فتنة الأسر: رواية / صلاح والي 6/6/99
ّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ ّّّّّّّّّّّّ
كان يقف علي باب الكون يمسك في يده زهرة جميلة بساق طويل لها تويج كبير كثير الألوان ولها رائحة مستقبلية، وكان ينظر إلي البعيد ويبتسم لشيء ما بينما تدوي خلفه طبول الآخرة علي بوابات جهنم بدوي مدبب يدخل في عمق كل الأشياء باختراق عظيم مؤلم، بينما الفراغ الذي ينظر إليه يموج بدخان كثيف يتشكل عوالم وهو ينتظر ما يلائمه ليهديه زهرته0
كنت أظن ذلك ولكنه كان غير ذلك ، ربما ،
وربما أيضا كان كذلك
ولكنه أخذ خطوة للأمام وانحني وقبل الزهرة وابتسم ووقف والطبول ما تزال تدق في تتابع تاركة خلفها دوائر من الحنين والخوف الموجع ، بينما كانت تسمع خطوات عميقة تسير بانتظام في كل اتجاه، وصوت تنفس قوي ربما يصدر من كل ما يحتوي هذا المشهد بعمقه الغير مدرك في مساحات من المجهول وعدم المعرفة وعدم الإحاطة0
كان في ملابسه الكاملة ربما خارجا إلي سهرة ما ، وكان العرق يتصبب من سرواله علي الأرض ، ربما كان دهنه يسيل وكنت أتوقع أن يقع من ملابسه أو يتلاشي أو يغير ابتسامته التي لا تعني شيئا وتعني كل شيء ، كان ينظر في البعيد ربما لا ينظر إلي شيء ولكنك بالتأكيد لا تستطيع أن تتجاهله لأسباب كثيرة منها أنه وحيد وحدة مطلقة، وثابت ويغمره الأمل ولديه ثقة عالية ربما ،أو يأس قاتل ربما ، لكن دائما أمامك ومبتسم، ولا يلتفت، ولا أحد خلافه، وهو يشبه كل آدمي في تكوينه ولكنه غريب لا أعرف كيف؟ وربما كان جميلا ، لكنه مختلف ، وغير معني بالأخريين لأنه ببساطة مكتفي بذاته، لاشيء في المشهد كله إلا هو ووحدته القاتلة،ربما كان ينتظر رسائل من الماضي أومن المستقبل!
قلت :ــ بالتأكيد لا يراني، ولكنه علي الأقل يسمع ويحس ربما بوقع خطواتي أو تنفسي0
لم يكن أمامه شيء ليري أو خلفه شيء ينتظر أو المشهد يحتمل الإنتظار0
اقتربت منه وحدقت فيه ولكنه لم يتغير ، مرّرت يدي أمام عينيه لكنه لم يتحرك أو يرمش !!
قلت في نفسي : هو أعمي تمام، فلأساعده
انطلق صوت حاسم ومفاجئ وعلي قدر سمعي فقط : لا0
نظرت في كل اتجاه لم يكن هناك ما ينظر إليه، فنظرت إليه لكنه كان علي حاله لا يريم!
قال : الحمد الله الذي خلق العبقري وألهمه اختراع المورفين والبنج0
تخيلت أنني سمعت شيئا ولكنه كان كمن يفكر بصوت عال ، كانت صفحات رأسه مفرودة أمام الأكوان تعرض كشاشات العرض محتويات من أفلام كبيرة رأيته فيها وهو موظف في الضرائب ٌيخرج في مكتبه بعد التوقيع بالحضور لفافة سندوتشات الفول والطعمية والباذنجان البطاطس والمخللات ويأكل ، ثم يتلوي من الألم وعندما يتجمع حوله من هم زملاء أو علي شاكلته يطمئنهم أنها الزائدة الدودية وأنها تتعبه عقب كل أكله ولكنها تنام مرة أخري ، وفي ليال كثيرة تجعله لا ينام ، ورفض بشكل قاطع أن يبلغ المستشفي أو يذهب لإجرائها في أي مكان ، وتدور الأيام وتسير لقطات كثيرة وأراه في المستشفي خارجا من دوامة المخدر ويتناهي إليّ نفس الصوت : الحمد لله الذي خلق العبقري الذي اخترع المورفين والبنج0
قلت في نفسي وأنا كثير القول لنفسي لأني لا أجد مكان أضع فيه ثقتي فليس هناك بشكل مطلق شيء واحد جيد ، ولكن كل شيء نسبي بدء بالحقيقة وانتهاء بالشرف 0
قلت لنفسي :ـ غير معقول أنه لا يوجد في كل هذا إلا نحن فقط !!
