النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: حوار ..

  1. #1 حوار .. 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية الجمانة
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    الدولة
    في فيء المحبة..!
    المشاركات
    806
    معدل تقييم المستوى
    17
    رأيت فقيراً مقطعّ الثياب، كبيراً بالسن، يبدو عليه آثار الجوع والعطش.
    رأيته مستلقياً على عتبة البنك، وقد استغرق في نوم عميق، وكانت أشعة الشمس تدنوا منه قليلاً قليلا حتى وصلت إلى صدره، وهو لا يشعر بحرارتها.


    وقفت عنده أنظر إليه وأتأمله، وأقول في نفسي: «سبحان الله! إن بين هذا الفقير وخزينة المال بضعة أمتار، إننا والله نعيش في عالم المتناقضات».
    أدخلت يدي في جيبي، فأحسست بحركة غريبة فيه، أمسكت الذي يتحرك في جيبي وأخرجته، وفوجأت عندما رأيته «ديناراً».
    فقلت له: لماذا تتحرك في جيبي؟
    الدينار: أنا في جيبك منذ زمن بعيد، وأنت لم تتعامل معي وفق هدف وجودي.
    قلت: وما هدف وجودك يا دينار؟!
    الدينار: هو الإنفاق على أهلك ووالديك، وقضاء حاجتك الشخصية وحوائج المسلمين، من تفريج كربة، وإعانة مدين، وتوسعة على يتيم، وغيرها من وجوه البر والخير.
    قلت: وكيف جئت إليّ يا دينار؟!
    الدينار: إن لي قصة طويلة، فقد انتقلت بين أيدٍ كثيرة، فالأول اشترى بي خمراً، والثاني اشترى بي فلماً مخلاً للأدب، والثالث دفعني رشوة لآخر، والرابع اشترى منك بضاعة فوصلت إليك، وكل هؤلاء كانوا عبّاداً للمال، ولا أعرف عنك أي شيء بعد.
    قلت: وكيف علمت أن هؤلاء هم عبّاد المال؟
    الدينار: من طريقة تعاملهم معي، وأنهم كانوا لا ينفقونني في سبيل الله ولهذا قال الحسن البصري - رحمه الله - : «لكل أمة وثن يعبدونه، وصنم هذه الأمة الدينار والدرهم» (1).
    وأنت يا صاحب إن لم تصرفني في وجوه الخير فسأحرقك باسمي.
    قلت مستغرباً: ماذا تفعل؟
    ستحرقني بإسمك؟!! وكيف ذلك؟!!
    الدينار: إن أول اسمي «دين» ليذكرك بحقوق دينك عليّ وآخر اسمي «نار» ليحرقك إن كنزتنى أو أنفقتني بالحرام.
    قال تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم، فذوقوا ما كنتم تكنزون} (2).
    قلت: إن شأنك لخطير يا دينار!
    الدينار: نعم إن لي شأناً كبيراً، فأحسن معاملتي، حتى لا يعذبك الله بسببي، وانظر إلى اللذين كنت عندهم كانوا يزرعون السيئات ويرجعون الحسنات، هل يجتبني من الشوك العنب؟
    فاحذر أن تسير على دربهم، وهذا فقير أمامك إدفعني إليه وسأكون شاهداً لك يوم القيامة إن شاء الله.
    واحرص على أن يكون عندك بعد ذلك شعور «ابن عينيه».
    قلت: وما هو شعور «ابن عينيه»؟ ومن هو «ابن عينيه»؟
    الدينار: إنه أحد التابعين، وكان اسمه «سفيان ابن عينيه» وكان مشهوراً بالإنفاق وحب الخير، حيث يروي لنا أحد أصحاب فيقول: «كنت أمشي مع سفيان بن عينيه إذ أتاه سائل فلم يكن معه ما يعطيه، فبكى.
