إلى كل من ترك العراق كرها أو طوعا
واليكِ يا أختاه


هو العراق



وتسألني عن العراق


يأتيني صوتها من بعيد


حزينا كدجلة


صافيا كالسماء


أترى هل أنستها الغربة


جسرنا المعلق وشارع الرشيد


وطريق مدرستنا


أخطاء أولى صلاتنا


تموزنا


اذارنا


سطح بيتنا..... جيراننا


أما زال بيتك يا أختاه دافئا


مثل صوت جدتنا


مثل أخر عناق


ثم تسأليني عن العراق




أتذكرين عندما كنا صغارا


يوم كنا نلعب


كنا نعتلي تلة


ظنناها جبلا


لم تكن براءة أطفال فحسب


بل أن كل شيء في بلدي


كان عاليا..... وغاليا


التلال... والنفوس... والجباه


ولكن أين منا تلك الأيام


هل هي حلم انتهى


أم كابوس قد استفاق


ثم تسأليني عن العراق




التقيتُ مرة امرأة عجوز


كانت في الثمانين


قد خط الدهر في وجهها ألف جرح


غطى وشمها الحزين


بكت وناحت


وتحسرت


وقالت يوم جفت الاهوار


جف الحليب في صدور الأمهات


أتدرون كم رضيعا بكى


وكم ربيعا فينا قد مات


فلا تسألوني عن العراق




نعم نحن كسرنا أختام البابليين


وعزفنا انشز الألحان


على قيثارة سو مرية


وسرقنا ألواح الآشوريين


يوم سكن الجوع تنور الطين


لأيام طويلة


لسنين


لم يقولوا يومها جياع


قالوا سُراق


ثم تسأليني عن العراق




يوم ذبحوا حلبجة


لم تعقد قمم


ولم تهتز ذمم


قالوا هي كذبة


وان كانت فهي غلطة


ثم رددوا باستهزاء


من هم الأكراد وان قتلوا


بقايا تتر... غجر


إنهم غرباء


يومها بكى شط العرب


واتشحت بالسواد الكحلاء


لقد كان الفراق


ولكن أي فراق


ثم تسأليني عن العراق




سألت الجنوب يوما


متى تكف عن الأنين


قال يوم يعود حمد


ولكن ألا يدري


ألا يسمع


أن حمد قد مات


وضاع الريل


وجف الهيل


يوم صادروا منه مواسم الحصاد


يوم كن كالخراف للموت نساق


فلا تسأليني عن العراق




سرنا وتدافعنا حفاة


لنلحق بموكب عزاء


هنا أو هناك


فكل شبر في ارضي كربلاء


جئنا نبكي قتلانا


شهدائنا.. نخيلنا ... أعراضنا


ويا أسفا صرنا نذبح بعضنا


فالقتل عندنا مباح


كلنا اليوم حسينا


وكلنا حجاج


ثم يقولون هي مسالة أعراق


فلا تسأليني عن العراق




قالوها يوما كلمة لن أنساها


بغداد تحترق


فبماذا نطفئها


بأثواب العراة


أم بعطش الفرات


نار سرت فينا كالهشيم


أرعبت سرب القطا


وأحرقت دمية اليتيم


سألناها بردا


سألناها سلاما


قالت لقد ولى زمن إبراهيم


هذا هو العراق يا أختاه


فعم تسالين .... عن النبأ العظيم





جنان البستاني


من ديوان ( ميسان )