دواء الأرق
... و أسلم رأسه للوسادة ، مليء بالهواجس و الوساوس بعد خنق الضوء عن مرأى العين ، من غير غبش يتراءى من خلال ظلام الغرفة ، ضوء الشارع يتسلل من النافذة ليكدر عليه نومه ، حدقتان تتجولان في محجريهما و تسبحان في ظلام الغرفة ، سكون قاتل بالداخل و الخارج ... في جمجمته عالم قائم بذاته ، بها ضجيج من تعارك الهواجس ... لازال يحارب ، و يحارب ، إلى أن ....
استيقظ على صوت ارتطام بالجدار الخارجي المقابل لرأسه ، أصوات عراك و لكم و وعيد ،... استغاثات ، و ابتعد الصوت ... مازالت تتناهى إلى سمعه أصوات و قد تمزقت حبالها الصوتية ، أرخى لرادارات أذنيه حبالها على الغارب ، أصخى السمع ليلتقط أي صوت ، و لم يلتقط غير دقات الساعة الحائطية ، دقات رتيبة لا تريد ان تغادر سمعه .. تك .. تك .. تك .. تك ، .. تتضخم ، تتضخم ، حتى يسد طنينها أذنيه ، كمطرقة تدق على جمجمة رأسه ، فتطن ليتردد صداها حول ثنايا الغرفة ، تتباعد الدقات شيئا فشيئا ، حتى غابت وراء أفق عالم النسيان ، فأسلم زمام نفسه لسبات عميق .
فتح عينيه على صوت المنادي : (( ... الصلاة خير من النوم )) ، الآن فقط شعر بدفء و لذة للنوم !!! و الفراش يشده إليه كأن دقت حوله مسامير !!! يقول له (( الدفء ، الدفء إياك أن تفقده )) و داع داخلي يهمس بخشوع ((وَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ... )) بسرعة و بدون تفكير أزال الغطاء عنه ، و هب إلى الماء البارد ليزيل عنه دنس الكسل ... استقبل القبلة و ذقنه يقطر بلآلئ الوضوء ، رفع يديه للإقامة ، (( الله أكبر )) ، شمله سكون ، و توقف الزمن في ذاكرته ، غابت الأشياء عن ناظريه ، ... هنا فقط تنظف القلوب ، و يوهب دواء الأرق بالمجان ...