من حكايات التراث الشعبي الفلسطيني
القروش الستة
على لسان الآباء والأجداد
بحث وجمع وإعداد
أ . تحسين يحيى أبو عاصي
فلسطين
كان يا ما كان ، يا سعد الكرام ، يا مستمعي الكلام ، في يوم من الأيام ، على مرّ الدهور والأعوام ، وعلى رسول الله أزكى الصلاة والسلام .
كان يعيش في بلاد الله الواسعة ملك ، وكان له وزير يخرج بصحبته كل يوم ؛ لتفقد الرعية ، وفي يوم من الأيام خرج الاثنان متخفيين ؛ يتفقدان الرعية ، فوجدا في طريقهما رجلا يصنع ركابا وسُرُجا للخيول .
قال الملك : السلام عليكم يا رجل .
رد الرجل السلام .
سأله الملك : كيف عملك ؟ وكم تكسب كل يوم ؟
قال : الحمد لله مستورة بستر الله ، ففي كل يوم أربح ستة قروش .
سأله الملك : كيف تتصرف بالقروش ؟
قال الرجل : قرشان أدخرهما ، وقرشان أسدهما دينا كنت قد اقترضته ، وقرشان ألقي بهما في الهواء .
قال الملك للرجل : اسمع يا رجل أوصيك ألا تبيع بثمن رخيص .
قال الرجل للملك : لا توصي رجلا حريصا .
عاد الملك ووزيره إلى القصر، وطلب من وزيره أن يفسّر له قول التاجر حول القروش الست ، وأمهله أربعاً وعشرين ساعة ، وإلا قطع رأسه .
خرج الوزير من القصر حزينا ، هائما على وجهه ، ينتظر القتل ، وذهب إلى بنت له تسكن بجوار القصر؛ يشكو إليها همومه وتخوفه ، كانت بنته ذكية ، هدأت من روعه ، وطلبت منه أن يذهب إلى التاجر الذي حكى للملك عن القروش الست ، وفي الصباح الباكر، وقبل طلوع الفجر ، وقف الوزير على باب دكان التاجر، منتظرا قدومه ومن ثم سؤاله ، وعندما جاء التاجر، أسرع إليه الوزير سائلا : لقد اختلفت مع الملك في تفسير معنى القروش الست ، فهل لك أن تفسر لي ذلك ؟
قال التاجر : نعم ، وثمن تفسير كل كلمة كيسا ممتلئا بالذهب ، فإن دفعت الثمن فسّرته لك ، وإن لم تدفع الثمن لم أُفسّره لك .
دفع الوزير للتاجر ثلاثة أكياس من ذهب ؛ ليفسر له الكلمات الثلاث .
قال التاجر : أما القرشان اللذان أدخرهما ، فأنفقهما على أبنائي ، لعلهما يسداني في كبري .
وأما القرشان اللذان أسد بهما دينا ، فلأمي وأبي ، أحسن إليهما في كبرهما ، كما أحسنا لي حيث ربياني صغيرا .
وأما القرشان اللذان ألقي بهما في الهواء ، فعندي أربع من البنات ، أربيهن وأصرف عليهن ، ومصيرهن إلى أزواجهن .
عاد الوزير إلى الملك قبل أن يمضي الوقت الذي حدده له الملك ، وأخبره بالإجابة .
سأل الملك الوزير : بكم اشتريت الإجابة ؟
قال الوزير : لم أدفع شيئا ، ولم أشترها من أحد .
علم الملك أن وزيره اشترى الإجابة بثلاثة أكياس من الذهب ، وقال : إنني أوصيت التاجر ألا يبيع برخيص . !!!
اخرج من عندي أيها الوزير، فأنت لا تصلح أن تكون لي وزيرا ، وسيكون التاجر وزيرا لي بدلا منك .
قال الوزير : أنا لا أتنازل عن وزارتي بسهولة ، وأشترط أن تأتي بالتاجر إلى هنا واسأله أمامك سؤالا واحدا ، فإن أجاب عليه ، فإنني سأتنازل عن الوزارة وإن لم يجب عليه سأقطع رأسه .
وافق الملك ، وأمر خدمه وجنوده بإحضار التاجر إلى القصر فورا ، أحضر الخدم و الجنود التاجر، ومعه أكياس الذهب الثلاثة التي دفعها الوزير ثمنا للإجابة .
وعندما وقف التاجر بين يدي الملك سأله قائلا : ألم أوصك ألا تبيع برخيص ؟
قال التاجر : ألم أقل لك لا توص حريصا . لقد بعت الإجابة بهذه الأكياس الثلاث .
قال الملك أنت الآن ستصبح بعد قليل وزيرا في قصري ، إن استطعت الإجابة عن سؤال الوزير أو قطع الوزير عنقك .
سأل الوزير التاجر : أين نصف الدنيا ؟ .
قال التاجر : أعطني الأمان يا ملك الزمان .
قال الملك لك العهد والأمان .
مسك التاجر باكوَرهُ (أي عصاه التي يتكئ عليها ) ومشي إلى منتصف قصر، الملك ووضع عكازه على نقطة وسط القصر، وقال : هنا يا ملك الزمان نصف الدنيا .
قال الملك : كيف ؟
قال التاجر : قِس المسافة إن لم تصدق يا ملك الزمان .
قال الملك أنت منذ الآن وزيرا في مملكتي .
*****

زيارتكم لمدونتي وتعليقاتكم عليها شرف كبير لي
www.tahsseen.jeeran.comمدونتي : واحة الكتاب والأدباء المغمورين
tahsseen.maktoobblog.com قلب يحترق في واحة خضراء