أمْرٌ بَسيطٌ
... فما إن كاد يفرغ من التحدث إليهم منبها إياهم إلى خطب جلل قادم، حتى بادروه جميعا قائلين بلسان واحد: ذاك أمر بسيط ...
لم يشاطرهم الرأي منذ البدء في الذي أتاهم به منبها وأفاض فيه مسهبا، إذ كان موقنا بما ينطوي عليه من خطر زاحف، وغير مرتاب في سائر ما يفصح عنه من ضرر داهم، ولم يكن في الآن ذاته مخدوعا بالبراءة التي يوهم بها ظاهره، ولا مصدقا بالسذاجة التي ينطق بها لسانه ...
ظل يراه ثعبانا في لذغه السم الناقع والعطب، وطوفانا قاتلا يزحف دون كلل أو ملل، لا ينال منه النسيان ولا النصب، لكن الآخرين حسبوه سعدانا في تجاهله الراحة التامة والأدب، فناموا ملء جفونهم وعلى غفلتهم دأبوا، وأما هو فقد أقض الأرق مضجعه من شدة الانشغال بالأمر وكأن جسمه علق به الجرب ...
مكثوا يشيحون عنه بأذهانهم كلما عاد إلى تنبيههم، فصموا بغرورهم آذانهم وبجهلهم حلقوا، بعد أن يذكروه بقولهم: ذاك أمر بسيط، فلم لا تصدق؟ وظنوا أنهم بالحكمة البالغة قد نطقوا ...
ثم إن الخطر الجارف ظل يزحف ويزحف إلى أن هجم عليهم بغتة وهم غافلون، وفتك بهم غاية الفتك وهم ينظرون، وكان بطشه شبيها ببطش المجنون، فذاقوا وبال أمرهم إذ لم يقدروا ما حدثهم به أخوهم مرارا حق قدره، وتجرعوا مرغمين ما حسبوه أمرا بسيطا في حجمه ...


د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي