الظاهرة الثانية التي لفتت نظري ، وشدت اهتمامي .. يوم زرت Universal Islamic School
(المدرسة الإسلامية العالمية ) وفيها 675 (ستمائة وسبع وخمسون ) ما بين طالب وطالبة ، نصفهم ـ تقريباً ـ من البنات ، ومثلهم من الذكور . وصفوفها تتدرج من المرحلة الابتدائية إلى نهاية المرحلة الثانوية . والدراسة منفصلة ، لا يختلط الطلاب والطالبات في الفصول ، ولا في الفرص ، ولا في الصلاة الجماعية ، ولكل منهم باب مستقل .
تتميز هذه المدرسة بميزات ، ليس لها نظير ، لا في العالم الأمريكي ، ولا في معظم الدول العربية .
1 ـ يحمل الطالب أو الطالبة معه طعامه للغداء ، أو يشتريه من مطعم المدرسة .
2 ـ في ساعة معينة يتوقف التعليم ، ويتهيأ الجميع ـ طلاباً وطالبات ـ لصلاة الظهر جماعة .
3 ـ تظل الدراسة من الساعة الثامنة صباحاً إلى الرابعة مساء ، ولا تتوقف إلا للغداء والصلاة .
4 ـ معلمات المدرسة متحجبات حجاباً إسلامياً كاملاً ، وهن الأسوة الطيبة والحسنة لجميع الطالبات .
5 ـ لا يسمح لأي طالب أو طالبة بالتقصير ولا بالرسوب ، وتلاحقه المدرسة في بيته للدراسة والنجاح والتفوق .
6 ـ ليس هناك راسب في امتحانات الشهادة الثانوية ..
7 ـ الدروس الدينية مفروضة في منهاج جميع مراحل الدراسة .
في كثير من السنوات تقدم وزارة التعليم الأمريكية في إيلينوي ـ شيكاغو ـ شهادة بالتفوق ، وشكر إدارة المدرسة على رفعة درجات طلاب هذا المعهد في الشهادة الثانوية ، وحسن سلوك طلابها ، وسمو سلوكهم خارج حدود المدرسة .
وكثيراً ما يقبل بعض طلاب هذا المعهد في جامعة هارفاد ـ وهي أعظم جامعة في الولايات المتحدة ، ولا تقبل إلا فطاحل المتفوقين ـ بسبب كمال تحصيلهم , وعلو درجاتهم في الاختبارات .
وقد يتبادر إلى ذهن بعض من يقرأ هذه المعلومات عن المدرسة بأن مدير المدرسة أو صاحبها يجني القناطير المقنطرة من الأموال والأقساط التي يدفعها المنتسبون .. كما هو الشأن في معظم المدارس الخاصة ، وفي جميع الأقطار العربية .. كما يظن أنه من أصحاب الملايين والأغنياء والمترفين ..
والعكس هو الصحيح .. فصاحب المدرسة ، وهو الذي سعى لترخيص المدرسة ، وهو الذي رسم منهجها ، وأسلوب الدراسة فيها ، والغاية منها ..
كان هذا الرجل متفانياً في خدمة الإسلام والمسلمين في بلاد الغرب ..
ومن أهداف المدرسة ـ كما يقول ـ إنقاذ جيل إسلامي يعيش في الولايات المتحدة ، ويخشى عليه من الذوبان والانحلال ، والتأثر بتعاليمَ غير التعاليم الإسلامية ..
لم تكن المدرسة للربح المادي أبداً ، بل العكس هو الصحيح ، فالمدرسة تخسر في كل عام وتخسر ، ويدفع هو من جيبه الخاص كل ما يكمل تكاليفها بكامل عددها وعدتها ..
إنه
أستاذ في جامعة إيلينوي ،
ومختص بالجراحة العصبية والنخاع الشوكي ، وله نظريات وأبحاث في بعض الأمراض العصبية ، نال عليها الامتياز ، وسجلت باسمه من المكتشفات .. وتدرس نظرياته في جميع المعاهد الطبية في العالم ، وبمختلف اللغات ...
من ذلك مثلاً :
المرض الخبيث الذي أعجز اليابانيين عن معرفة سره وأصله .. فقد لا حظ اليابانيون أنهم يصابون بضعف في إحدى يديهم أول الأمر ، ثم يمتد هذا الضعف قليلاً قليلاً حتى يستولي على اليد كلها ، ثم يتنقل من يد إلى أخرى ، ثم يغدو المصاب في آخر الأمر مشلولاً ، لا يستطيع تحريك يديه .. ويكثر المصابون به ، وتنتشر هذه الآفة بين اليابانيين .. بشكل خاص .. كأنها الوباء ..
وكم حاول الأطباء في اليابان ، وفي معظم دول العالم معرفة هذا السر ، فلم يصل أحد إلى جواب .. وكان من جملة من عكف على دراسة هذا
المرض العصبي الذي اسمه ( مويا مويا ) الطبيب المسلم
عبد الرحمن شيخ أمين.. واسمه المعروف في أمريكا : عبدول أمين ـ
وظل زماناً طويلاً في المخابر والتحاليل ، والنظريات والافتراضات .. وظل يتعامل معه ، تحويلاً ، وقطعاً ، ووصلاً .. ويجري التجارب على فئران المختبر وجرذانه .. ويقضي الليالي ذوات العدد لا ينام فيها ، ولا يغمض له جفن .. إلى أن عرف السر ، وأمسك بالعصب الذي يسبب المرض الملعون ، وهو أدق من الشعرة بكثير .. وعرف سره ، ووصل إلى الطريقة التي تعالج داءه .. وآذن الله أن يكون على يديه الحل الناصع .. وابتهجت اليابان بمعرفة الداء والدواء ..
وشاعت نظرية الدكتور ( أمين ) في جميع كتب العالم الطبية .
من دخل هذا الرجل من الجامعة ، ومن العمليات الكبيرة في الدماغ ، والنخاع الشوكي ، والأعصاب ، والسرطانات .. تتجمع بين يديه أموال ، بعضها ينفقها على أسرته ، وبعض آخر ـ وهو كبير ـ يرصده لخدمة الإسلام والمسلمين ـ فهو يدفعه ـ بكل طواعية ومحبة ـلاستمرار قيام المدرسة في الواجب الإسلامي الذي نذر نفسه لله فيه .
والآن ! وبعد هذا التصوير الواسع ، والشامل ، لهذه المجتمعات الإسلامية التي تسكن في الغرب الأمريكي ، وتتصرف تلك التصرفات التي يرضى الله عنها ورسوله الكريم ، والخلق الإسلامي الرفيع ، والمثل العليا .. في بلاد الغرب صورنا وضعها ، وأوضاعها ، والمخاطر التي تصيب المرء في الاقتراب منها ومعاملتها ، أو موافقتها ..
ألست على حق حين أقول : هؤلاء القوم يعيشون في قلب النار ، ويقبضون على الجمر .. أفلست محقاً بهذه الاستعارة من الصورة النبوية يوم عنونت مقالي : القابضون على الجمر ؟
حلب المحروسة
22/9/1429هـ بكري شيخ أمين
22/9/2008 م