كنت أقول فيما أقول أن الأديب الذي لا يعرف السياسة فلن يعرف الأدب
وقد مر بذاكرتي كبار الأدباء ممن نشط في السلك الدبلوماسي, وكثيراً منهم دفع ثمن مواقفه في السجون

أمر هنا على مقال للدكتور رياض نعسان أغا لنقف عند ما قاله الدكتور وزير الثقافة في سوريا



رياض نعسان آغا: لا يستطيع كل أديب أن يكون سياسياً جيداً


د . رياض نعسان آغا


صحيفة البيان : حوار ـ جمال آدم

تألفه في مكان فتراه يغادر إلى آخر وقد جاز فيه قول الراحل ممدوح عدوان «يألفونك فانفر»، فمن التلفزيون إلى المسرح إلى الرواية إلى التاريخ، إلى السياسة..وأخيرا الثقافة...
غازل السياسة من قبيل «ترويض الشرسة» إلى أن تحولت علاقته بها زواجا مع سبق الإصرار، وهكذا خدع السياسي السفير رياض نعسان آغا من حوله بتأجيل العمل الثقافي والأدبي إلى حين، ولكنه في حقيقة الأمر، لوى عنق الأدب كرمى عيون السياسة، أو حسب تعبير أستاذه الدكتور حسام الخطيب «أدب السياسة».
ولهذا قلما تتابع له مقالا مكتوبا أو حوارا مرئيا، دون أن تعجب كيف يرمي بمفردات ومصطلحات من أمهات الكتب التراثية وهو يعرض للازمة العراقية، أو الصراع العربي الإسرائيلي.
أو في وقفاته الدفاعية عن سوريا وقلما يتركك دون ان يقنعك بما يريد لأنه إلى جانب ثقافته الموسوعية يتمتع بقدرة كبيرة على الإقناع، وموهبة خاصة في أساليب الخطاب، ويبدو أن الثقافة السورية الآن هي بحاجة إلى رجل بمواصفاته، رجل الخلطات السرية التي يتقن طبخها...!
أخيرا حط الرحال في وزارة الثقافة..هذه الوزارة التي تعاقب عليها ثلاثة وزراء هم مها قنوت ونجوى قصاب حسن ومحمود السيد، ولم يستطع للأسف أحد منهم ملء الكرسي الذي تركته نجاح العطار خلفها..
وبالتالي ثمة استحقاقات وزارية مهمة أمامه على الصعيد الداخلي والخارجي وقد دخل بمواجهة صعبه بافتتاح حلب عاصمة للثقافة الإسلامية فور استلامه لمهامه..وبمواجهة أخرى في غياب المدراء الأكفاء عن بعض المواقع الأساسية في الوزارة..كان الله في عونه.!
عن المد الإسلامي، وغياب الخبرات عن الوزارة الثقافية، وتعب الجديد والتجديد يحكي الدكتور رياض عن مهامه الوزارية وعن آفاق العمل الثقافي بكثير من التفاؤل في حوار استضافته «البيان» فيه..
* عرفت إعلامياً، وانتشرت كاتباً، وبرزت سياسياً..وما بين ما ذكرت كانت لك معاركك الثقافية والإعلامية... ماذا سيقدم الوزير للمثقف بعد كل هذا الصخب و المشاغبات مع الحياة ؟
ـ أرجو أن يتاح لي تقديم الثقافة العربية بنقائها وصفائها وقدرتها الفذة على الإبداع، فقد ظلمت ثقافتنا كثيراً عبر تشويه مبرمج للقيم العربية الأصيلة وللإسلام السمح، كما أن الأجيال الشابة لم تعد تعرف الكثير عن تراث أمتها، وباتت تتعلق برموز الآخرين، بل إن بعض الشباب تأثروا بالجانب السلبي من العولمة الذي يحاول القضاء على الخصوصيات الثقافية المحلية ، من ذلك على صعيد عملي أن بعض الشباب العرب باتوا يفقدون الثقة بلغتهم العربية ويفضلون الحديث بالإنجليزية فيما بينهم.
وقد عرفت أسراً عربية لا يجيد أبناؤها التحدث بالعربية وهم مسلمون ولا يعرف أبناؤهم قراءة القرآن الكريم ولا يحفظون شيئاً من الشعر العربي، وعلى الصعيد الأهم أرجو أن يتاح لي إسهام ذو شأن في وضع رؤية لمشروع حضاري لمستقبل الثقافة في سوريا والوطن العربي بالتعاون مع كبار المفكرين والمثقفين عبر المنظمات الثقافية المتخصصة وبمشاركة الشباب لأن المشروع لهم ومن أجلهم.