    فقلت: يا أبا محمد ما الذي أبكاك؟
    قال: أي مصيبة أعظم من أن يؤمّل فيك رجل خيراً فلا يصيبه» (3)
    قلت: سبحان الله، إنه لشعور رقيق جداً.
    الدينار: هكذا فكن، واستغل مواسم عمرك، ولا تفرط في شبابك حتى يضاعف الله أجرك.
    قلت: وهل هناك فرق بين من يتصدق في شبابه أو في هرمه؟
    الدينار: نعم فقد «جاء رجل إلى النبي [ فقال: يا رسول الله: أي الصدقة أعظم أجراً»؟.
    قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر» (2).
    ومعنى صحيح شحيح: «أي أن من يكون صحيح البدن فإنه غالباً يكون شحيحاً أي بخيلاً بالمال لأنه يجد للمال وقعاً في قلبه لما يأمله من البقاء فيحذر مع الفقر.
    وقال ابن بطال ولما كان الشحّ غالباً في الصحة فالسماح فيه بالصدقة أصدق في النية وأعظم للأجر بخلاف من يئس من الحياة ورأى مصدر المال لغيره» (4).
    قلت: والله لقد فتحت عليّ أبواباً كانت مغلقة، فجزاك الله خيراً.
    ثم عاد وقال: ولكن ألا تعتقد أنك فتنة في هذه الحياة الدنيا؟
    الدينار: بالتأكيد أنا فتنة فكم من عالم قد فتن بي؟
    وكم من زاهدٍ قد فتن بي؟
    وكم؟ وكم؟ كلهم كانوا صرعى الدنانير والدراهم، وإنك لترى أحياناً بعض الدعاة ملتزمين بالسنة في الملبس والمشرب ولكنهم لا يتحملون بريق الدينار، ولا صوت الدراهم.
    قلت: وكيف ذلك؟!. وأنت تقول أنهم ملتزمين!!
    الدينار: إنها الفتنة يا صاحبي. فإنك لم تبصرها بعد.
    وأسمع إلى قول الشاعر يصف ذلك:
    لا يغرنْكَ من المرء قميص رقعه
    أو إزارٍ فوق عظم الساقِّ منه رفَعَهْ
    أو جبني لاج فيه أثر قد خلعه
    أرِه الدرهم تعرف حبه أو ورعه
    قلت: صدقت يا دينار، أسأل الله أن يغنيني ولا يفتنّي.
    الدينار: والآن إدفعني إلى هذا الفقير حتى يحبك الله، وأكون سبباً في إطفاء غضب الله عليك، ويجازيك على ما فعلت.
    قلت: حسناً.
    ثم جلس بقرب الفقير، ووضعت يدي على صدره، وقلت له: يا هذا.. يا هذا.. فقام فزعاً وفتح عينيه.
    فقلت له: لا تخف إني رجلٌ محسن، وهذا دينار فخذه ليعينك على نوائب الدهر.
    فجلس ورفض أن يأخذ الدينار وقال: أنا لست متسوّل..
    قلت: أعرف ذلك، ولكنه في حاجة إلى المال.
    فأخذ مني الدينار وقال: جزاك الله خيراً.. ثم أخذ يردد:
    إجعل المال إلى الله زاداً
    واجعل الدنيا طريقاً وحسراً
    إنما التاجر حقاً يقيناً
    تاجرٌ يربح حمداً وأجراً
    الهوامش:
    1- بهجة المجالس ج1 / 195
    2- سورة التوبة / 34 - 35
    3- وفيات الأعيان (لابن خلكان ج2 / 393)
    4- رواه البخاري في فتح الباري ج3 / 221) دار احياء التراث - بيروت
    5- فتح الباري ج3 / 221 بتصرف) دار احياث التراث - بيروت
    6- مكاشفة القلوب (للغزالي) / 111 حققه أبو زينة - دار الشعب بالقاهرة
    7- شرح ديوان أبو العتاهية /



    جاسم المطوع ..


    اشتقت لك كثيرا يا ألق .

