كان بسجستان شيخ يتعاطى النحو، وكان له ابن فقال لابنه: إذا أردت أن تتكلم بشيء فاعرضه على عقلك، وفكر فيه بجهدك، حتى تقومه ثم أخرج الكلمة مقومة. فبينما هما جالسان في بعض الأيام في الشتاء والنار تتقد وقعت شرارة في جبة خز كانت على الأب وهو غافل والابن يراه، فسكت ساعة يفكر ثم قال: يا أبت أريد أن أقول شيئاً فتأذن لي فيه؟ قال أبوه: إن حقاً فتكلم، قال: أراه حقاً، فقال: قل، قال: إني أرى شيئاً أحمر، قال: وما هو؟ قال: شرارة وقعت في جبتك، فنظر الأب إلى جبته وقد احترق منها قطعة، فقال للابن: لم لم تعلمني سريعاً؟ قال: فكرت فيه كما أمرتني، ثم قومت الكلام وتكلمت فيه، فحلف أبوه بالطلاق أن لا يتكلم بالنحو أبداً.

قال المأمون لبعض كتابه: ويلك ما تحسن تقرأ؟ قال: بلى والله، إني لأقرأ من سورة واحدة ألف آية. سمعت ابن الرومي يقول: خرج رجل إلى قرية فأضافه خطيبها فأقام عنده أياماً، فقال له الخطيب: أنا منذ مدة أصلي بهؤلاء القوم وقد أشكل علي في القرآن بعض مواضع، قال: سلني عنها، قال: منها في " الحمد لله " ، " إياك نعبد وإياك " أي شيء تسعين أو سبعين؟ أشكلت علي هذه فأنا أقولها تسعين، آخذ بالاحتياط.

قدم على ابن علقمة النحوي ابن أخ له فقال له: ما فعل أبوك؟ قال: مات: قال: وما فعلت علته؟ قال: ورمت قدميه، قال: قل قدماه، قال: فارتفع الورم إلى ركبتاه، قال: قل ركبتيه فقال: دعني يا عم فما موت أبي بأشد علي من نحوك هذا.

قال أبو الأسود لابنه: يا بني إن ابن عمك يريد أن يتزوج ويجب أن تكون أنت الخاطب فتحفظ خطبة، فبقي الغلام يومين وليلتين يدرس خطبة، فلما كان في اليوم الثالث قال أبوه: ما فعلت؟ قال: قد حفظتها. قال: وما هي؟ قال: اسمع، الحمد لله، نحمده ونستعينه ونتوكل عليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الفلاح؛ فقال له أبوه: أمسك لا تقم الصلاة فإني على غير وضوء.

تقدم رجل إلى معلم ابنه فسأله أن لا يعلمه سوى النحو والفقه، فعلمه مسألتين من النوعين: ضرب زيد عمراً ارتفع زيد بفعله وانتصب عمرو بوقوع الفعل عليه، والأخرى من الفقه رجل مات وخلف أبويه فلأمه الثلث ولأبيه الباقي فقال له: أفهمت؟ قال: نعم، فلما انصرف إلى البيت قال له أبوه: ما تقول في ضرب عبد الله زيداً؟ قال: أقول: ارتفع بفعله وما بقي للأب.(1)

المصدر
(1) أخبار الحمقى والمغفلين
المؤلف : ابن الجوزي