قرار شجاع
نام طفلاه أخيراً...
ظل وحيدا في ذلك البيت الذي ما عاديطيق العيش فيه أبداً .خنقه ذلك الاحساس بغربة الأشياء من حوله .
بعد تفكير طويل _على دقات ساعة الحائط القديمة _توصل إلى قراره الشجاع أخيراً.
الطلاق ...فكرامته لن تسمح له بالعيش تحت سقف بيت واحد مع امرأة تخونه كل مساء .
"عشعزيزاً أو مت و أنت كريم " ...ظل يردد هذا البيت الشعري مراراً في قرارة خواطرهالممزقة الحزينة .
-ستنتظر قدومها في آخر الليل ...قد تتأخر قليلاً ,لكنك ستبقىيقظاً .
إياك أن تغفو فوق كرسيّك المتحرك أيها المشلول القميء.
ستدخل البيتبهدوء لترمقك بنظراتها الباردة كثلوج الشتاء ...سترمي عليها يمين الطلاق , إياك أنتتردد هذه المرة أيضاً .
-حسناً ..حسناً سأطلقها ....لكن البيت لها و قد ترمينيخارج المنزل ككيس قمامة كريه ,فأنا أعرفها جيداً.
-عليك اللعنة ..و لما لا تنامفي الشارع مع أمثالك من الكلاب الشاردة .
هل نسيت أيام الحرب ؟؟
لقد بقيتاياماً عديدة تائهاً بدون طعام أو شراب حين فررت من أسرك ...لقبوك بالضبع و رفعوكفوق الأكتاف كبطل شجاع .
-لم أنسى ...فأنا الضبع و سأبقى .
اللعنة عليها وعلى منزلها الحقير ...فلتطردني خارج المنزل حيث الجوع و البرد والأمطار...
ستكون ارصفة الشوارع الباردة أرحم من نظراتها الجارحة التي تذكرني كليوم بأني ظل رجل ميت لا يستطيع حتى أن يتبول بنفسه .
لكنني ... لا املك ثمنالدواء ...لقد وعدتني أن تحضر الدواء مهما كلفها(الثمن) , قد أموت من ألمي و أوجاعي .
-إنها تخونك أيها الأبله البليد .
تذكّر أختك صباح ...تلك الوردة الجميلةالتي حرمتها من اكمال دراستها , و أحرقت و احرقت آمالها حين عثرت بين أشيائها علىرسالة بريئة ممن كانت تحب .
هل تذكر بكاءها و صراخها في ذلك اليوم الأسود كوجهكالبغيض ...
لقد مزقت ثوبها الأزرق بضربات حزامك الجلدي , و صبغته بلون دمائهاالزكية كشقائق النعمان
و هل تذكر أمك المريضة ؟؟؟
تلك الأرملة الهزيلة حينركعت تحت قدميك فارشة أمامك منديلها البني , طالبة منك الرحمة و العفو عنها , لكنجدار الاسمنت في قلبك ابى الاستماع إلى توسلاتها اليائسة , و ركلتها بقدميك اللتينحلّت فيهما لعنتها عليك .
حرك كرسيه بعصبية بالغة و أدار ظهره للمرآة ... روحهالحزينة حطام زورق صارعه الاعصار , و عيناه جمرتان من غضب دفين استيقظ للتو منسباته الطويل , وقلبه مقاطع من أغنيات نائحة مجهولة الكلمات .
بحث عن علبةسكائره ...فكّر باحراق البيت حين عثر على قدّاحته و علبة السكائر الفارغة كآمالهبيوم سعيد .
-إنها تصعد الدرج الآن ...إنها تحدث عشيقها الجديد ..ياللذل !!!
إنه العار بعينه ...إياك أن تتردد هذه المرة ..طلقها و ستجد من يرعاك منالجمعيات الخيرية .. -سأطلقها ... سأطلقها ...صاح بأعلى صوته ضارباً تلك المرآةالكبيرة بقبضته القوية محطماً إياها إلى نتف صغيرة تناثرت هنا و هناك ... شعربالخوف حين نظر إلى وجهه الشاحب في ذلك الجزء المتبقي من المرآة .
دخلت زوجتهحاملة بيدها كيساً أسوداً , وو ضعته على الطاولة و تفاجئت بمنظر الدماء النازفة منيده .
أسرعت لتحضر بعض القطن المعقم و الكحول و بدأت بتطهير الجرح البليغ الذيأحدثته الضربة بيده .
كان يراقبها صامتاً بينما كانت خصلات شعرها الناعم تلامس وجهه الهزيل ...
كانت رائحتها الشهية تفجّر في أعماقه رغبة جارفة لهرسها بينذراعيه التائقين للحب , لكنه تذكر عجزه و سالت دموعه لتتوارى في لحيته الطويلة التيبدأ الشيب يتسلل إليها بكل هدوء .
-هل حطمت المرآة مرة أخرى ...لماذا تفعل كلهذا بنفسك ؟
حين انتهت من تطهير جرحه البليغ أشعلت له سيكارة و أغلقت باب غرفتهاحيث اعتادت أن تنام مع أولادها من سنين .
ظل صامتاً ... نظر حوله فوجد نفسهوحيداً مع شظايا المرآة المكسورة ككيانه المهزوم .
أدار عجلات كرسييه المتحرك وتوجه نحو غرفته الضغيرة ...
نظر إلى وجهه في ذلك الجزء المتبقي من المرآة فوجدضبعاً مضرجاً بالدماء .
فتح باب غرفته و أشعل سيكارة أخرى ...ابتلع دخانها بتلذذعميق ...جلس وحيدا على سريره البارد و قرر أن يطلقها في يوم آخر .
أبدل أبدل