    لو كنت شاعرة ما بخلت به عليك ولقلت فيك أبياتا خيرا مما قاله كثير عزة ، وامرؤ القيس
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: حوار .. 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية يوسف أبوسالم
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المشاركات
    1,531
    معدل تقييم المستوى
    19
    الجمانة
    مساء الورد

    رائع ما سطرته هنا من حوار
    مثل هذه الوقفات
    تعيد المرء إلى ضميره
    وتقوي حسه بالعدالة الإجتماعية
    وتزيد ارتباط الإنسان بربه
    مثل هذه الوقفات
    تقول للإنسان رويدك
    لا تأخذنك الدنيا بزخرفها
    ولا يغرنك بالله الغرور

    روحك الطيبة هي التي قدمت حوارا من معدنها
    وشفافيتك هي التي وشته بعطر تقوى الكلمة
    ومسك روح وريحان الإحساس بالعدل
    بارك الله بك وحولك
    فابقي كما أنت
    حفظك الله



    يوسـف أبوسالم - الأردن
    الموسيقى هي الجمال المسموع


    مدونة الشاعر م.يوسف أبوسالم
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: حوار .. 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    الجزائر
    العمر
    36
    المشاركات
    18
    معدل تقييم المستوى
    0
    مع تحفظي على بعض المعاني التي حواها..... ولكنه مقبول حسن وفقك الله للخير...من هو قائل الابيات من فضلك؟
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد: حوار .. 
    ...... الصورة الرمزية د.ألق الماضي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    الدولة
    بين الكتب
    المشاركات
    10,196
    مقالات المدونة
    12
    معدل تقييم المستوى
    31
    الجمانة...
    زادك الله حبا للخيرات...
    استفسار:
    هل المقصود سفيان بن عيينة؟!...

    ألقٌ من السِحرِ ..أم سِحرٌ بـهِ ألقُ
    وفي حروفِكِ يأتي البدرُ والشـفقُ
    وحِـسُ قلبِكِ أثْـرَىَ لحنَ أغنيتي
    فصـار قلبي على كفَّـيْكِ ينطلقُ
    أأكتبُ الشّـِعرَ أم أُهـديكِ قافلةً
    من الورودِ عليها القلبُ والحَـدَقُ
    ورمزُ اسمـِكِ مكتُوبٌ على شَفَتي
    من قبلِ أن يُولدَ القِرطاسُ والوَرَقُ
    ثروت سليم
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد: حوار .. 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية الجمانة
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    الدولة
    في فيء المحبة..!
    المشاركات
    806
    معدل تقييم المستوى
    17
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يوسف أبوسالم مشاهدة المشاركة
    الجمانة

    مساء الورد

    رائع ما سطرته هنا من حوار
    مثل هذه الوقفات
    تعيد المرء إلى ضميره
    وتقوي حسه بالعدالة الإجتماعية
    وتزيد ارتباط الإنسان بربه
    مثل هذه الوقفات
    تقول للإنسان رويدك
    لا تأخذنك الدنيا بزخرفها
    ولا يغرنك بالله الغرور

    روحك الطيبة هي التي قدمت حوارا من معدنها
    وشفافيتك هي التي وشته بعطر تقوى الكلمة
    ومسك روح وريحان الإحساس بالعدل
    بارك الله بك وحولك
    فابقي كما أنت
    حفظك الله


    بورك مرورك المشرق أستاذ يوسف ...


    دمت بخير ..


    اشتقت لك كثيرا يا ألق .

    لو كنت شاعرة ما بخلت به عليك ولقلت فيك أبياتا خيرا مما قاله كثير عزة ، وامرؤ القيس
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. حوار الطرشان
    بواسطة السيد مهدي في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 13/12/2014, 10:57 PM
  2. الوعي العربي .حوار اديان ام حوار للطرشان
    بواسطة علاء ابراهيم في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21/11/2008, 05:17 PM
  3. حوار
    بواسطة كريم محسن في المنتدى الشعر
    مشاركات: 29
    آخر مشاركة: 22/08/2008, 12:28 AM
  4. حوار مع جثة
    بواسطة محمد سرحان في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 22/07/2008, 11:47 AM
  5. حوار..
    بواسطة ابو مريم في المنتدى إسلام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 02/05/2008, 09:43 AM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •