النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: صلاة ُالعودة

  1. #1 صلاة ُالعودة 
    شاعر وأديب
    تاريخ التسجيل
    Sep 2008
    الدولة
    كندا
    المشاركات
    98
    معدل تقييم المستوى
    16
    كم تفكر بالهرب , الدروب لا تطاق , الأشجار العملاقة بدت باهته , تود لو تفسر كيانها الضيق ولكن ثمة عاطفة أستيقظت , تلك التي طننتها أنطفأت منذ زمن بعيد , وهي تقترب من غرفته الأسطورية , تتسلل رطوبة القبو إلى عظامها , وإلى خلايا جسدها الناحل.
    تئن
    تنقر الباب بلطف
    حدثها يوما بأن مشاعره أشد ألتصاقا بالتربة , مثل ضوء يلج المسافات في بدء الفجر , كي تلغي ما علق على أروقة الزمن المسافر.
    شدهما الحلم معا إلى ندوة عشق أبدية , ولكن ثمة دموعا تأبى أن تنحدر قبل أن تتحول إلى شوكة في الحلق.
    أنت ..
    قال لها: يا أحب الناس
    بعدها عاشت حرة كدفقة الكون , نابضة مشعة بألق الحياة , لامست الأرض بكل مسراتها وأحزانها , أرتاحت على أعشابها كما قطرات الندى , تعيد نقر الباب , بذعر كعصفور الحب , رأى نفسه في الحلم ذات ليلة , طيرا فقد جناحيه وهوى في فراغ لا أرض له , ومن ثم أضحى قمرا يحتضر مترنحا بين هياكل الأشجار الرثة .
    أنت..
    تتسمر نظراتها على أرض متأكلة . كان واضحا أنه يتعرض لنوبات شرود , وأحيانا تسكن قسمات وجهه عذابات أقسى من عذابات أرض عطشى , ويبقى كقوس مشدودة متأهبة للإطلاق.
    تضرب الباب بقبضتها..
    يطل وجها يائسا ..
    الأحباب ذهبوا بعيدا ..
    تصرخ .. دون صوت ..
    تبذل جهدا كي تهرب , فتعلق آلامها على ذيل نجمة هاربة في الفضاء الرحب..
    سنوات الأنتظار تشعبت في جسدي جذورا قاسية.
    ما أصعب الأنتظار الوليد , كانت ترنو إلى دجلة كالشمس الحزينة .. جفنها مِزودٌ للدمع، ورمح الوعد في قلبها يجرّها إلى معارج الظنون، ويرميها مُهرة مسرجة بالآهات تحمحم في معابرها لاهثة تستجدي الأمل من كل فزّاعة تراءت لها بين أشجار الغَرب... وجهها يختزن ملامح الفصول، وعيناها تذوبان في سعة المدى، تحدقان في هلع الغيوم كمن هزّه الشجن، فهرول ملقياً شباكه كي يصيد من سماء الأنتظار طائر الزمن.. ما زالت تحفظ عباراته وموعده:
    "تعالي قبيل الغروب حبيبتي، فالقلب مزّقه الحنين، وهدَّه السفر، وهاتي من حصاد السحب ما يسخو به المطر... هاتي حفنة من ياسمين أنثرها على عمري فأمسح بها منفاي.." وما زالت تردد في جوف كل أصيل:
    أنا مجنونة بك حبيبي... سأظل أدوّن في ذاكرتي ملامح وجهك السومري، ونبض قلبك النبوي... أنت في دمعي كتاب الفرح، وبين آهاتي دفء روحي.. صار وجهي وجهك القريب البعيد، وصار صوتي صوتك الفضي حين يهمس في أذن المآذن كل حروف العشق , لأبو نؤاس شارع يمتد في كأس‏ , وتمثال يدير الغيم من كفيه‏ ,
    أرجع يا أبا النشوة في سهراتنا‏ , جفت عروق الورد‏ , غادر التمثال واسكن في الحوانيت القديمه‏ , وأجمع الأحفاد حول الدّنِّ‏ , يلتذّون بالرّقص وقد باعوا أوانيهم‏ , ليبتاعوا نبيذاً‏ , غلبوا في غفلة الحرب فأيقظهم وباركهم ،‏ فإن الليل يغدو بين عينيك لذيذا‏ , يا أبا النشوة رحماك‏ , أفِضْ من بركات الكرم في هذا الرمادْ‏ , علّ أبناء الندى ينسون أنَّ الظهر مكسور،‏ قم وانتشر كالنور من شرفات بغداد‏ , فهل تلتفّ حول خصر الرافدان الذراع؟!
