كيف تنعم بنومِ هاديء ..؟؟

كثير منا يعاني من الأرق واضطرابات النوم مما يفقده الإحساس بطعم الراحة ويعكر مزاجه وقدرته على العمل في اليوم التالي والأصعب من ذلك أن هناك أناساً ينامون تسع أو عشر ساعات ، ومع ذلك يستيقظون متعبين كما ناموا متعبين والسبب أن التوتر استمر يفعل فعله خلال اليوم ..

ولكي نعرف لماذا يحدث لنا الأرق وقت النوم ولماذا نشعر بالتعب بعد الاستيقاظ علينا أولاً أن نفهم حقيقة النوم ومراحله ..

حقيقة النوم :
إن الإحساس بالسلام والطمأنينة هما أول مقتضيات النوم المريح وفي هذا يقول د. توماس هايسلوب : ( إن من أهم عناصر النوم التي عرفتها في حياتي التجريبية التعبد للرب والصلاة له ) ..
ويتحدث العلم الحديث عن النوم بأنه كالموت أي طرح روحي يكون مستديماً في حالة الموت ومؤقتاً في وقت النوم ونجد أن في هذا الرأي تشابهاً كبيراً مع قوله تعالى :
(( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) . آية ( 42 ) من سورة الزمر .
ويقول البروفيسور آرثر أليسون : ( لقد عملت رئيساً لجمعية الدراسات النفسية في بريطانيا لمدة 6 سنوات وكانت فرصة لأتعمق في دراسة كثير من الفلسفات والديانات المختلفة ، وكان بحثي عن العلاقة بين الموت والنوم الذي استعنت فيه ببعض نصوص القرآن الكريم ولقد أثبت هذا البحث أن النوم هو الموت وأن النفس تخرج من الجسم في الحالتين غير أنها تعود في حالة النوم ولا تعود في حالة الموت .
إلى جانب أن الأبحاث التي أجريت في مجال (( الباراسيكولوجي )) أكدت أن هناك ما يخرج من الجسم يعود في حالة النوم ولا يعود في حال الموت ) . ولهذا قرر هذا العالم الدخول في الإسلام وسمى نفسه عبد الله أليسون حيث قال أن الإسلام دين الفطرة يخاطب العقل والوجدان إذن فمن أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم منذ 14 قرناً عن هذه العلاقة الوثيقة بين النوم والموت !! .

* مراحل النوم :
توجد عدة مراحل متتالية تمر على الشخص النائم وهي :
مرحلة النعاس ، فمرحلة النوم الخفيف ، فمرحلة النوم الصحيح ، ثم مرحلة النوم العميق ، ثم مرحلة في النوم تدعى بالمرحلة الشاذة تختلف عن غيرها من المراحل بحدوث الحلم .
وقد وضع الاختصاصيون في علم النوم جهازاً خاصاً لوصف اللحظة التي نبدأ فيها بالحلم ، وفي هذه اللحظة فإن الموجات الدماغية التي كانت ذات نظام بطيء تصبح ذات إيقاع سريع ومنه أتى اسم (( النوم الشاذ )) وعند مرحلة (( النوم العميق )) يكون جسدنا قد أخذ راحته بما فيه الكفاية فالعضلات تتمدد ويهدأ التنفس أما حرارة الجسد فتنخفض ونلاحظ أن كل النشاطات الفسيولوجية لجسدنا تتقلص في هذه اللحظة ويرتاح المرء فسيولوجياً ولكن عندما يستيقظ وبالرغم من راحة الجسد نلاحظ أن الانطباع العام عند المرء هو التعب لأن الجهاز العصبي لم يسترح بشكل كاف ولا يستطيع المرء أن يتخلص من هذه العصبية إلا إذا مر في نومه بمرحلة النوم الشاذ أي عند مرحلة الحلم حيث يعمل فيها جهازنا العصبي مثل آلة مجنونة وعندما تنتهي هذه المرحلة فإننا نستيقظ وعندها نشعر براحة جسدية وعصبية في أنٍ واحد فجسدنا كدماغنا قد أخذ ما يحتاجه من الراحة والأكسجين .