ولما كان يواجهني تماما ويتعداني بنظراته شككت في شيء ، ولكن هناك فروق كثيرة 0
جذب انتباهي أن جيب سترته به كتاب !
قلت :ــ كتاب وسط هذا ؟
امتدت يدي رغما عني وسلت الكتاب من جيبه كما تسلت الشعرة من العجينة ، قلبت الكتاب واهتممت بإخراجه والقطع، ونوع الورق ،وبنط الكتابة ،ورائحة الحبر، لكن كل ذلك كان هباء 0
فالكتاب جلدي الغلاف وغير مكتوب عليه إلا( الكامن في العمق ) ، والورق جلدي مدون عليه بأقلام البسط وبحبر يتراوح تكوينه بين دم الغزال والقرض بالصمغ ، ولونه أحمر يلمع ليزغلل العين فكأنك تقرأ ما تريد أو ما يدور بخلدك ، ولكن عندما تتأمل الكتابة تجد أنها ربما تتحرك أو تتماوج أو تحتها شاشة عرض تريك ما هو مكتوب، الجزء الأول مكتوب تحت عنوان //عبر المرآة في الداخل// ، انتشاء بالأنا العليا ودحضا للعقل أو أي عقال يعقل الأمور فيجعل المتكلم جبانا خائفا علي شيء ما، كالوجاهة، وحسن السمعة ، والآخرين، وكل ما هو ليس حقيقيا 0
عندما واجهت الأوراق البيضاء لم يكن في بالي أن أدون أي شيء ، وكنت قد اخترت مكتبي الخشبي القديم حبا في ملمس الخشب ، أو ربما لأنه أغلي ما اقتنيت فجلست وحيدا في العمل وكانت نوبة النوباتجية الأسبوعية الخاصة بي ، ولما كنت لم أتذوق طعاما قط من يومين أو أكثر فأنا آكل بالصدفة بعدما تخلصت من كل ما يربطني بالأرض والآخرين، فأنا ضد الامتلاك والملكية، وضد المشاع في رأسي وجسدي وما دون ذلك فلمن يشاء حتى لو كان يملك الكثير0
وضعت الأوراق ـ أمامي
// ظهرت صورته تحت النص وهو جالس علي مكتبه يتلو من الألم وقد أحني رأسه وأمسك بالمكتب محتضنا أو مرميا عليه، ولكن ليست أمامه أي أوراق //
كان قد قالوا لي في أذني عندما تعجز عن البوح أو التدوين ضع الأوراق في درج المكتب الأيمن واحتضن المكتب وسنقوم بالتدوين نيابة عنك، لهذا وضعت الأوراق بالدرج واحتضنت المكتب ، هل كنت انتظر الرسائل من الماضي لأعرف ما فاتني فَهْمَهُ فأفهم المستقبل؟0
// ظهرت صورته وهو يهتز من الألم ربما مريض ويتلوى ، قلت ربما أكل الفول والطعمية ولكني تذكرت أنه لم يأكل من مدة طويلة، وكذلك أنا 0//
كانت الاهتزازات التي حاصرتني تعصرني، وأحس أنني أسيل علي المكتب رغم أنهم قالوا لي لقد اخترناك ونحن نريد أن نساعدك، نحن حولك وحولكم لكن أنتم لا تساعدوننا وأعمالكم رديئة جدا، وأنتم أقوياء ولكن لا نعرف سبب ضعفكم في المواقف، وعدم انتظامكم في السير ، ألستم المسيطرين علي ما هو دونكم ؟ فلماذا تَسْتَعْبِدُونَ بعضكم ؟ وتَقْتلون، وذلك شيء فظيع ،
قلت :ـ هل يمكن أن أتراجع عن موقفي وأسحب أوراقي من الدرج؟
قالوا :ــ نحن لم نطلب منك هذا، فقط قلنا لك علي الطريقة وأنت الذي اخترت، وطالما بدأت فلا سبيل إلي التراجع ، ولو امتنعت فسنكلمك في كل مكان ، ولو استمر حالك معنا موافقا سنكشف لك كل شيء عن كل شيء ، بشرط ألا تقول أو تنبس بكلمة واحدة0
// مازال يتلوي ويقوم وهو ممسك بالمكتب ويقعد والعرق الغزير يسل علي الأرض بركا وسيولا//