    هل تنحني أنفاسك لتلمَّ شذا روحي بعدما عبثت به الريح الحرون؟!
    أم تراني أهجر النهر والجسر والرصيف، وأقبع في دوامة التيه بلا نصيف؟!
    أيها التأريخ حدّث عن خفايا شرور الغادرين, أوّاه أيتها مدينة السلام , كم يحزنك غربة الاجئين أصبح المليون خمسا, فالخائنينَ الذينَ يقايضونَ الدماءَ بالكراسي , وتغني بالمآسي , والضمائرَ بدولاراتِ المتعة.. كل يوم بعض ألفٍ يقتلون في بلاد النخيل هل سألتم كيف هذا؟ إنكم حثالات ضالعين بالغدر, فاستبيحوا كل حقٍ يا رعاة العلوج , وصرخة السياب وهو يبكي بلاده : الريح تصرخ بي : عراق والموج يعول بي : عراق، عراق، ليس سوي عراق, البحر أوسع ما يكون وأنت أبعد
    ما يكون والبحر دونك يا عراق , ولكن العراق مظلم.حتي الظلام هناك أجمل.
    لو كانت حقائبي بحجم الأفق لاستجمعت كل ما أوتيت من نزق وحملت معي ترابك كله والنخيل كله ودجلة والفرات، غير أني لم أجد أوسع من قلبي لذا سأدسُّك فيه وأمضي، فاصبرْ عليّ كما صبرتُ عليك.. سأعود إليك.. سأغفر لك ذنوبك وأستر عليك عيوبك، ولن أبوح لأحد بأنك كنت تدفعني خلف الحدود قسراً بلا جرم أو ذنب، سوي أني أحبك كما تحبني بالكبرياء , سأعود إليك مهما طال الزمن، لأنك ما علّمتني أن أموت بلا وطن..
    رغـم َ كل ِّالضائقات سوف آتي، كـي نغنـّي للفــــرات, لحـن َدجـلة رمزُ الجمال , نشـيد الجـدود العظام, ونبوخذ نصَّرُ السامي نصيرا ً في منفاي.
    حبيبي تعال حدثني... أنزع عن صدري هذا الكابوس الجاثم... هذا الحزن القاتل.... هذا النصل المغروس بقلبي... لا تتركني وحدي كالطفل الضائع دون عينيك يا عراق ، فأنا أغرق في بحر من خوفي.. حبيبي تعال أنقذني من رؤى روحي وهدير نوحي، وأغلق شباك حزني، فشموس الجراح تلسعني، ولهيب الأنتظار يحرق أبجديات العويل، وصار الصوت في شفتي ينادي:
    الحب مثل هذا الصمت الخانق , تتولد جروح نازفة , بقت مفتوحة للرياح , لم تخنقني الرطوبة وقذارة الفضاء , والشارع ورائحة عرق الأجساد . إنما خنقتني تلك الرائحة العطرية المبخوخة فوق عرق الجسد , خنقني الأنتظار.
    أنتظرت ثلاثين عاما كأنها ثلاثون عقود. وتبلدت أمام مقلتي حلقات من الوجع الوجداني والنفسي وبقي جسدي يقاوم موجات مؤلمة , كدت أتشرد وأهيم على وجهي في صحراء المنافي , حاولت أن أدمل جراحي وأمزق ما تبقى من أوراق محفزظة في ذاكرتي لكنني أصبت بمرض التردد , وكنت كلما حاولت ذلك يفاجئني الحب المعتق , المطمور في زجاجة نبيذ أحمر , أقول لنفسي : أشرب أيها الهارب من الجمر , أسكر فوق عتبة الأنتظار .عانقت قضبان السجن , عرفت حياة الزنزانة , وكنت في سجن دون جدران , سجن مفتوح للهواء , لا تغلق أبوابه , جسد دون أطراف , قلب يحتضر , أنغرست في عضلته إبر , خرجت الوخزات مدماة , أنتظرت , وأنتظرت صابرا , مكابرا , حالما , أحمل ُ في كفي الوعد َالصبورَ, أحمل ُ فوق كفي حضارات ٍتسامت ْفي الأفاق, ودفء َ العراق ِ في شتائي وأغترابي , ودمعة أبت أت تظل مقيدة في محجرها , تدحرجت تحمل جرافة , تحفر طريقها فوق خدي المحاذي للقلب. ثلاثين عاما تقابلها ثلاثون عقود من الأنتظار يحرثها بمحراث الحنين ليوقظ فيها غراب العذاب، وينبتها وردة فوق نافذة المستحيل , غرست عينيها في سرير النهر الحزين... عورة الأفكار مكشوفة، والمواعيد ما زالت مثقلة بالأنين، وعيون السابلة ملآى بالتوجس، وأصوات نزيف , الهوى المكتوم في شفتيها ما زال ينتظر من يرسم فيهما عطشه ولا أحد غيره، والكمد المشبوب في ضلوعها