* في جلسة نادرة جمعت الأستاذ بتلميذه، وصفك الدكتور حسام الخطيب بأنك « أدبت السياسة » في معرض حديثه عن حوار تلفزيوني لك.. إلى أي حد ينجح الأديب أو المثقف بالدخول في عالم السياسة..ما السهولة.. بل ما الصعوبة في ذلك آملا ان لا أوقع ضيفي الكبير كمحاور في فخ الإجابة النظرية ؟
ـ أولاً هذا ظرف ولطف من أستاذي الدكتور حسام، وأحسب أن الأديب أقدر من سواه على اقتحام عالم السياسة، ولكن لا يوجد إطلاق أو تعميم فليس بوسع كل أديب أن يكون سياسياً ناجحاً، لأن بعض الأدباء لا يحبون العمل السياسي فأما المثقفون عامة فهم على الغالب يعملون في السياسة وينهمكون في الشأن العام. فأما الصعوبات فقد تنشأ من حساسية المثقف.
ومن رغبته بأن يكون العالم أفضل مما يرى وبسرعة، وقد يواجه المثقف صعوبة في التفاعل مع الواقع. أما بالنسبة لي فقد أمضيت في إدارات الدولة زمناً طويلاً وتدرجت في المواقع، وأحسب أنني أفهم عقل الدولة وأعرف الممكن من غير الممكن، ولم أسكت عن خطأ أراه وأحمد الله أنني كنت دائماً أجد من يسمع والآن أجده في موقع أفضل.
* كلفت بوزارة تعاقب عليها ثلاثة وزراء خلال فترة زمنية قصيرة، ولم ينجح أي منهم، وهذه وجهة نظر معظم المثقفين السوريين، في إصلاح الوضع الثقافي السوري، الذي يشكو منذ زمن طويل من كثرة المثقفين وضعف الترويج لهم.. هل تملك اقتراحات وحلولا لمشاكل الوسط الثقافي السوري وإذا لم تنجح لا قدر الله فماذا ستفعل ؟
- لا أوافق على أن الوزراء قبلي لم ينجحوا، فكل منهم قدم خالص ما لديه من قدرة وإمكانية، وسأقدم خالص ما لدي، وأنا واثق من أنني سأنجح بإذن الله لأن أسباب النجاح متوفرة، ولا أجد مسوغاً للشك في ذلك ولاسيما لكوني أعتمد العمل المؤسساتي وهذا ما يتم إنجازه حالياً وقد أوشك أن ينتهي بعد أن ضممت إلى الوزارة خيرة المثقفين السوريين.
* دائما كان هناك تضاد بين المثقفين والتقنيات الحديثة، اللافت الآن أن وضع التقنية والتواصل مع عالم الانترنت واللغات الأجنبية في وزارة الثقافة قد بدأ العمل به وتطويره لحظة بلحظة مع قدومكم للوزارة، فهل تسعون إلى تغيير النمط الذي كان سائدا في التعامل مع تقنيات الاتصال الحديثة.. وألا يحتاج هذا إلى ميزانيات قد لا تجري الموافقة عليها؟
ـ نقوم حالياً بدعم مشاريع الأتمتة في الوزارة وقد انتهينا في مواقع عديدة، لا نعاني أزمة في الميزانيات لأننا نطلب الممكن ونلبى.
* بغياب عدد من المديرين من الأسماء الكبيرة في وزارة الثقافة مثل، أسعد فضة وصلحي الوادي ونبيل الحفار، لم يسد أي مدير جديد الثغرة وسادت حالة من اللا رضا وأحيانا الفوضى في المعاهد والمديرية هل تسعون للتأسيس لجيل جديد من الشباب الإداريين أم لا بد من العودة للخبرات القديمة مع ملاحظة أنك عمليا ميال لتلك الخبرات؟
- بدأنا استقطاب عدد كبير من الخبرات السورية ولعلك سمعت بالتعيينات الجديدة ونحن نتابع جذب المثقفين الكبار وسنقوم بتغيرات في عدد كبير من المواقع نحو الأفضل ونحو إشراك المثقفين المشهود لهم دون إغفال دور الشباب بالطبع.
* هل تبرر الفتور الإعلامي عربيا وعالميا تجاه حلب عاصمة للثقافة الإسلامية، بالأزمة السياسة التي تروج ضد سوريا..وهل وصل النشاط الإعلامي لهذه المناسبة الكبيرة لما تستحقه محليا ؟
