وعد باستكمال بقية حواري
معكم بمشيئته سبحانه 00مع خالص دعواتي لكم
وللجميع بالخير والسعادة
00وبلَّغنا الله وإياكم ليلة القدر وجعلنا من عتقائه من
النار هذه الأيام
سكينة جوهر