الفرس ليس أنثى الحصان
د. مصطفى علي الجوزو


لا أعرف من كان أول الجناة على كلمة (فَرَسْ ) فزعم أنها تدل على أنثى الحصان ، وبثّ

زعمَه في كتب الصرف التعليمية المختلفة ، عند الإستشهاد لما يكون لفظ مؤنثه مختلفا عن

لفظ مذكره ، كالمرأة التي هي مؤنث الرجل ( علما بأن المرأة مشتقة من المرء فهي مؤنثة

كما استنتج بعض اللغويين ) ، وكالنعجة التي هي مؤنث الخروف ( علما أن الخروف هو

الذكر من الضأن الذي لم يتجاوز عشرة أشهر ، ومؤنثه عند اللغويين ( خروفة ) ، وأن

النعجة هي أنثى الضأن والظباء والبقر الوحشي عامة ) ، وكالبقرة وهي أنثى الثور .


والحقيقة أن غاية ما يذهب إليه أهل اللغة والأدب ، هو التسوية بين تذكير الفرس وتأنيثه

كقول الجاحظ ( يقولون فرس للأنثى والذكر ) وكقول إبن الأنباري ..( الفرس تقع على

المذكر والمؤنث ) وأن كان في هذه التسوية نفسها نظر .

والأصح في رأينا ، أن يقال أن الفرس مذكر وقد يقع على الأنثى ، وأن الغالب أن يقال

حينئذ فرس أنثى ..!.................وربما اكتفى بعضهم بكناية أنثى كالجاحظ ، حين قال ..

( كان قيس بن عاصم المنقري على أنثى ، وكان الحوفزان على حصان ) .

وينسب كتاب الأغاني إلى عيينة بن حصن أنه قال لغلامه الذي أسرج له فرسا أنثى

( ويحك ، أرأيتني ركبت أنثى في الجاهلية فأركبها في الإسلام ..!) .

وزعم اللغوي المشهور يونس بن حبيب أنه سمع بعض العرب تقول ( فرسة ) ، أي أن

الفرس مذكر عندهم ، وأنهم يؤنثونه بزيادة التاء .

وبكلام آخر ، قلما يدل الفرس على أنثى إلا بقرينة ، تاء التأنيث أو صفة مؤنثة أو ما أشبه

ذلك ، لأن المذكر كما يقول سيبويه ..أّوّل وإنما يخرج التأنيث من التذكير ، ) .

فكل ما يستوي فيه التذكير والتأنيث الحقيقيان ينبغي أن يكون مذكره هو الأصل ، ومؤنثه

هوالفرع ، وإن كان سيبويه قد اضطرب في أمر الفرس بعض الإضطراب ..إذ أكد ابتداء

أن الكلمة للمذكر ، فجعلوها للمذكر والمؤنث ، واستشهد برأي الخليل في أن الفرس مذكر

شاركه المؤنث في لفظه ، وأشار في كلامه على العدد والمعدود أننا نقول ( خمسة أفراس)

إذا كان الواحد مذكرا ، يعني إذا كان الواحد فرسا ذكرا ، وأشار بعد ذلك ........إلى أنك

تقول ..ثلاث أفراس إذا أردت المذكر ، لأن الفرس قد ألزموه التأنيث ، وصار في كلامهم

للمؤنث أكثر منه للمذكر .

وهو كلام ملتبس ، ولا سيما أن إرادة المنشيء تذكير المعدود ، تقتضي تأنيث العدد المفرد ،

ولو كان المعدود مؤنثا في الأصل ، فكيف إذا كان أصله مذكرا ..؟

والعادة اللغوية لا تلغي إرادة المنشىء ، فهو قد يخالفها ، فيخالف الأحكام الصرفية التي

تقتضيها ، والإستعمال لا يؤيد ما ذهب إليه سيبويه في قوله الأخير ذاك ، فمن أصل أربع

وعشرين مرة ذكر فيها الفرس ( في صحيح مسلم ) ، جاءت تلك الكلمة مذكرة عشرين

مرة ..! ومؤنثة أربع مرات فقط ، أي بلغت نسبة تذكيرها أكثر من ثمانين بالمئة ...!

بعد ترك المكررات .

