سبـــــــــــــــــــــــــــب
كانت(سبب) إمرأة اربعينية..احاطت بها ظروف شظف العيش وقسوة الحياة وقبح الفقر الذى لايُبقى..لانه قاتل لاقوى الرجال فمابالك لامرأة مثل سبب التى تزوجت عدة مرات وانجبت من كل زوج حتى اصبح لديها كومة من اللحم..للكومةاباء..ولكن....كل منهم التقى سبب فى زحام الحياة فتزوج منها..وكلما تزوجت سبب وارادت الاستقرار مثل اى سيدة عفيفة..هرب منها الرجل وتركها لفقرها واطفالها الذين يزدادون كلما تزوجت..وفى كل مرة تقع فى ذات الشرك..شرك الرجل الذى يريد ان يهرب من احزان ومكابدات زوجته الاولى الى حضنها الدافىء وجمالها السحرى..وحالما يحن الى عشه القديم يطلقها ..عادة ما تكون الزوجة الاولى اقوى نفوذا من سبب..لكل زوجة رجال ومساندين واخوة وابناء عمومة واخوال..ما عدا سبب التى ليس لها احد فى الاركان!!كل رجل يترك فى حجرها طفل يتبرأ منه وينساه..
وهكذا نجد لدى سبب اطفال ينتسبون الى عدة اسماء وبطون وافخاذ من الغرب والشرق والجنوب وايضا من المصريين والسوريين والفلسطينيين..لذلك اعتبر الناس ان تشكيلة سبب غامضة وغير مفهومة وربما غير مقبوله ..لكنها كانت تبحث عن الدفء والامان ليس الا، فلم تجده..
كانت علاقات سبب جميعها شرعيه وفق قوانين المجتمع وتقاليده..ولم اكن اشك فى هذا الامر..لقد عرفت سبب جيدا..انها امراة طاغية الجمال لكن لااحد يدعى انه قد وصل اليه بعلاقة آثمة واستطيع ان اضمن هذا..لكنها اساءت الى نفسها بزيجاتها المتعددة..
سبب خرجت بحصيلة من احد ازواجها..بيت عربى قديم تنازل لها عنه فى لحظة صحو ضميرية لكنه ايضا تركها وعاد الى زوجته الاولى..اعتبرت سبب هذا الرجل يختلف عن كل الرجال الذين تزوجوها قبله..واعتبرت طفلته منها درة الزمان وميزتها عن بقية اخوتها واخواتها..وكانت تشعر سبب ان من حق الطفلة هذا التميز ذلك لان والدها يسأل عنها ويزورها من آن لآخر واحيانا ياخذها معه الى اسرته ويعرفها على اخوتها واخواتها من الزوجة الاولى ويدفع النفقة لسبب كل شهر..وكان خجولا ومحترما.. فلا يدخل منزل سبب ابدا ..انما يقف امام الباب ويدق بهدوء وادب جم يمد لها بيده النفقة او ياخذ الطفلة ويذهب..وكل حديثه مع سبب عبارة عن كلمات مقتضبة مثل( هل تحتاجين شيئا..هل ينقص اطفالك اى شىء.. هل هناك ما يحتاجه منزلك من صيانه او اثاث..الخ)..المنزل الذى وهبها اياه هذا الرجل رفعها درجة فوق خط الفقر..غرفتين وحمام ومطبخ وفناء وباب رئيسى محكم..جمعت فيه اطفالها واقفلت عليهم ذاك الباب وشعرت بالدفء الى حدما وبدون رجل!! والمكان كان بالقرب من شاطىء البحر ما بين توريللى وسيدى اخريبيش وتعاريج معقدة من الشوارع الصغيرة فى المدينة القديمة...
كانت سبب تحتاج الى مزيد من المال لتطعم كوم اللحم لديها..ولذلك كانت تقيم السهرات البريئة فى منزلها والمقابل كيلو سكر وربع كيلو شاى وقليل من اللبن المخيض وشىء من الجبن او ما شابهه..وورق اللعب البرىء..هكذا تعودالجميع على التعامل مع سبب..اقامت حاجزا من الاحترام بينهم وبينها..وكانت تجربتها فريدة..امراة يسهر الرجال فى منزلها ويتسامرون ويلعبون الورق لكن لااحد منهم يجرؤ على مجرد التفكير فى جسدها!! او حتى مجرد ان يتخيل انها ستنصاع لعلاقة آثمة..اولادها كانوا شياطين الانس..وكانت تسمح للزبائن بضربهم وهى متألمة وذلك حتى يبتعدوا عنهم اثناء لعب الورق...حالة غريبة ومزيج عجيب السيدة سبب هذه..
آثرت اهون الشرور والاضرار..حولت بيتها القديم الى شبه مقهى صغير!! دار للتسامر مقابل دفع ثمن الارضية..ثم تقوم باعداد مايحضره الرجال من شاى وخبز..الخ..لكن الخمر ممنوع ودخول السكارى غير مسموح به..ولسبب تحديقة مرعبة بعينيها الخضرواين الكبيرتين الداكنتين ..اشبه بالبحر الهادئة امواجه ولها جسم مكتنز لم اقابله فى امراة فى حياتى...