* علاج الأرق :
هل الحبوب المنومة هي الحل ؟
هناك أفراد يستمر معهم الأرق لعدة أسابيع فيقودهم التعب إلى تناول المنومات التي توهن الأعصاب بشدة وتزيد التعب وتضعف الإمكانات العقلية .
في ولاية كونيكتكات الأمريكية كانت مستشفيات الدولة تستقبل أسبوعياً من المصابين بأزمات نفسية بسبب استعمال الباربيتوريك - (( مادة منومة ))- عدداً في المتوسط لا يقل عن 26 شخصاً وذلك قبل تبني هذه الولاية القوانين التي تمنع بيع هذه المادة بدون إذن ، كما كانت المستوصفات تستقبل مثل هذا العدد في الأسبوع الواحد من الماصابين بالتسمم من تناول المنومات ، إذا ما دام الأمر هكذا وما دمنا قد عرفنا أخطار المنومات علينا ألا نلجأ إلا إذا أمرنا الطبيب بذلك ولنبحث عن حل آخر .

* فكر في غذائك :
إن كثيراً من العناصر الغذائية يساعد في إعداد العضلات والأعصاب للنوم وأهمها العناصر الثلاثة الآتية : (( الكالسيوم وفيتامين ( د ) وفيتامين ( ب 6 ) الذي له فعالية مهدئة كبيرة )) .
لذا فعلينا أن نتناول حبوب القمح وخميرة البيرة والعسل الأسود والكبد وأن نداوم على تناولها وليس فقط في المناسبات والشخص العصبي عليه أن يتناول قبل نومه طعاماً غنياً بفيتامين ( ب 6 ) وعن أهمية الكالسيوم بالنسبة للنوم الجيد فقد ثبت أن نقص الكالسيوم مهديء ويحتاج الجسم إلى جرام واحد منه في اليوم في أي عمر كان وهو يتوفر في اللبن ومنتجاته .
ومن هنا تتضح لنا أهمية الحكمة القديمة في تناول كوب لبن قبل النوم وليس ذلك للأطفال فقط فالكالسيوم الحليب يحل تشنج الأعصاب ويسهل النوم للصغار والكبار .
ويتوافر الكالسيوم أيضاً في العسل الأسود الذي تعطى ملعقة كبيرة منه ما يعطيه قدح من الحليب كذلك يتوافر في التوابل واللحوم والعظام ولا يجب أن يفوتنا أن نضيف قليلاً من عصير الليمون أو الزبدة أو الطماطم ليستطيع الحمض إذابة الكالسيوم فيصبح المرق غنياً به .
إذن فالاكتفاء بالكالسيوم مفرداً ربما لا يؤدي إلى نتيجة مثلى إذ يجب علينا تناول قليل من الحامض معه ومهم جداً لتمثيل الكالسيوم في الجسم أن يكون معه فيتامين ( د ) الذي توفره لنا أشعة الشمس وبعض أنواع السمك والكافيار وزيت كبد الحوت .
وهكذا يمكن للذين اعتادوا تناول المنومات أن يستبدلوها من الآن بحبوب من الكالسيوم في أي شكل كان مثل : لاكتات الكالسيوم أو غلوكونات الكالسيوم .
وقد قام أحد رجال الأعمال باستبدال المنومات التي كان يستخدمها منذ أمد بعيد بحبوب كالسيوم فأصبح يغرق في نومٍ عميق ويستيقظ نشيطاً مرحاً ولكن يجب علينا أن ننوه بشدة بأن الكالسيوم لا ينبغي اعتباره بديلاً عن الحليب الذي يقدم لنا بالإضافة لهذا العنصر المهم البروتينات والفيتامينات والمعادن التي إذا نقصت سيظهر على الشخص انحطاط في قواه ويصبح نومه سيئاً .

ثانياً : الإعداد للنوم :
مهم قبل أن تنام أن تهيء أفضل الظروف التي يتطلبها النوم الطبيعي ومنها :
1. وقت النوم : يجب أن تعين الوقت الذي تأوي فيه إلى الفراش وأن تتقيد به مهما كانت الظروف (( وأفضل وقت يقع بين العاشرة والعاشرة والنصف )) .
2. تهدئة الأعصاب : عن طريق أخذ حمام دافيء أو على الأقل الوضوء ، وصلاة ركعتين قبل النوم ستبث الطمأنينة والسلام في نفسك . عليك أن تؤدي بعض تمارين الاسترخاء قبل لجوئك إلى الفراش لأنها تعدك إعداداً جيداً لتنام مستريحاً .
3. لا تقاوم الأرق بشدة وبعنف : إن أكبر خطأ ترتكبه عندما تعاني من صعوبة النوم بسرعة هو أن تنزعج من جهة عجزك في اليوم التالي عن العمل فكلما انزعجت كلما هرب النوم عن عيونك وعليك أن تدرك أن التمدد والراحة حتى وإن لم تنم هما أيضاً مفيدان مثل النوم نفسه بشرط أن تكون هادئاً . وعوضاً عن مقاومة الأرق بجهد مرهق من الممكن أن تواجهه وتتحداه .
4. غرفة النوم : للجو الذي تنام فيه أهمية فلابد أن يسود غرفتك الهدوء وينقي هواءها جهاز التكييف في الصيف والنوافذ المفتوحة في الشتاء ( في حالة عدم وجود تيارات شديدة ) .

