د. فايز بن عبدالله الشهري
يمكنك تحليل شخصيتك الالكترونية وبكل بساطة من خلال حل معادلة ماذا أسمع وماذا أقرا وأشاهد (بصورة متكررة) على شبكة الانترنت وغيرها من الوسائط الالكترونية؟ ومادمنا بين يدي شهر "رمضان" ربما يحق لنا أن نتساءل ونسأل عن حقيقة مكوّنات شخصيتنا الالكترونية أو لنقل صورة مجموع تصرفاتنا في المجتمع العنكبوتي مع بقية خلق الله.
وهذا التساؤل ربما يعيننا في أجواء هذه الفرصة الروحانية لتعزيز ايجابيات هذه الشخصية أو محاولة تهذيب ما يستحق منها في موسم فريد لطهارة حواس المرء وضميره.

المشكلة أن هذه الشخصية الالكترونية ستكون (الثالثة) خاصة إذا سرنا مع القائلين بأن الفرد منّا يعيش مع نفسه ومع من حوله في حياته اليومية - مضطرا- (بشخصيتين) تكادان تتناقضان إذ تجد له شخصية عامة يلتقي فيها الناس ويجاملهم ويتصنع لهم مظهرا هذا (الوجه العام) لتحقيق توازنه الاجتماعي، وأخرى هي شخصيته (الوجه الخاص) التي تقترب من حقيقته وقناعاته التي تؤطر تصرفاته في منزله ومع أصدقائه وزملائه محاولا من خلالها تأكيد بعض توازنه الفردي.

وفي كل الأحوال فصورة شخصيتك الالكترونية أقل تعقيدا من الناحية النفسية على الأقل بالنسبة لك ومع هذا فلا يمكن تحديدها بطول ساعات استخدامك للانترنت فقط، ولا طبيعة الاستخدام وحدها، وإنما يمكن أن ترسم الكثير من ملامحها بدقة من خلال تكرار سلوك ما وتعزيز تصرفات بعينها وأنت خلف الشاشة. وتبرز بعض محددات هذه الشخصية بشكل أكثر وضوحا من خلال قائمة المواقع المفضلة التي تستهويك أو تستغويك للزيارة بشكل متكرر. كثيرون منا بعد سنوات من مرافقة الشبكة أقاموا شيئا قريبا من العلاقة شبه اليومية الحميمة مع مجموعة محددة من المواقع والمنتديات حتى باتت هذه المصادر المتجددة جزءا مهما من التركيبة الثقافية والتعزيز المرجعي لقناعات الفرد الفكرية ومحددا أساسا لكثير من التصرفات الشخصية التي نمارسها وندافع عنها.

والكلام هنا لا يعني بشكل مباشر (الممنوع المحرم) في غرف الدردشة الحمراء أو المواقع والتي لا يتصفحها الشخص إلا بعد أن يطمئن على إغلاق باب غرفته أو مكتبه وتجده يتلفت يمينه ويساره وخلفه فتلك قضية (خطيرة) أخرى وان كنّا - بحكم الاعتياد - نتعمد التهوين من شأنها في حين هي في سجلات دوائر الأمن أهم دوافع للجريمة وبالطبع هي في منظور علماء النفس مدخلا رئيسا لما يسمونه "الانحراف السلوكي" وهذه قضية أخرى.

أما في موضوع شخصيتنا الالكترونية فلم تعد المواقع الأكثر زيارة من قبلنا سرا كبيرا لا يعلمه أحد ، كما ولم تعد المراجع الفكرية والثقافية التي نتدافع عليها مجهولة عندنا، فحين تتفحص قائمة المواقع الأكثر جماهيرية بحسب كل دولة ولغة ستجد مؤشرات مصادر الفكر الاجتماعي الالكتروني، وصورة مستقبل فكر الأجيال القادمة واضحة الملامح. هذا على الأقل ما نراه مما تكشفه لنا ولغيرنا مؤسسات وخدمات رصد وتتبع نشاطات مستخدمي الانترنت مثل Alexa وغيرها.

وعلى سبيل المثال أيضا فان شركة Google تقدم اليوم للباحث والمحلّل العديد من المعلومات المفيدة لتشخيص وتحليل شخصية مستخدم الانترنت و مصادر الفكر الأكثر شهرة بين الناس. ويكفيك هنا تحليل قوائم العبارات والموضوعات الأكثر تداولا من قبل متصفحي الشبكة لدراسة اتجاهاتهم بحسب الدول واللغات وان أردت التوسع في رسم الخارطة الفكرية للشخصية الالكترونية فمعلومات وخدمات مراقبة سلوك مستخدمي الانترنت المتاحة كثيرة وما خفي منها أعجب وأعظم، وأكثر من هذا ومع تطور البرمجيات وخدمات شركات الاستضافة ستجد لو تأملت في أقسام بعض هذه المواقع سهولة الوصول إلى عناوين الموضوعات الأكثر قراءة وتعليقا وتبادلا بين زوار الموقع لتقدم لك كل المؤشرات المهمة حول اتجاهات شخصيتنا الفكرية ونحن في الفضاء الالكتروني وخارجة.

مسارات

دعا في رمضان ومضى: اللهم امنحني (قلباً أتقى)، (وضميراً أنقى)، (وعقلاً لا يشقى).
المصدر