[أن تستغني عن كل شيء هو أن تملك كل شيء 0
يمكنك فعل أي شيء في الشارع فما اخترعت الحوائط إلا لتداري ما هو غير صحيح ، أو تريدون إخفاءه ، لماذا تشم الوردة أمام الناس 0
الوردة هي المعجزة وهي البدء والباقي حادث 0
حاسة الشم الوحيدة التي لا تستخدم بشكل حقيقي ولا تعرفون استخدامها ، ومن تنبه لها لم يستخدمها بحقها0
العيون000!! تتكلمون كثيرا عن العيون ولكن لا تعرفون عنها شيئا ، مثلا متي تراك في عيون الحب أو الحسد؟
متي تري وأنت مغمض العينين في مكان بعيد ما تريد ؟
أنت تعرف أن المرأة التي كانت تصعد السلم من عام وأنت تصعد خلفها تتأمل مؤخرتها أنها ليست من العمارة ، وأنت متأكد أنها صاعدة لشخص ما، وكنت تود أن تكلمها أو تلفت نظرها، ولكن لم يحدث إلا في عقل بالك، رغم أنها كانت تراك، والدليل أنها دقت بابك بعد دخولك وتوجهت فورا إلي غرفة النوم عارية ومع ذلك أخذتك المفاجأة ؟
أي مفاجأة ؟ أليس هذا ما تتمناه؟
وعندما جئنا للفعل فلم تفعل وظهرت علي حقيقتك أنك مقهور ولا تستطيع أن تفعل أي شيء، حتى هذا إلا إذا أمرتك زوجتك التي لا تحبها وتخاف منها وأنت قادر علي إيذائها كما تقول للناس!
ولم تفعل إلا عندما نادت عليك، وماذا فعلت ؟ لن نقول فأنت تعرف،أنت تعرف، كنت تتعلل بالخوف من قدوم زوجتك أو أولادك رغم أنك تعرف أنهم لن يحضروا للبيت لأنه لا زوجة لك ولا أولاد، غادرتْ، وعدت تختبر قوتك فوجدت أنك بخير ولمت نفسك كثيرا وتمنيت حضورها ثم رافقتك في الخيال حتى وأنت 000
أليس هذا ما كنت تود أن تقوله لرئيسك في العمل الأستاذ عبد القادر الأسد ؟؟
وأنت عرفت هذا من صديقه الصدوق الذي باح لك ليلة لم يجد مكانا ينام فيه فنام عندك ، وقلت في نفسك أنه متسول ، وأكملت كيف يعيش هؤلاء الناس ؟
هو أفضل منك لأنه لا يكذب أبدا وأنت تعرف ذلك 0
*********
البوح من الحصار والوقوع في براثن نعي الذات التي عادة ما تعمي عن أخطائها ، وتلوم الآخرين ولاتلوم نفسها، صاعدة بقدرها إلي آفاق غير مرجوة ليست من حقها ولم تعمل لها ، وربما لا تعرفها وليست تعزية عن شيء مرجو بذلت في سبيله الوسيلة واتخذت الأسباب ولم يتحقق ، ولكنه نعي كنعي الأحياء للأموات، والأموات يضحكون ويهزؤون بهم وهم يحسون فجيعتهم في أنفسهم 0
الصمت درجة من درجات الصعود إلي علو الهمة واختصار الوقت ، ومحو مدونة الكلام، وتَرَفْعُ فوق كل شيء حتي يبدو كل شيء أنه صغار ، فلا تملك، ولا ربطت رقبتك بما يذلك ويدنيك من الرعب ، فأنت لا تملك ما يطمع فيه الآخرون، فلن تخاف من الآخرين ، وسيتسع بساط الحب حتى يسع الجميع ، وكلما تنازلت عن شيء وودعته أبديا ارتقيت درجة حتى تودع الحياة وأنت فيها، فتزداد درجات ، بأنك الذي لا يريد رغم أن الكل مجبول علي الأخذ 0
ألم تري إلي الذي يعطي ، يصير فضله أكبر وقمة العطاء ليست الحياة ، فمن يعطي الحياة يطلب الخلود، أليس الجزاء من جنس العمل؟ ولكن ودع الحياة وأنت عليها ولا تطلب شيئا من أحد، لأنك إن انحنيت تأخذ، سقط قلبك تحت حذاء الآخرين0
