المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يوسف أحمد
تأوّهات على جمر الصبر
شعر يوسف أحمد- فلسطين
قفي المطيَّ على أطلال منزله = وأسمعي الشوقَ إن الصمتَ يُفزعُهُ
ولترقمي بدموع العين قصته = فكم جرت بربوع الدار أدمعُه
ما زال يؤنسه وُدٌّ ويوحشه = بُعْدٌ ويدهمه خوف يروّعُه
والله يشهد كم فاضت جوانحه = بالبشر إذ كان من عينيك مطلِعُه
وكان في صبوات العمر مضطلعا = بالحلم تبني قصورَ السحر أضلُعه
لا يأس يغزو، فمن ضرع الضريع غدا = يرجو وتحتلب الآمالَ أصبعُه
وأخلص الودّ مذ كبَّلتِه فغدا = من سحر عينيك نهرُ الودّ منبعُه
كم راودته خيالاتُ الهوى فبنى = منها حياة ببيت راح يرفعه
رآك حورية العمر التي قُدِرت = له عروسا من الآهات تنزِعُه
حيث السكينة في جفنيك أغنية = يرنو لها رغم طول الصمت مسمعُه
وكم تصوّر أبناء له نسلوا = من صلبه الغضّ في روض يساجعه
يهفو إلى عشّه الورديّ تملؤه = زغبُ الحواصل تغريدا ترجّعُه
وهدهدت طفلةَ الأحلام بسمتُه = وهزهزت مهدها السحريّ أذرُعُه
لكن تقوضتِ الآمالُ مذ زحفتْ = مخاوفُ العقمِ فاهتزتْ مضاجعه
سبع عجاف وما من طفلة صرخت = من رحم زوجٍ ولا لاحت ودائعه
ولا الطبيب الذي يرجوه يسعفه = ولا المشافي التي راحتْ تتابعه
سبع عجاف وما من بهجة سنحت = إذ يقصف الدهر ما قد كان يزرعه
والان لا بسمة الماضي ترادوه = ولا الطيور التي رفّت تُمَتِّعه
ولا الأمان تغشّى قلبه قمرا = من بعد أن راحت الأحزان تقرعه
فبيته الوادع المسكين مقبرة = وروضه اليانع المخضلّ يصفعه
فكيف يحيا بلا طفل يعانقه = إذ يدخلِ البيتَ أو طفلٍ يشيّعه
وكيف يضحك والألعاب قد وقفتْ = على الرفوف بلا لطف تقطّعه
وكيف يبصر والأركان مظلمة = من غير طفل يضيء البيتَ مطلِعه
" لا تعذليه " إذا فاضت محاجره = فثورة الحزن في الأضلاع تسفعه
ضاق الفضاء فلا الآفاق مشرعة = على الحياة ولا الأحلام تدفعه
ما راح من ألم إلا إلى ألم = يكاد يقتله لولا تضرُّعه
يرى الصغار فيذوي غصن فرحته = ويستبد به يأس يضعضعه
فبسمة الطفل في جنبيه طعن مُدى = وصرخة الطفل في الحارات تُوجعه
مدي إليه يدا بالرفق حانيةً = فلست وحدك من ضاقتْ أضالعه
ولست وحدك من هدّته جائحة = ولست وحدك من فاضت مدامعه
أتطلبين صكوك الهجر صارمة = من القضاء لعلّ الحُكْمَ يخلعُه
أتنشرين كتاب السرّ باسمة = أليس يكفيه أهوال تفجّعه
أليس من حقه أن تصبري زمنا = فربَّ صبر يواسيه وينفعه
لا تذبحيه بسيف الهجر ناكثة = عهدا توثق بالأيمانِ أجمعه
فقدرة الله أعطت مثله ولدا = من بعد يأس طغى في القلب يصدعه
واستذكري قدرة الرحمن إذ منحت = "يحيى" لمن طال في الأقصى تخشّعه
ما زال في الطب آمال تراوده = وفي إرادة ربِّ الكون مطمعه