جاسم الرصيف
ــــــــــــــــــــــــــــ
صراع النفوذ في العراق ( 1-3 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الواضح ، للعراقيين قبل غيرهم ، ان جون مكين ، مرشح الحزب الجمهوري لرئاسة اميركا ، مع كثرة من السياسيين والصحفيين الأمريكان : ( لايفهمون الإ ّ القليل عن الدور الذي لعبته أيران في العراق خلال السنتين الأخيرتين ) ، و يرى الخبير السياسي البريطاني ( باتريك كوكبرن ) بهذا الشأن مايراه العراقيون تماما ، كما يرى ايضا ، و نرى نحن ، ان في الأمر ( مفارقة ) في : أن تدعم أيران وأميركا في آن حكومة المالكي ، وفي ذات الوقت تتنافسان معا على فرض النفوذ على هذه الحكومة وعلى الشعب العراقي .
وهذا التنافس بين أيران وأميركا ، على ( روح وقلب ) هذه الحكومة ، يفسر تذبذب مواقفها بين رغبة أيرانية في ترحيل القوات الأمريكية عن العراق بأسرع وقت ممكن للحلول بديلا مباشرا عنها لإستكمال الدور الأيراني مع دول ( الجوار ) العربي ، كما يفسر الردود المائعة المهادنة ، وحتى المتناقضة في بعض المرات ، من هذه الحكومة لاميركا الراغبة في عدم الإعلان عن هذه الجداول لأسباب عسكرية وسياسية وقرنتها بالمفتاح السحري الذي سمّته : ( تطورات الموقف على الأرض ) .
وجملة ( التطورات على الأرض العراقية ) تعني الكثير ، ومنه : نفوذ أيران المتنامي في العراق ، الذي يهدد إسرائيل عن مقربة من العراق ، كما أن هذا التنافس المثير للسخرية ، بكل تأكيد ، بين عدوّين ظاهرا ( وصديقين باطنا ) لمعظم العرب يفسر سرّ التطبيع العربي البراغماتي السريع مع حكومة المالكي ، من حيث ان الحكومات العربية ( تعلمت ) بعد درس إحتلال العراق وخرق عذرية الأمن العربي كلّه من جراء ذلك : ان أيران باقية ، ومن الأفضل كسب ودّها ( لامحال ) ، والقوات الأمريكية راحلة على أية حال .
و( عدم فهم ) مرشح الحزب الجمهوري جون مكين ، واكثرية القادة الجمهوريين ، ومعهم بعض الساسة الأمريكان ، للدور الأيراني في العراق سيوقعهم في مطب خطير ، كما يرى كوكبرن ونرى ، اذا فازوا برئاسة اميركا وتصرفوا على وهم ان : ( واشنطن هي صانعة القرار الوحيدة في العراق ) ، إذ سيواجهون ( بحرب جديدة ) نعرف انها أيرانية الطابع بإمتياز إقليمي هذه المرة ، وعلى الساحة العراقية فقط !! .
لأن أيران لن تسمح بأي ( تهميش ) أمريكي لدورها في صنع القرار بإسم المالكي المسنود بشخصيات أيرانية قيادية في حكومته التي إنتحلت صفة عراقيه ، ولن تسمح بضياع إمتيازها ( التأريخي ) ، الذي تراه ( معجزة ) ، من مجاورة مباشرة للكويت والسعودية والأردن من خلال حكومة المالكي ، ومن إحتلال مباشر لجزر الإمارات العربية الثلاث : طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى ، فضلا عن البطش المستمر والتفرقة العنصرة بحق عرب الأحواز .
يرى كوكبرن في تقرير له نشرته شبكة ( كاونتر بنج ) الأمريكية ان السياسيين ، الجمهوريين بشكل خاص ، والصحفيين الأمريكان يهملون حقيقة : ( ان هناك ثلاثة حروب ، وليست حربا واحدة ، تجري في العراق منذ سنة 2003 ، أولها : حرب العرب السنة ضد الإحتلال ، وثانيها : الحرب بين الشيعة والسنة للإستيلاء على الحكم ، وثالثها : الحرب بالوكالة بين اميركا وأيران لتقرير من سيكون الأكثر نفوذا في العراق ) . وكما نرى كعراقيين ان هذه الحروب ، اذا سلمنا جدلا بصحتها حسب كوكبرن ، هي حروب طاحنة من أجل السلطة وفرض النفوذ بين كل هذه الأطراف .
والخلل واضح في التشخيص الثاني للخبير البريطاني كوكبرن الذي ذكرفيه وجود ( حرب بين الشيعة والسنة للإستيلاء على الحكم ) . وحدود هذا الخلل هي :
اولا : ثمة رفض شيعي عربي للإحتلال مغيّب ، وبشتى الوسائل ، عن الساحة الإعلامية والمسرح السياسي في العراق وخارجه مذ بدأ الإحتلال وحتى اليوم .
ثانيا : ثمة تغييب سياسي متعمد للمراجع الدينية والعشائرية والسياسية الشيعية العربية العراقية الرافضة للإحتلالين الأمريكي والأيراني وسلطوية تجار الحروب الأكراد المستمدة من هذين الإحتلالين .
ثالثا : خلق الإحتلالان فرق موت صنعت مسرحا زائفا لحرب طائفية بين الشيعة والسنة وفق مبدأ ( فرّق تسد ) الذي إلتزمت به كل الأطراف التي تؤسس للإحتلال طويل الأمد : الأمريكية ، البريطانية ، الأيرانية والكردية .
رابعا : أجمعت كل الشخصيات الشيعية والسنية ، الوطنية ، التي لم تلوث أياديها وجيوبها بدماء العراقيين وأموالهم المنهوبة ، الاّ حرب طائفية في العراق بين الشيعة والسنية منذ بداية الإحتلال وحتى كتابة هذا المقال ، ومازالت تؤكد ذلك في ادبياتها .
خامسا : هذا لاينفي ظهور طموحات شخصية لاترتقي الى مستوى روح المواطنة لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب من الحكم ، وربما بنى الخبير البريطاني إجتهاده في وجود مثل هذه الحرب على هذه الحقيقة التي لاتمثل الروح العراقية كما نعرفها ونفهمها .