فالقلب مرتبط بالإرادة، والقلب صنو الفؤاد، وهو سريع التعلق ، فسيعلق بحذاء من أعطاك فلا تقوم لك قائمة، ولا ترفع رأسك إلا بعد أنت تغادر هذه الحياة مطروداً منها منحنيا0
سامح، أعفو ،اصفح فتعلو، وهم عندما يقرؤون سيقولون لك أو لغيرك بنوع من الحكمة المغرورة التي هي بنت الجهل لقد قرأوا هذا في الحكم القديمة ، صدقني لم يقرءوا حتى أسماءهم وهم أجهل من المجهول ، وهم قوم بله يستحقون الشفقة والرحمة، فارحمهم طالما أنهم لا يرحمون أنفسهم ، وتأكد بعدما يقرؤون هذا ويقولون ذلك، وعندما يجلسون مع أنفسهم ولو في انتظار النوم سيقول الجزء الباقي من ضمائرهم هو علي حق، ونحن بله وكذابون،
هل تريد أكثر من هذا ؟
فقط لأنك تركت كل شيء واحتميت بالأنا الغير مقيدة بالعقل
أليس هذا ما قرأته في مذكرات أحمد المصري ؟
لماذا لم تتذكره ولم تعمل به أبدا؟
**************
ملمس ناعم وكاتم للصوت تدخله ويدخلك مستنيما له إنه الحزن وهو غير الشجن0
أما الشجن فهو حالة من حالة التعويض عن شيء ما وكأنك فقدت أعز ما لديك / رغم عدم وجود شيء لديك لتفقده / والبكاء الصامت علي مجد ضائع تتوهمه ، وهو ما لم يحدث في يوم من الأيام ، لكن من أين جاء هذا الوهم ، ربما حالة معاشه من حالات أحلام اليقظة ظلتْ نائمة بعيدا في ركن ما وأنت نسيتها، ولكنها ظلت تنمو متدرجة في أشد حالات عدم الارتباط بالواقع وانحطاط مستوي النفس والرغبة الشديدة في التملك، وإلا قل لي طالما أنت لا تملك شيئا كما اتفقنا فلماذا الحزن والشجن ، هل لأنك أحببت ؟
ليست هناك حاله حب واحدة مبنية علي العطاء لكنها مبنية علي الأخذ ، فالذي يحب الجميلة يحب أن يتملك هذه الجميلة فتكون له وحده ، ويخرج علي الناس وهي في يده علي أروع ما تكون الأبهة ليقول للناس أنا أمتلكها وأري منها ما لا يراه الآخرون0
والذي يحبسها في البيت تحت أي مسمي ويتخذ تدابير الحماية، فهو ضعيف يريد لفت نظر الناس أن تلك الوسائل لحماية شيء لن يتوفر لأحد منكم ،
المسألة ببساطة لو مبنية علي الاقتناع كان عاش معها بلا تدابير، لأنها مادامت اختارته واختارها فإن العطاء من كل منهما سيجعل كل منهما لا يري في هذا الكون إلا صاحبة، وستكون كل تدابير الأمن هذه داخلية في كل منهما0
أليس هذا ما دار بخلدك يوم السبت الموافق السابع من الشهر الثاني عشر ، لتقوله للسيدة قوت القلوب وهي تتحدث عن زوجها كما أنك كنت تشتهيها وأنت تظهر عدم إصغاء ك للكلام ،
أليست عمتك ؟؟؟]
كانت تلك الصفحات الكثيرة التي مرت أمامي في كتابه الجلدي قد جعلتني نزقا منزلقا في فورة من الغليان ومن الضيق ومن الإحساس بضياع الوقت ( الوقت ؟)،
قررت (وإن كنت لا أملك القرار ، ولكني قررت) أن أتركه وأمضي ، ولكن إلي أين وليس هنا غيرنا؟