* وضع السرير :
أثبت فريق من العلماء الهنود أن وضع السرير في حجرة النوم له تأثير كبير في إصابة الإنسان بالأرق أو الأحلام المزعجة أو حتى تعرضه لبعض الأمراض ، وقد وجد العلماء أن من الأفضل أن ينام الشخص ورأسه متجه نحو الشرق حيث أن الخلل المغناطيسي الذي يحدث على الأرض يؤدي إلى وجود انعكاس في تركيب التيار الكهربائي للمخ مما يؤدي للشعور بعدم الراحة أثناء النوم . كما أشار الباحثون الصينيون إلى أن النوم الأصلح للشخص هو أن يتجه رأسه نحو الشمال .

* وضع الجسم أثناء النوم :
يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنوم على الجانب الأيمن ما أمكن ذلك وقد ثبت علمياً أن هذا هو أفضل الأوضاع للنوم حيث يكون القلب والمعدة إلى أعلى لا يضغط عليهما شيء كذلك تسير الدورة الدموية بسهولة أكثر مما يساعده على النوم الهاديء الخالي من الكوابيس .

* عدد ساعات النوم :
إن القاعدة القائلة : (( بأن على الإنسان أن ينام ثماني ساعات )) لا تصلح أن تكون قاعدة لجميع الناس فهناك من يقوم مستريحاً نشيطاً بعد 6 ساعات فقط ، وهناك من يحتاج إلى عشر ساعات .
وعليك لكي تحدد ساعات نومك أن تنظر هل نومك ست ساعات سيشعرك أنك في كامل لياقتك وأن الخمول لن ينتصر عليك خلال النهار فمعنى ذلك أن ست ساعات هي كافية لك . وإذا كانت ثماني ساعات من النوم تؤدي إلى شعورك بأنك قد نمت قليلاً أو أنك نمت نوماً سيئاً أو استيقظت متعباً ذلك أنك بحاجة إلى تسع أو عشر ساعات من النوم .

* نوم الظهر (( القيلولة )) :
أمرنا رسول الله عليه الصلاة والسلام بأخذ قسط من الراحة وقت الظهيرة بقوله : (( قيلوا فإن الشياطين لا تقيل )) . وتؤكد دراسة أجرتها مجموعة من الأطباء بجامعة واشنطن أن الاستلقاء وأخذ قسط من الراحة بعد الظهر يمكن أن يحسن من طاقة المرء ومزاجه حتى لو لم يستغرق في النوم .
أما الذين لا تتيسر لهم القيلولة خلال فترة الظهيرة فإن علماء النفس ينصحونهم بالتوقف لفترة عن أداء عملهم المعتاد ، سواء للتأمل أو لأداء تمرين ما ذلك لأن ابتعاد المرء ولو لفترة قصيرة جداً عن الضغوط اليومية ، يمكن أن يكون له فوائد كثيرة وهذا يشير إلى أهمية الصلاة في الإسلام خمس مرات يومياً ، بحيث يتحدد نشاط المرء بالوضوء والسكينة في الصلاة .

لماذا النوم ليلاً ..؟؟
اكتشف الأطباء جهازاً عصبياً في المخ يسكن في الظلام ويبقى متوتراً في النهار وفي الليل المضاء ، لذلك فإن كثيراً من الأمراض تعتري العاملين ليلاً .
كذلك فالذي ينام في مكان مضيء ليلاً لا يحس بالراحة في نومه لأن هذا الجهاز يبقى متوتراً ولكنه إذا نام في مكان مظلم فإنه يهنأ بنومٍ عميق هادئ وصدق الله العظيم حين قال :
((وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا)) .. آية ( 10- 11 ) من سورة النبأ .
أي الليل للسكون والراحة والنهار للحركة والعمل .

*****

المرجع :
كتاب غرائب أبدعها الخالق
ا / حنان حسن عيسى عبد الظاهر