في عددها رقم 41 الصادر حديثا في أوائل الشهر الجاري
تنشر مجلة دبي الثقافية ...ملفا عن طه حسين عميد الأدب العربي
بمناسبة مرور 35 عاما على رحيله .....وقد استغرق الملف أكثر من 80 صفحة من صفحات المجلة البالغة 162.....وحفل بالعديد من الدراسات والمقالات والأبحاث عن طه حسين
ومن بين هذه المقالات اخترت لكم عنوانا مثيرا كتبه ناصر عراق وهو
هكذا أصبح طه حسين عميدا للأدب العربي

يقول الكاتب ....
تعال أقص عليك نبأ هذا اللقب ، الذي استحقه الرجل أيما استحقاق ، وانتقل معه من قرن إلى آخر ، منذ أن التصق به عام 1932 ، وحتى رحيله في 26-10-1973 وإلى الآن ، وأظن أن هذا اللقب سيظل مقترنا بطه حسين إلى الأبد .
كابدت مصر حكما ديكتاتوريا ظالما في الفترة من 1930 - 1934 ، إذ كان رئيس الوزراء اسماعيل صدقي يمسك بالبلد بقبضو من حديد بالإتفاق مع الملك فؤاد ، فألغى الدستور وعطل الحياة النيابية واعتقل السياسين ، بل وأسس حزبا خاصا من الكبار الذين لا يعترفون بحقوق الناس ، حيث أطلق عليه حزب الشعب ، ليواجه به حزب الأغلبية ( الوفد ) .
وقد حاول صدقي أن يستقطب طه حسين الشخصية المرموقة وعميد كلية الآداب آنذاك ، ليترأس صحيفة الحزب الذي أطلق عليها الإسم نفسه ، مقدما له كافة الإغراءات ، لكنه رفض ....
فلم ييأس صدقي وطلب من العميد أن يكتب افتتاحية العدد الأول فقط ، فاعتذر الدكتور طه قائلا ...
( إن كتابتي في جريدة الشعب تضرنا جميعا ولا تنفع أحدا ، فليس من مصلحة الحكومة أن يعرف الناس أن الموظفين يكتبون في صحفها ، ولا ينبغي لعميد كلية من الكليات أن يسخر نفسه للكتابة في صحف الحكومة ..فيتعرض لازدراء الزملاء والطلاب جميعا ...)
لم ينسها رئيس الوزراء وأسرها في نفسه مبيتا الغدر بالدكتور طه ، وهكذا حين واتته الفرصة لم يتردد بالتنكيل به لحظة ، ففي 3 مارس - آذار عام 1932 ، أصدر وزير المعارف حلمي عيسى باشا قرارا بنقل طه حسين ( عميد كلية الآداب ) إلى وظيفة مراقب التعليم الإبتدائي بالوزارة ...!!!
رفض العميد الإنصياع للقرار الجائر ، ورفع قضية ضد الحكومة ، يطالب فيها بتعويض عن فصله تعسفيا ، كما جاء في كتاب للدكتور يونان لبيب رزرق بعنوان ( فؤاد الأول المعلوم والمجهول )
الصادر عن دار الشروق عام 2005 .
هنا بالضبط ، بانت تفاصيل جديدة في المشكلة حينما كتب طه حسين عنها بالجرائد ، حيث أوضح أن وزير المعارف طلب منه يوم 9 يناير - كانون الثاني عام 1932 ، أن تمنح الجامعة المصريى ألقاب الشرف لأربعة من ( المصريين النابهين ) بمناسبة زيارة الملك فؤاد للجامعة ..!!
رفض الدكتور طه حسين مطلب الوزير لأن من رشحهم لنيل ألقاب الشرف مجرد مجموعة من السياسيين ، وليسوا علماء أو مفكرين الذين ينتمون لحزب الشعب إياه .
وبجرأة غير معهودة خاطب الدكتور طه الوزير قائلا ...
كما لا يُؤضى للجامعة أن تمنح ألقابها بأمر الوزير ، ورجاه أن يعدل عن رأيه ولا يورط الجامعة في السياسة ، فهي جامعة ناشئة ومن حقها أن تكون لمصر كلها وللعلم وحده ...

غضب الوزير واحتد في الوقت الذي اشتعلت فيه الجامعة ، طلابا وأساتذة ، احتجاجا على نقل العميد فخرجت المظاهرات وعمّ الإضراب الذي بدأه طلاب كلية الآداب ، ثم انضم إليهم طلبة كلية الطب والعلوم ، ومع ذلك لم يتراجع الوزير عن قرار نقل الدكتور طه الذي فضح مؤامراتهم وألاعيبهم في أحاديث أدلى بها إلى جريدتي الأهرام والجهاد ، الأمر الذي أهاج حكومة صدقي ، فعقدت اجتماعا طارئا يوم 30 مارس 1932 ، اتخذت فيه قرارا هذا منطوقه ( فصل طه حسين أفندي ، الموظف بوزارة المعارف العمومية من خدمة الحكومة ...! ) .
وبغض النظر عن الصياغة السخيفة للقرار ، التي تقلل من شأن الدكتور طه ، فإن الطلاب والأساتذة والمثقفين المصريين والعرب ، لم ييأسوا ، حيث أعلنوا أن الكتور طه حسين ليس عميدا لكلية ألاداب فقط بل هو ( عميد الأدب العربي..) كله ...
هكذا نال العميد لقبه من الشعب بجدارة وظل محتفظا به إلى الآن ، أما صدقي ووزيره حلمي عيسى ، وكافة المسؤولين الظلمة ، فقد أسقطهم التاريخ من حسابه ، وبقي طه حسين اسما براقا ناصعا في عقل ووجدان أمة بأسرها .


تعليق يوسف أبوسالم

تبين هذه القصة كيف يزدهي اللقب بصاحبه الذي لم يسع إليه ، وكبف أن اللقب يأخذ مشروعيته من أحقيته وظروفه ورضى الناس عنه بمعزل عن الإختلاف أو الإتفاق في وجهات النظر أو الآراء , ولا يأخذ مشروعيت من القرار الإداري ، أو هكذا يجب أن يكون ...
فكم من صاحب لقب أصبح يتمتع بلقبه بين عشية وضحاها لأنه تملق مسؤولا ..وسفح دم وجهه وحيائه لنيل اللقب ، وكم صاحب لقب ..دفع الرشاوى الكبيرة وعقد المؤامرات الخبيثة ..والدسائس حتى يحصل على لقبه .
ولو راجعنا الألقاب في العالم الثالث وعلى كل الصعد ..فإننا سنصاب بخيبة أمل كبيرة حينما نشاهد ونقرأ ألقابا كبيرة منحت وكان وراءها النساء ..، وألقابا أخرى منحت وكان وراءها العمالة والخيانة للأمة والشعب على حد سواء ..
ولا يفاجئنا حين نعلم أن ألقابا تملأ صدور أصحابها بالنياشين العسكرية ..وهم لم يخوضوا معركة واحدة ,ولا عرفوا الميدان بشكل من الأشكال ، في حين أن الألقاب في الدول المتحضرة وخصوصا العسكرية منها لا تمنح إلا لقادة عظام ساهموا في معارك الشرف لتحرير بلادهم من المستعمر ..
والأدهى والأكثر مرارة ...
أن ألقابا دينية عليا تمنح بمنتهى السهولة لرجال عرفوا من أين تؤكل الكتف ، وأتقنوا مهنة مفتي السلطان ..