عيد الفطر السعيد كان له صدى مع
أمير الشعراء
محمود سامي البارودي
وهو بعيدا عن وطنه وأهله وخلّانه
وهنا مع هذه الأبيات الرائعة نرى رائد الشعر العربي يصوّر لنا جانبا من شعوره الوطني والقومي ، وإحساسه بالغربة وهو بعيدا عن أهله وخلّانه يوم العيد بعدما طوّحته يد النوى وزاده الشوق والحنين لوطنه لوعة وحرقة وألما ؛ وهو في حومة المعركة أثناء الحملة العسكرية التي خرجت من مصر زمن الخديوي إسماعيل باشا لمساندة الجيش العثماني ، وإخماد الفتنة والعصيان في جزيرة أقريطش ببحر الروم التي كانت خاضعة حينها للدولة العثمانية عام ( 1282هـ / 1865 م ) .
فيسأل هل من رسول يخبره عن مصر ليطفئ نار شوقه وحنينه للوطن ؟......
أراكَ الحمى شوقي إليك شديدُ==وصبري ونومي في هواكَ شريدُ(1)
مضــى زمن لم يأتني عنك قادمٌ==ببشرى ولم يعطف عليّ بريدُ
وجيدٌ من الخلّان في أرض غربة == ألا كلّ من يبغي الوفاء وحيدُ
فهل لغريب طوّحته يد النوى==رجوعٌ وهل للحـائمات وُرُودُ؟(2)
وهل زمنٌ ولّى وعيشٌ تقيّضت == غضارته بعد الذهاب يعودُ ؟(3)
أعلّل نفســي بالقديم وإنّما ==يلذّ اقتبالُ الشيء وهو جديدُ(4)
وما ذكرى الأيّام إلّا لأنّها == ذمامٌ لعرفان الصــبا وعهودُ(5)
فليس بمفقود فتىً ضــمّه الثرى== ولكن من غال البعاد فقيدُ
ألا أيّها اليوم الذي لم أكن له== ذكُوراً سوى أنْ قيل لي هو عيدُ
أتسـألنا لبس الجديد سـفاهةً == وأثوابنا ما قد علمت حديدُ
فحظّ أُناسٍ منه كأسُ وقينةٌ == وحظّ رجالٍ ذُكْرةٌ ونشــيدُ(6)
ليهنَ به من بات جذلان ناعماً == أخا نشواتٍ ما عليه حقودُ
ترى أهله مستبشرين بقربه == فهم حوله لا يبرحون شـهودُ
إذا سار عنهم سار وهو مكرمٌ==وإن عاد فيهم عاد وهو سعيدُ
يخاطب كُلاًّ بالذي هو أهله == فمبدي شُــكرٍ تارةً ومعيدُ
(1) الأراك : الحمض ، وهو كل نبات فيه ملوحة ومرارة ، أو الأراك شجر من الحمض يستاك بقضبانه ، الواحدة أراكة . والحمى : المكان المحميّ ، أي المحظور الذي لا يقرب ولا يجترأ عليه . ويريد بأراك الحمى : موطنه مصر
(2) الحائمات : جمع حائمة ، اسم فاعل من حام الطير على الماء حوما وحوماناً ، أي دار به ودوّم ، وكلّ عطشان حائم
(3) تقيّضت : ذهبت وزالت
(4) الاقتبال : الاستقبال والاستئناف
(5) الذمام : الحرمة ، وما يذم الرجل على إضاعته ، كالعهد ونحوه
(6) الذكرة ( بضم السكون ) ، يريد بها ( هنا ) : تذكّر من فارقهم من أحبابه . والنشيد: الشعر المنشود ، أي المقروء ، أو المتغنّى به .