سكب في الكأس من ريقه حتى امتلأ بطنه، وظل يسكب دون انقطاع ليفيض شدقه بسيول جارفة تدب مسرعة ومهرولة دون اتجاه بين ضلوعه الخشنة. كان فيضانا مُهْوِلاً كشفَ عن نفايات فاحت روائحها تصدّع الأجواء والأهواء، فصار الريق مرّا والزجاج هشا، تَحَطّم وعَمّتِ الفوضى باللغو والهذيان،... استفاق هنيهة يبحث عن السبب فوجدهم مجتمعين حفاة عراة وكل واحد منهم يمتطي زجاجة نصفها مكسّر. ولما كثر الهتاف، صاح في النادل: اجمع جميع الزجاجات وأفرغها في الكأس... المزيد. المزيد من الريق والعرق ،... ونبهني متى أستيقظ ؟

ولما انتفخ بطنه وبزغت علامات الصدأ على محياه، قفز قفزةَ سباح وارتمى في الكأس بعدما أقفل الحانة واحتضر ببطء ... أما هم فظلوا مجتمعين يتهافتون على الباقي من بقية فتات الزجاج المكسر ليصنعوا منه تمثالا لخيبتهم.

لن تنتهيَ الحكاية، ستبدأ من جديد كل صباح، ستذاع على الأمواج بالمباشر وستكتب بالخط العريض على أولى صفحات الجرائد، حتى يصبح في كل مخ زجاجة وفي كل قلب كأسا فارغة... وسيمشون على الأرض وكأنهم أجذاع نخل خاوية، ينظرون بتأمل فاهر إلى كبيرهم الذي سيسكب من الريق والعرق ما لن يثير دهشتهم المشوبة.