حالة من الحيرة ومن الشغف بالفرجة ومن الخوف والرغبة العارمة في الصراخ أو الضحك أو أن أبدو هادئا رزينا ، وأحسست أنني مرتبط به كأنما هناك وصلة كهربائية بيني وبينه ، كما أن ما مضي من هذه الصفحات يخصني أيضا ربما ، وربما سمعت به0
كانت المشاهد تتتابع في رأسه وكتابه بشكل جذاب ، نعم ، نعم جذاب ، ما الدهشة في ذلك جذاب و أنا وهو فقط وخوف يلف المكان ولا مكان ، وأمامك سينما في كل لحظة تحس أنه من المحتمل أن ينفجر فيك عقل هذا الرجل أو يموت هذا الرجل من الألم ، وبقدر بعدك عن الحدث بقدر قربك منه ، وهذا العرض المجاني لم يخطر علي بال كل العباقرة فكيف لايكون جذابا؟
**********
،،كانت الرياح تهدر فوق بحر مضطرب وفي وسط هذه الرياح سفينة تتأرجح ، فعلا تتأرجح كأنما سكران يخرج من /المستنقع /بعد أن دخله لأول مرة وأفرط حتي سأله حماد عن اسمه ، لأ ، ليس حماد عجرد يا أخي ،
أنا مرعوب جدا والمشاهد تشدني ، سيف طويل يخترق بطن بنت جميلة والدم يغرق جمجمة هذا الرجل ويسيل علي المكتب فأمد يدي ألمسه فأجدة دما!،،
كنت قد تركت الكتاب وأتفرج علي رأس الرجل والعرض السينمائي بها علي أشده ، خفت من منظر الدم المفاجئ
فصرخت
ـــ يا لهوي
ـــ طلباتك يا أستاذ
ـــــ نعم؟
ــــــ أنا أسألك فأنت أمامي من نصف ساعة ولم تتكلم فقط تحدق في وجهي وتنتابك حالات ، هل أنت مريض ؟
ــــ جدا ،هل يمكنني أن أجلس ؟
ـــــ تفضل
كان هو ،جلست بجواره وأملت رأسي علي المكتب فخفت أن يري برأسي ما رأيت برأسه فاعتدلت فأمسك يدي
ـــ خير؟
كانت يده بارده والعرق يتصبب منها وكان مضطربا ، وكنت أسأل نفسي طوال الوقت هل أنا مريض؟ يعني لا(عبد الله عسكر) ولا( لاكان ) ولا (الحاج محمد عبد الحميد فرويد) ولا ( صفوان ) ولا أي مخلوق في العالم قال كلمة في هذا الاتجاه، حتى تصير لكلماته المدونة دلالة معرفية تتعانق مع هذه الحالة وتفسرها أو حتي تدمرها ، قلت في نفسي صبرك عليّ يا علم النفس ،
كرر الكلمات التي أحسها تخرج من جسدي
ــــ تشرب شاي ؟
ـــ ياريت ، وتتركني خمس دقائق بدون أسئلة
ــــــ حاضر
قام من مكانه فأخذت مساحة أكبر من التفكير وبرز السؤال الكلب السعران
// لماذا كلما رأيت هذا البني آدم بالذات يحدث معي ما حدث الآن ..؟//
أفقت من ذهولي (كأنما ذهبت إلي بلد آخر ولكن بلاناس وكأنها خلت من المخلوقات وليس فيها صريخ بن يومين )كأنما انهمرت من كون آخر خالي تمام ، ولا أي صوي ، وكوب الشاي أمامي فارغ ، / بصيت قدامي فلقيت كوباية الشاي فاضية ، ولا مكتب ولكن ناس كعدد حباتالرمال بالضبط يبصون علينا ، ناس ترش الملح ما ينزلش ، وأنا جالس منهكومنهار ولا أعرف لماذا ، وأنا واقع من طولي لايسندني إلا خشب الكرسي، زي شوال الملح ومبهدل كفرد شرابقديم/0
كنت أسمع طوال الوقت الصوت الآخر يردد ما يجول في خاطري من الكلام كما سبق إلي أن قال لي : كيف الحال؟
ـــ من أنت؟
ـــ ومن أنت ، ما جئت إلي هنا لتسأل ، هل لك أي طلب في المصلحة ، أنا لا أريد معرفة ظروفك ، هل معك نقود أم تلزمك نقود؟؟
