الجحود
... فوجد نفسه ذات مرة في جمع كبير، وبين وجوه تفيض له بالشكر والاعتراف بالجميل، وأخرى لا تدل تقاسيمها إلا على البغض والحقد الأكيد، ولا توحي إليه سوى بالنكران والتجاهل والحسد الدفين...
نظر إليهم مبتسما، فلسعوه بأعينهم مقطبين، ولما بادرهم بأتم السلام غير مكترث بعبوسهم في وجهه، لم يبادلوه ذات التحية، وازدادت وجوههم تجهما وإعتاما، وكأن بينهم وبينه عداوة قديمة متجذرة، أو فرقهم خصام شديد عنيد...
نظر إليهم ثانية مستغربا، وما إن أيقن منهم الكره، وتعذر عليه معرفة أسبابه وأصوله، حتى صرفوا أنفسهم من المجلس، وقد ضاقت صدورهم بوجوده بينهم، وإذا بالمكان قد استرجع أنسه بمن هم أهل له، وإذا به صار فسيحا بعد أن ضاق بهم، وكأنهم دخان كثيف أسود قد أطبق على أنفاسه، أو ليل بهيم كدر صفو إصباحه...


د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

aghanime@hotmail.com