رَائِعَةُ
أبِي الْبَقَاءِ الرَّنْدِي


لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصَانُ*
فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسَانُ
هِيَ الأُمُورُ كَمَا شَاهَدتُها دُوَلٌ*

مَن سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءَتهُ أَزْمَانُ
وَهَذِهِ الدَّارُ لاَ تُبْقِي عَلَى أَحَدٍ*

وَلاَ يَدُومُ عَلَى حَالٍ لَهَا شَانُ
يُمَزِّقُ الدَّهْرُ حَتْماً كُلَّ سَابِغَةٍ*

إِذا نَبَتْ مَشْرَفِيَّاتٌ وَخُرْصَانُ
وَيَنتَضِي كُلَّ سَيْفٍ لِلفَنَاءِ وَلَوْ*

كانَ ابنَ ذي يَزَن وَالْغِمدُ غِمْدَانُ
أَينَ المُلوكُ ذَوي التيجانِ مِن يَمَنٍ*

وَأَيْنَ مِنْهُم أَكَالِيلٌ وَتيجَانُ
وَأَينَ مَا شَادَهُ شَدّادُ فِي إِرَمٍ*

وَأيْنَ مَا سَاسَهُ فِي الْفُرْسِ سَاسَانُ
وَأَيْنَ مَا حَازَهُ قارُونُ مِنْ ذَهَبٍ*

وَأَيْنَ عَادٌ وَشدّادٌ وَقَحْطَانُ
أَتَى عَلَى الْكُلِّ أَمرٌ لاَ مَرَدّ لَهُ*

حَتّى قَضَوْا فَكَأنَّ القَوْمَ مَا كَانُوا
وَصَارَ مَا كَانَ مِنْ مُلكٍ وَمِنْ مَلِكٍ*

كَمَا حَكَى عَنْ خَيَالِ الطَّيْفِ وَسْنَانُ
دَارَ الزَمَانُ عَلَى دَارَا وَقَاتِلِهِ*

وَأَمَّ كِسْرَى فَمَا آوَاهُ إِيوَانُ
كَأَنَّمَا الصَّعْبُ لَمْ يَسْهُلْ لَهُ سَبَبٌ*

يَوْماً وَلاَ مَلَكَ الدُنْيَا سُلَيْمَانُ
فَجَائِعُ الدَّهْرِ أَنْوَاعٌ مُنَوَّعَةٌ*

وَلِلزَّمَانِ مَسَرَّاتٌ وَأَحْزَانُ
وَلِلْحَوَادِثِ سُلْوَانٌ يُهوّنُها*

وَمَا لِمَا حَلَّ بِالإِسْلاَمِ سُلْوَانُ
دَهَى الجَزِيرَة أَمْرٌ لاَ عَزَاءَ لَهُ*

هَوَى لَهُ أُحُدٌ وَانْهَدَّ ثَهْلاَنُ
أَصَابَهَا الْعَيْنُ فِي الإِسْلاَمِ فَارْتَزَأَتْ*

حَتّى خَلَتْ مِنْهُ أَقْطَارٌ وَبُلْدَانُ
فَاسْأَلْ بَلَنسِيَّةً ما شَأنُ مُرْسِيَةٍ*

وَأَيْنَ شاطِبة أَم أَينَ جيّانُ
وَأَينَ قُرطُبَةَ دُارُ الْعُلُومِ فَكَمْ*

مِنْ عَالِمٍ قَدْ سَمَا فِيهَا لَهُ شَانُ
وَأَيْنَ حِمْصَ وَمَا تَحْويِهِ مِنْ نُزَهٍ*

وَنَهرُهَا الْعَذبُ فَيَّاضٌ وَمَلْآنُ
قَوَاعِدَ كُنَّ أَرْكَانَ الْبِلادِ فَمَا*

عَسى البَقاءُ إِذا لَمْ تَبقَ أَرْكَانُ
تَبْكِي الْحَنيفِيَّةُ البَيْضَاءُ مِنْ أَسَفٍ*

كَمَا بَكَى لِفِراقِ الإِلْفِ هَيْمَانُ
عَلَى دِيَّارٍ مِنَ الإِسْلاَمِ خَالِيَّةٍ*

قَد أَقفَرَت وَلَهَا بِالكُفرِ عُمْرانُ
حَيْثُ الْمَسَاجِدُ قَدْ صَارَتْ كَنَائِسَ*

مَا فِيهِنَّ إِلَّا نَوَاقِيسٌ وَصُلْبَانُ
حَتَّى المَحَاريبُ تَبْكِي وَهِيَ جَامِدَةٌ*

حَتَّى المَنابِرُ تَبْكِي وَهِيَ عيدَانُ
يَا غافِلاً وَلَهُ فِي الدَّهْرِ مَوْعِظَةٌ*

إِنْ كُنْتَ فْي سِنَةٍ فَالدَّهْرُ يَقْظَانُ
وَمَاشِيّاً مَرِحاً يُلْهِيهِ مَوْطِنُهُ*

أَبَعْدَ حِمْصٍ تَغُرُّ الْمَرْءَ أَوْطَانُ
تِلْكَ الْمُصِيبَةُ أَنْسَتْ مَا تَقَدَّمَهَا*

وَمَا لَهَا مَعَ طُولِ الدَّهْرِ نِسْيَانُ
يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ الْبَيضَاءُ رَايَتُهُ*

أَدْرِكْ بِسَيْفِكَ أَهْلَ الكُفْرِ لاَ كَانُوا
يَا رَاكِبِينَ عِتَاقَ الْخَيْلِ ضَامِرَةً*

كَأَنَّهَا فِي مَجَالِ السَّبْقِ عُقْبَانُ
وَحَامِلِينَ سُيُوفَ الْهِنْدِ مُرْهَفَةً*

كَأَنَّهَا فِي ظَلاَمِ النَّقْعِ نِيرَانُ
وَرَاتِعِينَ وَرَاءَ الْبَحْرِ فِي دِعَةٍ*

لَهُم بِأَوْطَانِهِم عِزٌّ وَسُلْطَانُ
أَعِنْدَكُمْ نَبَأٌ مِنْ أَهْلِ أَنْدَلُسٍ*

فَقَدْ سَرَى بِحَدِيثِ الْقَوْمِ رُكْبَانُ
كَمْ يَسْتَغِيثُ بِنَا الْمُسْتَضعَفُونَ وَهُمْ*

قَتلى وَأَسْرَى فَمَا يَهْتَزَّ إِنْسَانُ
مَا ذَا التَقَاطُعُ فِي الإِسْلاَمِ بَيْنَكُمُ*

وَأَنْتُمْ يَا عِبَادَ اللَهِ إِخْوَانُ
أَلاَ نُفُوسٌ أَبِيَّاتٌ لَهَا هِمَمٌ*

أَمَا عَلَى الْخَيرِ أَنْصَارٌ وَأَعْوَانُ
يَا مَنْ لِذِلَّةِ قَوْمٍ بَعدَ عِزّتِهِمْ*

أَحَالَ حَالَهُمْ كُفْرٌ وَطُغْيَانُ
بِالأَمسِ كَانُوا مُلُوكاً فِي مَنازِلِهِمْ*

وَالْيَوْمَ هُمْ فِي بِلاَدِ الْكُفْرِ عُبْدَانُ
فَلَوْ تَرَاهُمْ حَيَارَى لاَ دَلِيلَ لَهُمْ*

عَلَيْهِم من ثيَّابِ الذُلِّ أَلوانُ
وَلَوْ رَأَيْتَ بُكَاهُمْ عِندَ بَيْعِهِمُ*

لَهالَكَ الأَمْرُ وَاسْتَهْوَتكَ أَحزانُ
يا رُبَّ أمٍّ وَطِفلٍ حيلَ بينهُما*

كَما تُفَرَّقُ أَرواحٌ وَأَبدانُ
وَطفلَة مِثلَ حُسنِ الشَمسِ إِذ برزت*

كَأَنَّمَا هِيَ ياقُوتٌ وَمُرْجَانُ
يَقُودُهَا الْعِلْجُ لِلْمَكْرُوهِ مُكْرَهَةً*

وَالْعَيْنُ بَاكِيَةٌ وَالْقَلْبُ حَيْرَانُ
لِمثلِ هَذَا يَبْكِي الْقَلبُ مِنْ كَمَدٍ*

إِنْ كَانَ فِي الْقَلْبِ إِسْلاَمٌ وَإِيمَانُ
*

للتنزيل قبل الاستماع لإنشاد القصيدة على الرابط التالي:
القصيدة

حياكم الله

د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com