ومن الشروط الواجب توفرها ان يكون الذين يترددون على دارها فوق مستوى الشبهات!!هكذا فعل الفقر اللعين بالسيدة سبب التى لانعرف من اين جاءت واى ارض ارسلتها..لكن لايخلو الامر من الشائعات حولها!! احد سكان الحى حاول ان يشكك بها قال :
- من يدخل راسه هذا الوضع ويوصمه بالبراءة والطهر فهو غبى لامحالة لابد ان لها عشيق خاص يكتم اسرارها من اهل الحى..امرأة علو وملو وخدود حمراء وعين خضراء وبدون رجل وتقيم مقهى فى منزلها يرتاده الرجال ويلعبون فيه الورق حتى الصباح..الناس سذج ..صحيح سذج وبلا عقول حتى يصدقون انها طاهرة ومسكينه...
تسبب هذا القول فى ان تحوم الشكوك حول سبب ، حتى نساء الحى اصبحن يتوجسن منها ويفتشن جيوب ازواجهن كلما عادوا من سهرات سبب..واعترف ان الاقاويل تمكنت منى قلت فى نفسى : كم انا غبى وساذج..ان وضع هذه المرأة شاذ وغير مستساغ..ركبت براسى الظنون..حملت قفتى الى السوق وملأتها باصناف عدة الفواكه واللحوم والارز والطماطم والشاى والسكر والحلويات ومن كعك جدتى النذر اليسير ومن البسكويت..وذهبت الى سبب..
ظنت فى البداية انى زبون اكرم من غيرى ليس الا..شاب صغير ولديه القدرة على الانفاق!! وجلست لطهو الشاى ..وكان الوقت مبكرا ولم يحضر احد بعد..ولم اضيع الوقت..كشفت عن نواياى..وقفت مزمجرة..لملمت ما احضرته لها فى القفة ووضعتها فى يدى وطلبت منى الخروج فورا..ولم تجدى كل اعتذاراتى لها بانى اردت التجربة بسبب وضعها الشاذ!! لكنها لم تستمع الى وطلبت منى عدم الحضور مرة اخرى...
كنت مراهقا..ولكن ادراكى كان اكبر من سنى بكثير..بسبب قراءاتى لكتب ابى التى تملأ مكتبة المنزل..فقد قرات فيها الروايات العديدة والقصص..كنت اريد ان اتمثل باحد الادوار الشريرة لبطل من ابطال الروايات تلك يمتلىء راسه بالشك فى الناس ويعيش حياته بالاساءة اليهم....وحاولت ان اصلح ما افسدته مع سبب التى كانت معجبه بذكائى وفهمى المبكر للامور..وكنت دائما اسألها قبل تلك الحادثه لماذا تلجأ الى هذا الاسلوب لكسب عيشها فتقول:
- الف صداق دون زلة واحدة افضل لى ولاطفالى!!!
وكنت لااصدق نتيجة قراءاتى المشوشة..وبعد تلك الحادثه منيت سبب برجل جعلها هدف له..فاشاع بين الناس قصص مزعومة عنها وكنت ادافع بقوة..ولكن الناس ازدادوا قناعة بما يقوله الرجل، لان امراة يدافع عنها مراهق مثلى ..لابد وانى اخشى ان افقد حضنها الدافىء اذا طُُُُُردت من الشارع..وارسل الرجل زوجته الى كل الزوجات لتقول لهن انهن مخدوعات لان ازواجهن يقضون ليالى حمراء فى بيت سبب..اى ( قوادة)..
قام يوم طويل لاانساه من ذاكرتى..تدافعت النساء فى مظاهرة دموية على منزل سبب..لم تجد من يحميها الا انا وابى وبعض الرجال الذين يثقون فيها ولكننا كنا اقل من المطلوب فى مواجهة هذه العاصفة من الغيرة النسائية.. نجحنا فى حملها هى واطفالها الى منزلنا والدماء تنزف منها ومن اطفالها بسبب رجمهم بالحجارة والطوب وبقايا الاحذية والعصى والاوانى..كان يوما حالكا..اروع مافيه ان سبب فهمت من انا؟؟ ربما كنت فى حاجة الى هذه المذبحة كى تفهمنى!!
بعد ايام باعت سبب المنزل وانتقلت الى مكان اخر لم نعرفه..بعض الناس يقولون انها تركت بنغازى..بعضهم يقول انها انتقلت الى الضواحى..البعض الآخر زعم انها سكنت مع عشيق قديم عاد اليها واخذها!!..وكانت آخر مرة رايت فيها سبب وهى تنقل حاجياتها فوق
( الكارو) الذى يجره حصان هزيل عظامه ناتئة..مازلت اذكره حتى الان واذكر اخر كلمات قالتها لى سبب :
- يا ولدى اسأل الله الا يوريك يوما تكون فيه فقيرا!!..
اما منزل سبب فقد اشتراه نفس الرجل الذى اشاع حولها الاشاعات وسلط عليها نساء الشارع..فهو الوحيد الذى كان قادرا على شراءه..وحول البيت الدافىء الى مقهى من نوع آخر..لقد اصبح القمار فيه فى وضح النهار..وكثيرا ما ترحمت نساء الحي على سبب وايامها..
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عائده محمد نادر
