غيث بكر .. وانهمر ألوى المرر


أمُّ أنبائي أخبرتني قبل ربع ساعة بوقت من أحب أوقاتي .. وقت أبجل فيه الأغاني و الأغاريد .. أجمع فيه عطاياه .. و أقبل في الأرض و العرض حواياه .. أنادي صغار الجيران .. و الصغار ما بين العمران .. و عصائب سبيل الماء الذي يعيا بالكبس .. و يتوق بالفراق و أصوات ألعابهم .. و أعد إلى الثلاثة و نحن حول الأواني و ( الطشوت ) .. و المغاريف * .. كمحاولة لجمع قطره المتبعثر ..


تشلني فرحة .. مصيبة عضتي و انحداري .. أخاف حتى أن أموت من الفرحة التي تظهر على أخادعي .. أو جنون رقصي و ارتماسي .. نغني جميعا ( يا مطرة صبّي صبّي ) و ندور .. ندور .. حولهم بصاع .. أو بعضنا بمد .. أو البعض الآخر بذراع .. نراقب الملأ .. و كيف أن الغمام تصوب بغير تحديد هدف .. و تساقط نوعا من الكسف الربانية .. جزءا منها ماء مقطر .. و الآخر بردا أو هبوب عات فيه من البرد ما يخنس الشمس المفندة .. بأشعتها التي يجعلها الصب ضريرة .. لا تملك أدنى خرم تنفذ فيه ..


أقف فجأة .. أسرق روحي من جسد الطفولة الذي يشيد ثورة الحرية .. أمام المنظر .. تملّيته .. و النجود الغرقى .. و الأمتار المقطوعة مما سرى فيها الماء .. كطفلة ترنحت لحظة و الخور أنقضني .. فقوتي لم أكن أستعملها إلا لمزاولة اللعب .. و اللعب .. أو اللعب


أسمع من خلف الرواشين .. آباء يتحدثون عن غرو الماء .. و راعي التمر الذي تأخر و سدَر .. و كأنه كان يتكهن بحلول الغيث .. وهم في الليلة سمّارها .. يسهرون تبجحا على جو غير صاف و لا غض .. و خوفا على تيوسهم و مواشيهم و الدجاج من الهلاك و التغرير .. و على سقوفهم من التهاوي و السقوط على رؤوسهم و رؤوس بعض أقوالهم و أفعالهم .. و إن نسائهم يتلبد فيهن التراخي و الخوف كما تتلبد السماء بالغمام .. و لا يتوانون عن الحشو و اللغو بسبب كبتات البرد و أهواله .. يربطون أعين الأتاريك و النوافذ و كأنهن ينتظرن الموت القادم ..


أمي .. تنده بوجه تفقأ فيه حب الرمان من الغضب من خلف باب .. و لا أعبرها .. لأني حتى لم أعد أرى الباب .. و لا يوجد في قاموسي مصراع باب من السحاب حتى التراب .. يا أمي .. لأن أرض الساحة بيتي .. الفضاء سقفي .. و نسيج الرمال مضجعي .. و شراشف الأحلام ملتحفي .. و لا يغنيني عنها أوصال بيتنا المبقشة ..


ولا جدرانها الملمعة بالنورة .. يا أمي أنا يقربني الماء و المطر .. يا أمي جانبي يسكنه الويل المطفئ ..في حين حبسي .. و جدي شيخ ضرير العين .. يفارقني صوته .. و وقره إذا ما نام .. يغيب و يغيب عني ريّاه ..


و أعود لغيث لا يوقفه إلى الرجل ذا الرهبوت .. الذي يقدم نهال صوته على خطوته .. و يده مقطوعة أشاجعها .. يرهبنا لنخلي له الساحة و الموقف .. لنخلي له العمر من صرخاتنا و هدءاتنا .. يرهبنا ليفرد صلابته على الطين اللين .. و النبق المبلل الجاهز للقطف و المضغ و إشعال فتيل اللذة ..


افترقنا .. و أصبحنا كالمساكين نطل على الساحة و المطر و الخلوات .. مصابة بالبرد ملابسي و خرقة رأسي .. مسدلة جذلات شعري .. تتصافق أسناني و عضلاتي .. أنظر من الشباك العالي .. و قد تطاول الليل البهيم علينا .. و راح الرجل و دخل الصغار و هدأت الأصوات كلها .. إلا من خرير من سطح منزلنا ..