عندما تمرأمام أنظارنا صورة المسجد الأقصى المبارك تنتابنا مشاعر متواشجة مختلطة من الإحساس بالرهبة والجلال ، إلى الإحساس بالخشوع ، إلى الإحساس بعبق التراث والأصالة،إلى الإحساس بالقداسة، ذلك الذي يغلب كل تلك الأحاسيس و يستولي على عرش مملكتها.
وهذا المسجد الذي شاء الله أن يكون ثالث ثلاثة مساجد هي خير ما بني في الأرض من أمكنة ليعبد فيها الله، حين تمتد إليه أيدي الرعاع الذين لا يرعون للحق حرمة،ولا يعرفون للخيرطريقاً، ولا يملكون من العقل قطميراً، ولا يجدون لهم رادعاً، بل يلقون من يجاملهم ويسعى في محافل الدنيا لكسب رضاهم ، فإن ذلك يكون غاية المأساة ، بل غاية الإسفاف المسبب للقرف والداعي للغثيان.
أيعقل بعد أن تمس كرامة المسجد العظيم ، ويسعى المجاهدون الأبرار ليحموه ويدفعوا عنه غائلة الغدر و الإجرام ، ويرابطوا فيه تاركين الحياة الدنيا وما فيها ، أن نجد جرذاناً حقيرة تسعى جاهدة لمداراة الأعداء أمام العالم كله ، ثم تأبى إلا أن تكون لها رياسة شعبها وسورة الملك التي لا تتزعزع...؟!
وفيما نسمع أطيط المسجد العتيق ، ونرى صورته شيخاً فانياً يتوجع ويعض على شفته ألماً ، نرى ضحكات تكسو وجوه المجرمين الذين شاؤوا أن يجعلوا الأقصى هيكلاً لهم يعيد أمجاد أجدادهم المزعومة.
وهناك عنده....عند الحرم الشريف.. في ليل القدس المزين بالشموع، وعند قبة الصخرة الطافحة بلون الذهب، يقف شباب وشيَب، يحملون ما تيسر لهم من سلاح وعتاد ، وينافحون وهم القلة القليلة عن أمة كاملة تغط في سبات عميق ، غير مبالين بتصاريف الزمان وتهاويل الخصوم . فعاشت أيمان جعلت همها وغايتها حماية وفداء بيت هو للمسلمين جميعاً،فكانت فداءه دون المسلمين جميعاً.
وعاشت أيمان تواجه بنادق ومدافع الطاغوت بحجارة الإيمان والصدق، فتكسرها وتردها مطأطئة منخذلة ، كما رد داود الفتى جبروت جالوت الصنديد بمقلاع بسيط.
وعاش علم فلسطيني ظل مرفرفاً عشرات السنين دون دولة ، لكنه لم يستكن ولم يتصاغر، بل بقي يلوح في السماء طامحاً نحو العنان ، ملهماً لعشرات مضوا وعشرات سيأتون ، فنعم العلم علم صنع المعجزات وهو لا يرفع على أرضه، و بئست أعلام العدوان التي تخفق وتلوح دون أن تخلق في القلوب حمية لأجلها أو دافعاً لفدائها.
حُيٍِيت أرضاً...وحييت شعباً...وحييت قضية...وحييت رمزاً...والنصر لك وإن طال الزمن ، فلا نامت أعين الجبناء.