في إحدى اللقاءات سألني أحد الأصدقاء عن رأيي في الشعر المنبجي المعاصر فقدمت له الملاحظات التالية:

يتميز الشعر المنبجي بجملة من الخصائص أهمها:


1. إنه شعر تقليدي يقوم على المحاكاة ويظهر بوضوح تأثره بالسابقين, ويعتقد الشعراء أنهم بذلك يعطون شعرهم صفة الأصالة, على الرغم من الفرق الكبير بين الأصل والتابع. ونحن لا ننكر المدرسة التقليدية ولا ننكر ما جاءت به مدرسة الإحياء والبعث, فقد ظهرت استجابة لضرورات تاريخية واجتماعية, كان لها مبرراتها ودوافعها الفنية, ولكننا نستغرب أن يعيش الشعراء على أمجاد تلك المرحلة على الرغم من الكم الهائل من التغيرات التي ضربت المجتمع منذ منتصف القرن الماضي وحتى الآن, وقد استجاب كثير من شعراء المدرسة التقليدية لتلك التغييرات, خذ مثلاً خليل مطران الذي تحول إلى المدرسة الإبداعية أواخر حياته.


2. هو شعر فكرة وموضوع , يعطي قيمة للقصيدة من خلال موضوعها وفكرتها حتى لو جاءت بلغة هزيلة وأسلوب ركيك, وخصوصاً أن الجمهور في منبج يحب مثل هذا الشعر ويتحرك, ويصفق لكل قصيدة يذكر فيها اسم الله, أو صدام حسين, , أو فلسطين, او تكون عن النبي عليه الصلاة والسلام وغالباً ما يفكر الشاعر بالجمهور فيكتب له , وقد يستثمر شاعر منبجي موضوعاً لشاعر آخر إذا رأى أنه نجح في الكتابة حول ذلك الموضوع.


3. هو شعر انفعالي منبري, والشاعر الأفضل هو من يثير انفعال الجمهور بحركاته وبإلقائه, ولذلك هو شعر مباشر أقرب إلى الخطابة منه إلى الشعر, والفرق الوحيد بينه وبين الخطابة هو الوزن.


4. يعتقد شعراء منبج أن اللغة الفصحى سمة أصيلة في ما يكتبون, وأن القرآن الكريم نزل بلغتهم لا بلغة قريش, ولذلك يتهمون الشعر الجديد بأنه يمثل هجمة شرسة على الدين واللغة, والقارئ الجيد لشعرنا المنبجي سيقف على كم من الأخطاء اللغوية , والركاكة , الحشو, واستغباء المتلقي, والضحك على مشاعره واستغلال عاطفته ومواقفه الوطنية.


5. يقوم الشعر المنبجي على المحاكاة والوضوح, والصورة التشبيهية التزيينية, والمحسنات البديعة’ وهو يشبه شعر العصرين المملوكي والعثماني, على الرغم من ادعاء شعرائه أنهم يكتبون مثل المتنبي والبحتري.



6. هو شعر منغلق على ذاته, وهو يشبه السمكة التي تموت إذا خرجت من نهرها, ولذلك لا يمد هذا الشعر جسوره خارج منبج .


7. تعامل شعراء منبج مع الشعر على أنه هواية, ولا يعمقون تجاربهم بالقراءة والمتابعة للحركة الشعرية وجديدها في سوريا أو الوطن العربي, ولا ننكر اهتمامهم بالثقافة بشكل عام لكنهم لا يستثمرون ثقافتهم في رفد شعرهم بالتجديد.

8. تغيب عن هذا الشعر الرؤيا الحقيقية والموقف , وثمة تشابه كبير بين الشعراء على مستوى اللغة والصورة , وكأن القصائد التي تكتب تصدر عن شاعر واحد , ونحن إذ لا ننكر أثر الثقافة السائدة في التشابه بين الشعراء بشكل عام, إلا أنه هنا تشابه مرضي , ومزمن أيضاً لأنك لا تستطيع أن تميز خصوصية شاعر عن آخر .


9. يعتقد كثير من شعراء منبج أن الفرق بين شعر الحداثة والشعر التقليدي, هو الخروج على نظام البيت, فيكتبون أحياناً, ونادراً ما يفعلون ذلك, قصائد على التفعيلة, لكن تقليديتها قد تتجاوز ما يكتبون على العمود, وهذا ينسجم مع نظرتهم التقليدية الأحادية الاختزالية للحياة والفن على السواء.

10. وهو في النهاية شعر كمي غير نوعي والقصيدة الجيدة هي القصيدة الأطول.



نعم إنه شعر حالة أدبية, ليس فيها إضافة حقيقية إلى صوت الشعر الحقيقي وطبعاً لا يمكن أن ننفي الحالات الفردية, ولا نخص بها شعراء الحداثة, على قلتهم , فثمة داخل التيار التقليدي السائد, أصوات تتميز بخصوصية مميزة.