وداعــا أبــي
على لسان عمي أطال الله عمره الذي ولد يتيما وعاش يتيما وسيموت يتيما .
منذ خلقتُ وأنا أسير بدربٍ تزاحمت عليه محطات الأحزان والآلام .
تجرعت منها صغيرا واكتسيت بثيابها كبيرا .
خرجت إلى الدنيا ومن حولي مشغولين بأمي التي تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد ولادة متعسرة .
خرجت ولم أحظى بقبلتها الحانية ولا بصدرها الدافئ .
تركتني ولم تودعني حتى بنظرة عابرة .
تركتني ولم أعرف منها حتى جرعة الحليب .
تركتني أبكي و أبكي .
و تركني الجميع لأبدأ طريقي في الحياة وحيدا .
طريقٌ سلكته صغيرا ... وأكملته كبيرا .
طريق غاب عنه الرحيم والقريب .
كم هو مؤلم أن تقابلك الحياة بهذا الوجه العابس .
بهذا الوجه المكفهر الذي لا يبشر بخير ولا سعادة .
.
.
.
سنوات قليلة عشتها متأقلما مع وضعي الصعب .
لتكشر الدنيا بوجه أشد عباسة واكفهرارا .
- (( مات أبوك قم توضأ للصلاة عليه ولا تتأخر )) .
طفل في السادسة من عمره يتم إخباره بوفاة ما تبقى له من الدنيا بهذه الطريقة القاسية .
ما أقسى قلوبكم فهي كالحجارة بل أشد قسوة .
ذهبت لبركة الماء لأتوضأ رغم أني لا أعرف كيفية الوضوء .. فكيف ليتيم في السادسة من عمره أن يعرف الوضوء .
من هول الصدمة أمشي خلف الجنازة كالمجنون التفت يمنة ويسرة فلا أدري إلى أين يأخذون أبي وهو محمول على الأخشاب .
دوت صرختي التي كتمتها في صدري ساعات طويلة عندما هلوا على والدي التراب .
آآآه كم هو مؤلم جدا أن ترى كل ما تملك من الدنيا يدفن في حفرة عميقة .
وكم هو مؤلم أن تعلم معنى الوفاة بهذه الطريقة البشعة .
في السادسة من عمرك ويذهبوا بك لتشهد معهم هذه اللحظة العظيمة .
لحظة لم يكن ليتصورها عقل هذا الطفل اليتيم الصغير .
طمروه بالتراب .. وحملوني على أكتافهم وقد بُح صوتي من البكاء والصراخ فلا يسمع إلا فحيح كفحيح الأفاعي
.
وداعا أبي
وداعا يا من تحمّل مشقة رعايتي صغيرا.
وداعا يا مؤنسي وسلوتي يوم تركتني أمي .
وداعا أقولها الآن بعدما تعذر علي قولها وهم يدفنوك .
وداعا أقولها الأن عوضا عن قبلة كنت أتمنى أن أطبعها على جبينك الطاهر .
وداعا أبي وداعا. .................................................. ............... عابر سبيل
إلى الأخ العزيز خليد خريبش
نتطلع إلى كفالتك وإبداعك .