    حرائق مشتعله... عندما رفَّ النسيم، وهرول الليل كانت العيون يفحُّ من أحداقها الرعب... شعرت بالبرد والخوف، فلملمت جسدها وروحها وصاحت في بقايا الأصيل:
    يا شفق الوعد بددني أريجاً وخذني إليه ، وأجعل دمي قطباً لريح الغد ، فأنا أعرف أنه الكسوف حيث تختفي الشمس لتتركني طفلة تنام على جناح الوقت حتى يعود...
    قالوا لها: لن يعود..
    قالت: شموخ النخيل تقول سيعود..
    كانت كل يوم تناجي الأصيل، وتشتكي إلى الرافدين علَّه يعود بالجواب، فتنقضي مواسم القطاف دونما قطاف، وتهجر العنادل أعشاشها يرحل الصباح، وكلما تحدّرت على الجبين قطرة من العرق مسحتها والريح تحثو على الرؤوس بالتراب، وتملأ الطريق بالورق..وعندما اشتعلت وأنطفأت سنين طويلة حملت قلبها الذي أنتظر تسيح
    كالدرويش يفتش السماء عن ماء لتوري يابسة السنين، وكان الرافدين مجللاً بالطحالب. الأسمنت يرقد بوحشية على ثدييه، وعلى سريره نفايات وحطب، بغداد سيدة العويل‏ , لكنها الجسد الذي يأبى سوى التحديق‏ , في عشب الخلود, وهي المصابة بانكسار السهم ليل الحرب , وهي الروح إذ تلتمّ في زغرودة‏ , نفضت ضباب الحلم‏ , وائتلقت كأن لا موت في مدن‏ , ولا بلوى ولا نجوى‏ , سوى ما يضمر العشاق من عطر المساء‏ , بغداد والدة البقاء,امتزجت بترابه أنفاس أجدادي ,كان يقظر القرنفل والياسمين من سرّته,قد تهشمت في سمائه النجوم,وصار شعاعا من نور غارق في ظلمات الجحيم,منذ وطئت أقدام جراد الصحراء تراب وطني ,صار ملاذا لآله الإجرام ,بين أنقاضه... وتحت ركامه,أبحث عن قبر جدّي الذي بشّر الله بالجنّة,لأقيم عليه عشا يتّسع لأحلامي,أغمض فيه عينيّ , وأحلم إلى حضن أمي الذي فارقني, لتتناسخ روحي حمامة خضراء تمارس طقوس الخلق في صومعة الألحان, تحط على كل سنديانة تغوي العصافير, وتشرب من كل جداول الرافدان الذي صار لونه أحمر, تغفو على جذوع النخيل المحترقة , وعلى ضوء الرغيف كتب ملحمة كلكامش , تنداح أفكاره بين تنهدات الحقول وشبق الفراشات, تغويه شرارات الجمر المتدفقة من أنوثة زنابق الصباح, تثير شهوة الملائكة بهسيسها اللذيذ, كانت سيقان السنابل أشهى لديه من نهود محظيات الأنبياء, وكلما داهمه الحنين , كان ينفض الغبار عن القيثارة التي دوزنتها أنامل آشور, ينقع حزنه في حذائه المقدّس, ويركن إلى نافذة شقته التي أعتاد فيها ممارسة كتابة القصائد, وعلى ضفة النهر الحزين , الذي لم يعد يسقي أعشاب القبور المضيئة.
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: صلاة ُالعودة 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    السعودية
    العمر
    54
    المشاركات
    66
    معدل تقييم المستوى
    15
    دمت رائعاً اخي العزيز
    وعاش حراً عراقنا الحبيب
    أحمد كمال سالم
    إنسان حر وحر وحر
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: صلاة ُالعودة 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية محمد سرحان
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    الدولة
    بقعة حبر
    المشاركات
    156
    معدل تقييم المستوى
    18
    من الصعب وضع هذا النص الجميل خارج سياق الأدب الترسلي

