الأَبْكَمُ
... وإذا بكف غليظة باردة تعصف بخده الأيسر، وكأنها قطعة قدت من حديد أو جليد، إذ كانت كافية لتفقد الرجل توازنه، بقدر ما كانت وافية مزلزلة لتبعث في جسده النحيف قشعريرة لم يذق لطعمها مثيلا من قبل…
كادت تلك الصفعة العاصفة أن تطمس ملامح وجهه، ولم يكن بسببها، وقد سقط مغشيا عليه بين أرجل الكراسي والطاولات، في منأى عن الهلاك، وعلى الرغم من هذه الحال القاسية، وبالرغم مما وصل إليه الأمر بين الرجلين، لم تكن تلك الكف المرسلة بقوة على خد الرجل كافية لتشفي غليل ذي اليد الباطشة، ولا وافية لتطفئ نار غيظه المتوهجة …
إرتمى عليه ببدنه الثقيل، وانهال على وجهه الضامر لكما بقبضتي يديه، وقد جحظت عيناه وانقبضا فكاه، وتلاحقت متقطعة أنفاسه وانتفخت أوداجه، وعرق جبينه تصبب وتطاير من فمه لعابه …
تكلم حتى أراك .. أتحسب أن السكوت من ذهب؟.. سأقتلع لسانك الذي تطمع أن تختبئ خلفه .. هيا تكلم وإلا أجهزت عليك أيها الحقير …
مات الرجل الأبكم في لحظة كانت زوجه وأولاده الصغار يترقبون بشوق كبير عودته إلى البيت بعد يوم طويل شاق من العمل …


د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

aghanime@hotmail.com