{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }
افتتح بها الصحابةُ كتاب الله ، واتّفق العلماء على أنها بعض آية من سورَة النمل ، ثمّ اختلفوا : هل هي آية مستقلة في أوّل كل سورة ، أو من أول كل سورة كتبت في أوّلها ، أو أنها بعض آية من أوّل كل سورة ، أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها ، أو أنها كتبت للفصل بين السور ؟ على أقوال للعلماء سلفًا وخلفًا.
وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } أخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه أيضًا .
وممن قال عنها أنها آية من كل سورة إلا براءة : ابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وأبو هريرة ، وعليّ . ومن التابعين : عطاء ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، ومكحول ، والزهري ، وبه يقول عبد الله بن المبارك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، في رواية عنه ، وإسحاق بن رَاهوَيه ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، رحمهم الله .
عن ابن عباس ؛ أن عثمان بن عفان سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . فقال : "هو اسم من أسماء الله ، وما بينه وبين اسم الله الأكبر ، إلا كما بين سواد العينين وبياضهما من القرب ". ( تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 34 ) والمستدرك ( 2 / 260 ) .
ما رُوى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنزلت عليّ آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن داود وغيري ، وهي بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" . ورواه الطبراني في المعجم الكبير ( 4 / 23 ) .
وقد روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : عن عاصم ، قال : سمعت أبا تميمة يحدث ، عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال : عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : تَعِس الشيطان . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تقل تعس الشيطان . فإنك إذا قلت : تعس الشيطان تعاظم ، وقال : بقوتي صرعته ، وإذا قلت : باسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب " .
هكذا وقع في رواية الإمام أحمد وقد روى النسائي في اليوم والليلة ، وابن مَرْدُويه في تفسيره ، من حديث خالد الحذاء ، عن أبي تميمة هو الهجيمي ، عن أبي المليح بن أسامة بن عمير ، عن أبيه ، قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وقال : " لا تقل هكذا ، فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت ، ولكن قل : بسم الله ، فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة " .
قال ابن كثير – رحمه الله تعالى - : ( فهذا من تأثير بركة بسم الله ؛ ولهذا تستحب في أوّل كل عمل وقول ، فتستحب في أوّل الخطبة لما جاء : " كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم ، فهو أجذم " ، وتستحب البسملة عند دخول الخلاء ولما ورد من الحديث في ذلك ، وتستحب في أوّل الوضوء لما جاء في مسند الإمام أحمد والسنن ، من رواية أبي هريرة ، وسعيد بن زيد ، وأبي سعيد مرفوعًا : " لا وضوء لمن لميذكر اسم الله عليه " ، وهو حديث حسن . . ) ا . هـ .
ومن العلماء من أوجبها عند الذكر ، ومنهم من قال بوجوبها مطلقًا، وكذا تستحب عند الذبيحة في مذهب الشافعي وجماعة ، وأوجبها آخرون عند الذكر ، ومطلقا في قول بعضهم .. وتستحب عند الأكل لما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لربيبه عمر بن أبي سلمة : " قل : باسم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك " ، ومن العلماء من أوجبها والحالة هذه ، وكذلك تستحب عند الجماع لما في الصحيحين ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال : باسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدًا " (صحيح البخاري برقم ( 8 ) وصحيح مسلم برقم (16) ... ) .



( يتبع )