- لاحظت بعض التعتيم الإعلامي على أنشطة حلب عاصمة ثقافية عربياً رغم أننا دعونا جميع وسائل الإعلام العربية، قناة الجزيرة كانت أكثر استجابة وأنا أشكر لها نقلها الحي لكثير من النشاطات من حلب ولاسيما الندوات.
لكن أنشطة الاحتفالية جيدة ولا يمر يوم دون فعاليات ذات شأن، غير أن إقبال الناس على الندوات الفكرية أقل من إقبالهم على النشاطات الفنية وهذا ليس في حلب فقط وإنما في كل العالم فالناس عامة يحبون مناشط الفن وأما القضايا الفكرية فهي للخاصة.
* يبدو أن مشكلة الترويج لأنشطة الثقافة لا يتم وفق أقنية صحيحة، وهذا الأمر ليس محليا فقط بل في كل مكان تبدو الحاجة فيه لنشر ثقافة جادة.. علاقة الإعلام مع الثقافة تكاملية، فما هو المشروع الإعلامي الذي حضرتم له من أجل الإعلام والإعلان عن الثقافة ؟
- لدينا مشروع إعلامي لوزارة الثقافة طموح جداً ونرجو أن يتحقق مع بدء إطلاق التحضيرات لدمشق عاصمة الثقافة العربية في العام المقبل وسأحدثك عنه حين يقترب الإطلاق.
* يبدو أن توجه السياسة السورية يميل صوب دعم العملية الثقافية وتوج هذا بتعيين الدكتورة نجاح العطار نائبا للرئيس للشؤون الثقافية.. هل ثمة ما يربط إداريا وعمليا بين وزارة الثقافة وبين الدكتورة نجاح العطار..ما القاسم المشترك بينكم وبين المنصب الجديد ؟
- أنا أعتز بالدكتورة نجاح وقبل أن يصدر قرار تعيينها نائب رئيس بل يوم استلامي الوزارة وقبل أن أذهب إلى مكتبي قمت بزيارتها في مكتبها أطلب النصح (وأقدم أوراق اعتمادي وزيراً لثقافة سوريا - كما قلت لها يوم ذاك بدعابة - أمام وزيرة الثقافة العربية كما كنت أسميها ، حدث ذلك قبل حين من صدور القرار بتكليفها بموقعها الجديد ، إنها معلمة وصديقة أعتز بصداقتها، وأنا سعيد بعودتها إلى العمل الرسمي من هذا الموقع الكبير الذي يدلل على احترام سوريا لها ولموقع المرأة في الحياة السياسية.
* دعوت نظيرك اللبناني لزيارة دمشق ولم تلق الرد بعد حسب ما أعلن، هل تعول ان تعيد الثقافة الصلات المجمدة بين البلدين.. ثم ألا تخاف على نفسك في حال زرت لبنان وزيرا ؟
- لم أقل إنني لم أتلق الرد، لقد كان الزميل وزير الثقافة اللبناني متجاوباً وقد شاركت وزارة الثقافة اللبنانية في احتفالية حلب كما تشاركنا في مؤتمر السريان في حلب، وحول الخوف من زيارتي للبنان لا أحد يهددني كي أخاف.
* المد الإسلامي يحاصر العقول والقلوب ويروج له بطريقة تسيء للإسلام، ويبدو أن الثقافة مثل مادة البنزين القادرة على تلقف أية شرارة دينية أو سياسية كي تشتعل وتحرق غيرها.. ماذا تفعلون لكي تقفوا ضد انتشار هذا الأمر في الأوساط الثقافية..ولا أريد أن يفهم من سؤالي أنكم تقومون بمهمات أمنية في وزارتكم ؟
- عليناـ دائماً أن نقدم الفكر الثقافي الإسلامي الصحيح كي نتجنب انتشار الأفكار الخاطئة.
* أثبت الشاب مجد نعسان آغا «ولدك» أنه موهبة سورية مهمة صوتا وعزفا على آلة العود حين قدمته أنت هدية للوسط الثقافي السوري بتوليك الوزارة ..ألم تخش أن يقول المغرضون أن مجد حقق المجد لأنه ابن الوزير؟
- المضحك أن المغرضين قالوا ذلك وسخر منهم الناس لأن الفن لا يصدر بقرارات، ولولا ثقتي بموهبة مجد المتميزة لما قدمته للوسط الفني وقد لقي من النجاح أضعاف ما توقعت.

"