    عموما النص ينتمي لطائفة " العراقيات الوجدانية " واحتفظ بحقوق هذا الاسم لنفسي .

    الذات هنا ممزقة مشرذمة ؛ لأنها في حالة مواكبة دائمة لواقع الوطن السليب ، وهذا طابع عام يسم ُ مجمل كتابات إخوتنا العراقيين .

    نجد الكآبة ماثلة عند تسكعنا فوق أرصفة سطورك المزدحمة بالمآسي ، تحملنا إلى أرض الواقع لتجلدنا بسياط الضمير المختبيء وراء الكلمات .

    أسجل لك صدق هذا الحزن الساكن في حروفك ، حزن غير تقليدي يمكن أن يحدث لأي إنسان ، بل حزن يؤكد أصالة الكاتب الذي لا يمكن أن يكون سعيدا ووطنه يضج بالانين من الماء للماء .

    وسأذهب - مطمئن البال - الى تقرير حقيقة واحدة : أن حزنك - بوصفك ذات مبعدة - أصيل ، وتفاؤل من هم فيه خادع ! .
    " يا شهرزاد ُ
    نفد الكلام ... وما ابتدأنا بالكلام "

    للقلم والبندقية فوهة ٌ واحدةٌ
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد: صلاة ُالعودة 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية عماد اليونس
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    العراق/الفلوجه
    المشاركات
    458
    معدل تقييم المستوى
    17
    رغـم َ كل ِّالضائقات سوف آتي، كـي نغنـّي للفــــرات, لحـن َدجـلة رمزُ الجمال , نشـيد الجـدود العظام, ونبوخذ نصَّرُ السامي نصيرا ً في منفاي.

    تعال ايها العراقي الاصيل... فحن بحاجة لك كي تزدان الباقة بك .
    تعال ايها الفارس النائي .... فالمعركة قريبة وساعة الحسم قد ازفت
    مرحبا بكم فى بلدكم العراق العظيم بلد الرافدين
    دمتم بعز وكبرياء

    عماد اليونس

    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. ما حكم صلاة التسابيح؟
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى إسلام
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 17/09/2009, 01:48 PM
  2. صلاة القلم
    بواسطة أحمد العسكري في المنتدى الشعر
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 11/08/2009, 10:38 PM
  3. صلاة الرجاء
    بواسطة صباح الزبيدي في المنتدى الشعر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04/05/2008, 03:07 PM
  4. فضل صلاة الجمعة
    بواسطة محمود كامل في المنتدى إسلام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 26/10/2007, 11:07 PM
  5. كنت في حلمي - أبو شهاب
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى الشعر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 23/03/2007, 11:50 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •