قصص للمشاركة في المسابقة:
أرجو المشاركة بالقصة الأولى:

الخيال البعيد

أرعبني ذلك الخيال البعيد،لم استطع أن أتبين ماهيته ،غير أن حركته الدءوبة و ظلال أطرافه أفزعتني وشلتني عن التفكير..لمَ يحدق بي هكذا؟..عيناه- أستطيع الآن أن استبينهما- كقاع جب عميق يرغب في ابتلاعي..انزلقت وسط زحام الشارع الشائك ، لكنه كان يعرف هدفه جيدا..يتجه إلىّ أنا بالذات..تبا.. ما الذي يريده مني؟..انسللت إلى أول حارة مظلمة قابلتها..تتسارع خطواتي مع دقات قلبي.. تبتلعني الحارات الثعبانية المتشابكة.. و.....و أخيرا وجدت نفسي في وسط شارع رئيسي أعرفه..التفت وراءي، لم أجده..تنفست الصعداء..لمحت مقهى قريبا فاتجهت إليه..ألقيت نفسي على أقرب مقعد ورحت ألهث في عنف..أغمضت عيني وأخذت نفسا عميقا، فتحتهما لأجد من يجلس أمامي، انتفضت:-"ما بك؟..كأنك رأيت عفريتا.." لم يكن من يجلس أمامي سوى صديق لي؛ كان يجلس على طاولة أخرى ولما لم ألحظ تحيته جاء ليشاركني مجلسي..عاود سؤاله:-"ما بك؟" رددت ببطء:-"لا شيء..أنا بخير..""لا تبدو بخير إطلاقا..ماذا حدث.." وشعرت بهواء بارد يصفعني ولأول مرة ألحظ الغيوم الرمادية التي غطت وجه السماء..ارتعش شيء ما بداخلي ووجدت نفسي أقول بكلمات مبعثرة:-"شخص.. ما.. يطاردني.." رد باستنكار:-"ما هذا الذي تقوله؟" أجبت بانفعال:-صدقني..لقد فررت منه بصعوبة عندما......."وانقطع صوتي المبحوح فجأة؛ لم أجد ما أكلم به عبارتي؛ "عندما...عندما ماذا؟"..لكن صديقي التقط طرف الخيط بهدوء قائلا: "ومن تعتقد أن يكون؟" أجبت بقلق:-"جل ما أخشاه أن يكون أحدا من أهلها.." فرد:-"أنس الأمر..إنها ستتزوج الأسبوع المقبل..لا أعتقد أن أحدا منهم قد يهتم بك الآن أو يذكرك أصلا..".شعرت بقليل من الهدوء يسري في عروقي، لكنه عاد ينسحب بسرعة..والتفت إليه قائلا:"لعله سليمان نجيب..نعم..لابد وأنه من طرفه..جاء يطالبني بنقوده.." أجاب هو بسرعة :-"لا تفكر في هذا أيضا..إن الرجل مسافر إلى الإسكندرية منذ أول أمس..كما أنه فقد الأمل تقريبا في أن تعيد إليه ماله.." وهذه المرة بدأت أشعر بالاسترخاء، ورفعت رأسي أتنسم الهواء المنعش المشبع برائحة المطر عندما.....لمحته هناك يتحدث إلى شخص ما مشيرا إلىّ.. قفزت من مقعدي وانطلقت..من خلفي كنت أسمع شظايا من كلمات صديقي:"انتظر..إلى..أين؟.." وكضوء البرق قفزت في أول سيارة أجرة قابلتني..سألني الرجل بصوته الروتيني المعتم:- "إلى أين؟.."ولم أكن أعرف إلى أين..لو كان لي أن أقول ما أريده لقلت له:"أجعلني أتيه في الزحام..أنزلني في أي مكان يبتلعني دون أن يسأل؛ من أكون ولا من أين أتيت"..لكنني لم أنطق بشيء سوى اسم شارع اعرفه بعيد عن هنا وجلست صامتا في مقعدي بينما الأفكار تصرخ داخل رأسي..ثمة شيء آخر كنت أخافه، ولم أجسر أن أخبر صديقي به؛ وعن ماذا أخبره؛ عن هذا الشيء الرهيب الذي فعلته..نعم كان من المستحيل أن أخبره أنني قتلت..لست واثقا حقيقة- حتى الآن-إن كنت فعلتها أم لا..لكن ذاك الفتي كان قد استفزني إلى درجة مفزعة..مميتة..أستطيع أن أتذكر ارتعاش أطرافي من الغضب كأنها تحثني أن أنهض لأبطش به..انطباق فكي كأنهما يرغبان في تمزيقه، وكان هو مستعدا للشجار..اصطدمت رأسه بالحائط ونزف الدم منها غزيرا..نافورة من السائل الأحمر أغرقت المشهد كله أمام عيني..لم يكن هناك أحد..هربت وتركته هناك..ولم أعرف أبدا ماذا حدث وظللت أتعذب بما حدث أو..بما لم يحدث..ألقتني السيارة في الشارع الذي قصدته..نزلت مزعزع الخطوات، مرهق الروح..شعرت أنني وحيد جدا، وضئيل جدا؛ منسي تماما في عالم واسع يضج بالبشر؛ بالحياة؛ بالحركة..ظللت أهيم على وجهي دقائق أو ربما ساعات؛ فقدت الوقت تماما حتى وجدت نفسي أخيرا قريبا من منزلي..سرت إليه على الفور فلقد أنهكني السير الطويل، والمطر، وتوتر الأعصاب عندما وجدت وجهه يبرز من المدخل المظلم..توقف كل شيء بالنسبة لي؛المكان، والزمان؛ وجوده ووجودي؛ قطرات المطر والغيوم والشارع المظلم وكل شيء.. كل شيء..
فتحت عيني شاعرا بصداع خفيف يتسلل بين جفني ويمزق حواسي..أين أنا؟..بل من أنا؟؛ أعتقد أن هذا هو السؤال الأول الذي سألته لنفسي وأنا أستعيد وعيي بوجودي ببطء..اتضحت معالم المكان تدريجيا، ووجدت نفسي في حجرة البواب -الذي يحرس البناية- وقد وضع بصلة ضخمة على أنفي أفزعتني رائحتها..وما إن رآني أفقت حتى قال:"سلامتك يا أستاذ.." قبل أن أحاول تحريك شفتي أصدمت عينأي بذلك الوجه في جانب الحجرة؛ وجه مطاردي الباهت..بدا أقل إفزاعا في ضوء الحجرة الأبيض الهادئ..تجمدت عينأي عليه ف....فابتسم وسمعت صوت البواب يخترق صمتي:"لقد جاء الحاج من البلد ليسلمك مبلغا من أبيك الحاج..بحث عنك ولما لم يجدك جاء ينتظرك هنا.."ورفع هو إلى عينيه قائلا:"لا تؤاخذني يا بني..كأنك كنت تهرب مني..لم أرد..شعرت كأنني تلقيت صفعة قوية..صفعة على روحي..انتزعتني من مكان وألقيتني بعيدا.. بعيدا جدا.. صفعة قاسية..أقسى ما عرفت في حياتي..ووجدت نفسي أبكي.. أبكي كما لم أفعل من قبل كأنني أغسل روحي من شيء ما لا أعرفه..لم نظرا إلىّ هكذا..ألم يكن من حقي أن أبكي؟

هبة الله محمد حسن


انس المطر


الغيوم تغطي وجه السماء وبرغم هذا ما زالت الحديقة تغص بالبشر؛ أطفال يلعبون، وبائعي حلوى، عشاق حمقى وأرامل؛ من كل صنف ولون..ما أكثر البشر في هذا المكان و..........هذا الفتى الصغير اللعين:
- "انتظر أيها ال.................................."
لكنه كان قد هرب؛ قذفني بحجر في كتفي وهرب؛ ساقاه الرفيعتان العفريتتان حملتاه بعيدا مع الريح..لمَ فعل هذا؟..تبا له..فقط لو رأيته ثانية..ولكن.......ماذا لو رأيته ثانية؟..لن أفعل له شيئا لأنني ببساطة لن أتذكره..
سيسقط المطر بعد قليل..أعرف هذا جيدا وأشعر به؛ رائحة الهواء تلك؛ البرودة المحببة الجميلة..سيسقط المطر..ما أسعدني!!..هاهو المطر يتساقط زخات زخات..الكل يهرب من أمامه؛ يسحبون مظلاتهم؛ يختبئون أسفل الشرفات البارزة، وفي مداخل البنايات..أحقا يخشونه إلى هذا الحد؟..لماذا وحدي أحب المطر؟..أقف وحيدا أستمع إلى دقاته المتناغمة مع نبض الكون..كم اعشق المطر!!..تهب الرياح الباردة فلا أهتم؛ تدفع قطرات المطر لتصفع وجهي بقوة فلا أشعر بألم؛ استمتع بمعاندة الريح ومصادقة المطر..يخلو الميدان، وأخلو أنا بالريح والمطر..روحي ترفرف كشراع منسي ذكرته بلا موعد هبات رياح..أشعر أنني قوي وجسور إذ جرؤت على مصادقة المطر الذي يخشاه الآخرون..لكن كما بدأ؛ يتوقف المطر، ويعود الناس للتقاطر على الميدان؛ ويعاودني الشعور بأنني تعيس ووحيد.. الجميع يتحرك إلى الأمام حتى ظلال البشر وأنا وحدي جامد في مكاني؛ في وسط الميدان..تمثال حجري بلا معنى لا يلتفت إلى ملامحه احد..كل يمضي في طريقه دون أن يفكر في التوقف لحظة أو إلقاء نظرة.. لو اختفيت في يوم فلن يشعر أحد بالفرق..لعلك تراني كل يوم في طريقك، لكنك لا تتذكر وجودي أبدا ؛ من منكم يتذكر لون البساط الذي يدهسه يوميا وهو يدلف إلى الشقة أو يخرج منها..لا أحد يذكره..ولا أحد يذكرني.. آه..ليت المطر يسقط من جديد فيخلو الميدان، واشعر أنني أمتلك العالم؛ أعاند الريح وأصادق المطر.
تمت بحمد الله
15 أكتوبر 2008
هبة الله محمد حسن.


الطفو على سطح العالم


السابعة مساءا..ونهار الصيف الطويل ما زال يماطل الليل في مفاوضات لانهائية؛ حياة أو موت..بقى القليل في حياة النهار وما زال أمامه هو الآخر بعض الوقت..دلف إلى المحطة بخطوات ثقيلة منهكة..وقف للحظات جامدا بينما حوله يتحرك الناس غادون ورائحون..دائما ما كان موقعه هكذا من العالم؛ الوقفة الحجرية ذاتها بينما العالم كله يموج بالحركة؛ بالحياة..لكن كل شيء سيتغير الليلة..سيطفو على سطح العالم..لفترة قصيرة ربما..لكنه سيستطيع خلالها استنشاق قليل من الهواء قبل أن يواصل موته في القاع..أيذهب الآن؟..ربما مازال لديه القليل من الوقت..لا يجب عليه أن يتعجل..لقد انتظر كل هذا الوقت أفلا يستطيع الآن انتظار القليل..اتجه إلى المقعد الساخن من حرارة الشمس وجلس..عبارات تدق في رأسه وتختلط..أحداث يومه كلها وأفكاره الحالية..أغنية هابطة سمعها في إحدى المواصلات تسطو على خلفية عقله وتهيمن عليها..شعر بالملل وتقلب يمينا ويسارا في مقعده..وضع ساقا على ساق ثم شعر بذلك الخدر يزحف على ساقه فأنزلها..ما كل هذا الملل؟..لماذا يجب عليه أن ينتظر ولماذا جاء مبكرا هكذا؟..ربما يأتي ثانية غدا بدلا من اليوم..ولكن لا..اليوم موعده..سيعرفه العالم وسيتحدث عنه الجميع..سيعرف أبوه ما الذي يستطيع أن يفعله هذا الأحمق الذي لا يثق في قدراته..اليوم سيرتفع إلى السماء ويشدو العالم كله بأغنيته..أخرج الورقة من جيبه وقرأها جيدا..وشعر بالدموع تتجمع في عينيه..هل يجب عليه أن يسلمها الآن..جاءت فتاة نحيلة تحمل مجموعة من الكتب الدراسية وجلست بجواره:- هل تنتظر قطار الإسماعيلية؟ ..قالتها الفتاة وهي تنظر إلى الورقة التي بيده في فضول لم تستطع أو لم ترد إخفاءه:- آه..نعم..
ابتسمت ابتسامة خفيفة وهي تشير بيدها إلى أحد القطارات المنتظرة:- ولكن هذا هو قطار الإسماعيلية..
- ومن قال أنني ذاهب إلى الإسماعيلية؟
- أنت قلت.
- أنا؟!!..عفوا يا آنسة يبدو أنك لم تسمعينني جيدا.
هزت الفتاة كتفيها بلا مبالاة ولم تقل شيئا..جل ما يمقته هو الأشخاص الفضوليين..تشعر بأعينهم سهام تكاد تخترقك، وأنك تحت الحصار دونما أي سبب..أي حركة منك أو كلمة تجعلهم يلتفتون على الفور..يا لها من فتاة سخيفة..لماذا لا ترحل الآن وتريحه..رسم على شفتيه ابتسامة وهو يلتفت إليها قائلا:-وأنت إلى أين ستذهبين؟
- الزقازيق..أشار بيده مسرعا إلى أحد القطارات:- ها هو قطار الزقازيق..لقد وصل المحطة لتوه.
-"شكرا لك"..قالتها الفتاة ثم نهضت مسرعة ساحبة حقيبتها..حمدا لله لقد تخلص منها..ليذهب بها القطار في داهية..ما دامت تصطنع أنها تعرف كل شيء.."هذا قطار الإسماعيلية"..قالها في سخرية مقلدا لهجتها..كان حري بها أن تعرف قطار المدينة التي ستذهب إليها..لماذا يتسلل الظلام بذلك البطء؟..يحتج إلى أستاره كي يستطيع أن ينفذ ما يريده بنجاح..تنقل ببصره بين الساعة والسماء ثم زفر في حرارة، هنا لمح الفتاة قادمة ثانية.. آه..تبا..ستوبخه الآن..عليه أن يرحل بسرعة ولكن الفتاة وصلت إليه قبل أن يتحرك وتوقفت أمامه قائلة:- لقد كدت توقعني في مشكلة..لم يكن ذاك قطار الزقازيق..
يا لذكائها..كأنه لا يعرف هذا..قال بابتسامة نصف متهكمة..رافعا حاجبيه:
- حقا!!..حمدا لله أنك عرفت في الوقت المناسب..
قالت وهي تلقي بنفسها على المقعد بجواره:-ليس الأمر جيدا كما تتصور..سيأتي القطار بعد ثلاث ساعات..سيكون عليّ الانتظار كل هذا الوقت.
من أين هبطت عليه هذه الفتاة؟..من السماء..مستحيل..لقد انشقت الأرض عنها بالتأكيد..إنها كابوس..بدا على الفتاة أنها ترغب في مواصلة الحديث..تراجعت إلى الخلف لتسند ظهرها إلى المقعد وهي تقول:-لم تخبرني إلى أين أنت ذاهب؟..
يا الهي.. لقد بدأ التحقيق المفصل..انتفض من مقعده كالملسوع قائلا:- لقد كنت أنتظر صديقا لي ولكن يبدو انه لن يجيء أبدا..
نظرت إليه الفتاة في دهشة وهو يبتعد..ربما غدا سيفعلها..ربما غدا سيترك خطابه الأخير لدى موظف الاستقبال..وغدا سيلقي بنفسه أمام قطار..وسيتحدث عنه الجميع..وستعرض الجرائد صوره، والفضائيات البرامج عنه..ويتحدثون عن أسباب انتحاره..وسيذاع خطابه الأخير كأنه خطاب الرئيس..غدا سيصبح مشهورا..ربما غدا..لو لم تظهر عقبة أخرى-مثل هذه الفتاة- تعرقل الطريق إلى أحلامه!!!
تمت بحمد الله
23 مايو 2008
السيرة الذاتية:
الاسم:هبة الله محمد حسن السيد.




الجوائز:-


1. جائزة مؤسسة فلسطين للثقافة عن مسابقة في كتابة القصّة القصيرة للشباب تحت الثلاثين من جميع أرجاء الوطن العربي عن قصّة بعنوان (بطل الحواجز) وقد تكونت لجنة التحكيم من الأساتذة:
د. نضال الصالح: دكتوراه في النقد الأدبي الحديث، ومدرّس النقد الأدبي الحديث في جامعة حلب.. سورية / حلب
د. يوسف حطيني: دكتوراه في الأدب العربي الحديث، أستاذ مدرّس في جامعة العين / الإمارات العربية المتحدة
م. عدنان كنفاني: أديب وقاص وروائي ـ سورية/ دمشق
وقد قالت اللجنة عن الشباب الفائزين :
"تبارك للمشاركين الشباب جهودهم الطيبة، وتشير باعتزاز إلى تلك الأقلام الواعدة التي ستضخّ دماءً جديدة في مسيرة الثقافة، وتبارك لهم حسّهم الوطني العالي، وتفهّمهم لقضايا الصراع القائم بين المشروع الوطني القومي العربي، وبين المشروع ألإحلالي الصهيوني، وقدرتهم على ملامسة معاناة الشعب الفلسطيني في شتى مجالات الحياة،"
2.الجائزة الأولى في مسابقة معرض الكتاب المستعمل 3 عن قصة "الخيال البعيد" والتي نظمها نادي الزهراء الأدبي.
3.جائزة مسابقة بص وطل للقصة القصيرة عن قصة (رجل للبيع) وقد قام باختيار القصص الفائزة:
(د.سيد البحرواي) أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة
4 .جائزة مسابقة المبدعون 2008 عن قصة (صانع اللوحات السرمدي) تحت رعاية موقع اكسبهم.
5.جائزة سند راشد لقصة الرعب القصيرة عن دار دايموند بوك للنشر والتوزيع بالكويت وقد قام بالتحكيم:
م.سند راشد
د.احمد خالد توفيق
د.تامر إبراهيم.