الخطيئة
"أنت رجلٌ الآن" قالتْ أمّك. لم تكن تفهم معنى كلامِها لكنّك خرجتَ باكرًا لمعترك الحياة ..عملت أعمالا كثيرة. كنت تجني مالا وفيرا تعطيه لأمك. . كانت أمك تحبك.أحيانا تقص عليك حكايا الماضي ..وبعض ذكريات أبيك المتوفى وأنت صغير.أبوك خلّف هذا البيت بغرفتين وإمراة جميلة أو هكذا كانت..كنت تحس بغصّة في حلقها حين تحدثكَ عن أبيك.. كثيرا ما حسبتَها حُزنا ونوستالجيا..
"أنتَ رجل الآن" قالت أمك مرة ثانية وعمرك تسعة عشرة ثم زوجتك إمرأة كانت الأولى والأخيرة..أول مرة رأيتَها كانت ليلة الزفاف.كنت غرّا عديم الخبرة.
"كن رجلا لا تخف !" قال صديقك الوحيد.. ليلة لا زلت تذكر تفاصيلها..أحسست أن الأمر كان سهلا..سهلا جدا رغم ما قيل عن صعوبته..هذه المرأة كانت صابرة لم تتألم..كانت باردة كأنَّ الأمر غير جديد عليها.. شهِد الله أنّها ساعدتْك بحركات جسمها. كانت الغريزة تقودك ببطئ حتى اعتدت. إمرأتك كانت صالحة تحبُ أمك وتعطف عليك.. لم تكن تشكو، طلباتها قليلة، بالبسمة كانت تستقبل عودتك وفي وقت قصير أهدتك من بطنها طفلة جميلة جدّا..لم تكن تشبهك.. لها شعر أمها وبسمتها ووجه غريب بعيون عسلية..
"أنت رجلُ هذا البيت" قالت أمك وزوجك ." أنت الناهي الآمر" هكذا كانت إجابتهما حين قلت " سنرحل إلى المدينة " هناك فرص للعمل أكثر.. كنت تحسّ أن دعوات أمك -التي بدأت تكبر- تُلبّى بسرعة
" الله يمنحك عملا قارا يابني"
"سأحجّ بك إن رزقني الله هذا العمل"
كان نذْرا ثقيلا وصعبا لا بدّ أن تفي به.. ومرّت السنون وأنت ترى إبنتك تكبر فارعة القامة..آية في الجمال..وأنت تحس أنها تغيرت لم تعد تلك الطفلة المُدلّلة التي تداعبها بعد عناء العمل في الأمسيات الطويلة...كنت قليل الأصحاب طاعة لوصية أمك
"كثير الأصحاب يبقى بلا صاحب"
وحده بيتك وعائلتك يهمّانك..كنت تجمع المال وتدخره عند أمك..آخر أحلامك أن تحج وعائلتك..كان الله معك..كانت أيد خفية تسهل أمورك..وحان وقت السفر إلى مثوى النبي الكريم..كانت أسرتك نموذج التقوى والإيمان..
"كنت رجلا" وطارت بكم الطائرة وحين نزلتم بكى الجميع..كنت تشم عبق الجنة وإحساس غريب يراودك بالبقاء..كانت "بكّه" عزيزة والحجاج يتوافدون من كل فج عميق شعث غبر...تعجبت داخلك من كل هذا الخلق الموحد..حملتَ أمك المُسنة على ظهرك.. كان الله معك..كانت أيد خفية تسهل أمورك..تمت مناسك الحج بسلام...بكى الجميع فرحا.
" أنت رجل" لأنك ما خنثت بعهد قط.. ها أنت تفي بنذرك وكانت اللّيلة الأخيرة مقمرة تحت سماء أحب البقاع.. لم تنم كان الأرق رفيقك وزجاجة من ماء زمزم..كنت تدعو الله أن يمنحك الصحة والعافية لتعيل عائلتك بالحلال...فجأة سمعت صوت أمك العجوز تنهض للصلاة..تركتها تصلي وحين أنهت سمعت صوتها القادم بركانا في أذنك..قنبلة تهزّ كيانك..كانت تبكي وتلهث بالدعاء بصوت عالٍ:
"اللّهم إنّي على عتبات بيتك فأغفر خطيئتي.إغفر لي إن ولدي هذا لقيط.."
صمتَ، تسمرتَ، تجمدت ولم تدرك كم مضى من الوقت وأنت ترى زوجتك تنهض للصلاة تركتها تصلي وحين أنهت سمعت صوتها القادم بركانا في أذنك، قنبلة تهز كيانك...كانت تبكي وتلهث بالدعاء بصوت عال:
"اللهم إنّي على عتبات بيتك فأغفر خطيئتي. اغفر لي إن إبنتي هذه لقيطة."
صمتَ، تسمرتَ، تجمدْتَ لم تدرك كم مضى من الوقت وأنت ترى إبنتك تنهض للصلاة .. تركتها تصلي وحين أنهت، سمعت صوتها
القادم بركانا في أذنك، قنبلة تهز كيانك..كانت تبكي وتلهث بالدعاء بصوت عال :
"اللّهم إنّي على عتبات بيتك فاغفر خطيئتي. اغفر لي إني حامل من رجل خدعني"
في لحظة تراءى لك المشهد مكرّرا..
"أنت الرجل" نهضتَ، توضأتَ، صلّيت ورحت تدعو بصوت عال وأنت تبكي:
اللهم إني على عتبات بيتك الطاهر فاغفر خطيئتي.اللهم إن وجودي أضحى عدما. اللهم إني قادم إليك فخفّف العذاب..."