ونجد النسبة نفسها تقريبا في رسائل الجاحظ ، ونسبة سبعين بالمئة تقريبا في كتاب الكامل

للمبرد ، وست وتسعين بالمئة في أكثر من ثلث كتاب الأغاني ، والمثل العربي يقول ....

( من أبوك يا بغل ..؟ قال خالي الفرس ..!! ) ....والخال ذكر .

ولذلك من حقنا أن نستغرب ما رواه أبو داوود في في باب الجهاد عن أبي هريرة وهو أن

الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كان يسمى الأنثى من الخيل فرسا ...وإن كانت الرواية

المذكورة لا تعني أنه لم يكن يسمي الذكر بمثل ذلك .

أما الحصان ، فهو الذكر الكريم من الخيل ، ثم أطلق على فرس ذكرا ، فهو مرادف للفرس

وليس الفرس أنثاه ، مع الفرق أن الفرس يدل على عامة الخيل ، على حين ...أن الحصان

يختص بذكورها ، ولا يشمل الإناث .

ولذلك قالوا للحاذق ..في ركوب الخيل ولا سيما في الحرب فارسا ، واشتقوا الفروسية من

ذلك ، ولم يقولوا حاصن ، لأن الفارس قد يمتطي الأنثى والذكر من الخيل .

ويفهم من كلام الجاحظ ، أن العرب إذا أرادت تفريق ذكر الخيل من أنثاها ، قالت حصان

وفي بقية خبر عيينة بن حصن المذكور آنفا والذي فيه استنكار لركوب الأنثى

( فأسرج له حصانا ..فركبه ) ، ولذلك تجدهم يقرنون كلمة الفرس أحيانا بالحصان ، كقول

الطبري ( وخرج فرعون على فرس حصان أدهم ..!! )

وكأن الحصان صفة دالة على الذكورة ، وأن عبارة ( فرس حصان ) تعني الفرس الذكر

وتقابل عبارة ( فرس أنثى ) . واللافت أن القدماء قلما استعملوا كلمة حصان وجمعها

حصنا ..، بل فضلوا عليها فرسا وأفراسا ، وجوادا وجيادا ، فنحن لا نجد إلا حديثين نبويين

ذكر فيهما الحصان ، وخلا كتاب سيبويه من ذكر الحصان كلية .

وفي كل ما رواه الجاحظ وقاله في البيان والتبيين ..لا ذكر للحصان إلا مرتين ، وكذلك في

كتابه ( البرصان والعرجان والعميان والحولان ) ، وحتى في كتابه الحيوان لم يذكر

الحصان إلا ثلاث مرات ، ولم يذكر المبرد الحصان في كتاب الكامل إلا مرة واحدة

وكذلك ابن عبد ربه في كتاب العقد الفريد ، ويذكر الطبري الحصان في تفسيره كله اثنتي

عشرة مرة لكن في الكلام على خيل فرعون فحسب،أما في سائر الكلام فيذكر الفرس

على أن كتاب الأغاني ، ذكر الحصان ست عشرة مرة ، ولكنه ذكر الفرس اثنتين وعشرين

مرة في قرابة ثلث صفحاته فحسب.

وقد ساوى أبو الطيب المتنبي وهو من الشعراء المحدثين كما هو معروف ، بين كلمة

حصان وجمعها ، وبين كلمة فرس وجمعها أيضا ، فاستعمل كلا منهما عشر مرات ، وهو

بذلك قد طور الإستعمال ، وآذن هو وأمثاله على ما يبدو بشيوع كلمة حصان فيما بعد ، حتى

كادت تغلب ، في عصرنا الحديث ، على كلمتي الفرس والخيل .

ولكن .....ماهي أنثى الحصان أو الفرس .....!!؟؟؟

ذاك هو السؤال الأهم .....إنها ( الحِجْرْ ) ...!! وجمعها حجور ...

قال الجاحظ ..مثلا في بعض رسائله ...

( وما يحمي الفرسُ الحصانُ الحجورَ في المروج ) .

وبين أيضا أن الكلمة تستعمل لتفريق أنثى الخيل من ذكرها ، لكن هذه الكلمة تبدو نادرة

الإستعمال ، ولا ريب أن العرب فضلوا عليها عبارة ( فرس أنثى ) .


عن مجلة العربي
العدد الأخير رقم 598
رمضان - 2008