كنت أنظر إليه وكلانا يتحاشي النظر في عيون الأخر، كانت جبهته عريضة وشعره اختالط أبيضه بأسوده وتأخر الشعر متراجعا إلي الخلف تاركا انخفاضا ملحوظا ليقول والله العظيم كان هنا شعر ولكن00 ، الموقف لايحتمل الوصف ، امسكني من يدي فأحسست أني أمسك يدي، وكان لا ينظر إليّ ولكن تخترمني نظرته وتعبر إلي الجهة الأخري أمامه مباشرة ، وخفت أن أنظر فأجد أنه ليس عنده أمام ، فبكيت وقمت واقفا وجلست وبحثت عن منديل وقلت: ليس لي أي مصلحة في هذه المصلحة، أو في أي مصلحة0
قال : هذا موعدنا وأن يحشر الناس غدا في عرائهم0
قلت : أنا لا أعرفك ولا أنت تعرفني وكثرة الأسئلة مضيعة للوقت
ضحك بصوت عال ، فبانت أسنانه وضروسه ، تذكرت ما فعله بضروسي اليمني طبيب الأسنان ،فذهلت ( هل هذه الكلمة مناسبة في هذا المكان) لم أذهل تماما ولكن حدث معي ماتفهمه الآن، كان قد أطبق فمه ونظر لأول مرة في عيني فوجدتني جالسا مبتسما في عينيه صغير السن عديم الخبرة غادرني الشعر الأبيض الذي أحبه والذي رد لي اعتباري أمام الناس ، حيث كنت بعد تخرجي بخمسة عشر سنة أعامل كأني طالب بالجامعة !
سمعت همسا ( تخاف علي الوجاهة ولم تستوعب الدرس ، سبق أن حذرناك من حب التملك والحرص علي المتع الزائلة)
هذا كان في عقله هو
قال لي : أي خدمة ؟
قمت من مكاني متجها إلي الخارج ، كانت أقدامي تدب في يوم شتوي ضباب كله، وربما الأرض ضباب تكثف فصارت ثلوجا ( أليس هذا الشتاء غريب علي بيئتي ؟)
في نهاية المشهد تذكرت أنني في ألمانيا ربما في يوم شديد الصقيع، عندما كنت أصر علي الذهاب لصلاة الفجر لكن لم أقدر علي التذكر فقد وجدته في نهاية المشهد واقفا يبتسم وينظر إلي الأمام كأنما ينتظرشخصا ما ، ممسكا بيده وردة حمراء طويلة الساق، ويلبس بدلته البنية اللون ورباط عنقه في الوسط تماما( لست أدري ما حدث لي)0
( 2 )
-------------لمح أسنانه البيضاء وآثار التبغ كطلاء متأكل عليها وسقف حلقه ، ولاحظت خلو أيمن فمه من الضروس ففت ففتذكرت ما فعله بي طبيب الأسنانقققدققد
كان بودي أن أمسك هذا المشهد في قبضة يدي ثم أخرجه جزءا جزءا وأتأمله ثم أضعه أمامي لدراسته ، وكنت قد سمعت عن مراكز الدراسات التي عملت بها لبعض الوقت ، ولست أدري( هل هذه الكلمة صحيحة ، أقصد تعبر عما أريد بالضبط)هل عملت في أحد هذه المراكز أم لا ؟، فقد وجدت نفسي وقد اختمرت الفكرة في رأسي أنهض من نومي ،// ولم يكن يلفني نوم لأنهض منه فأنا عادة لا أنام لكن أفكر ، والحق يقال لا أعرف في ماذا أفكر ولكنني أفكر ، ولست أفكر من باب اثبات الوجود فهناك آلاف الطرق لإثبات أنك موجود، ولكن أغرق دائما في حالات من التفكير العميق، وتتجلي أمامي ملايين المشاهد التي ربما عشتها قبل الآن ، أو ربما تأتي بعد الآن ، ولكن عادة لا تأتي //وتوجهت إلي مركز أكاد أعرفه ودخلت إلي مكتب فلم أجد أحد فيه ولكن مرق من جواري شخص وجلس علي مكتب خشبي كبير، ووضع لفة متوسطة فتحها فأحضر الفراش كوب ماء ، أخرج علبة الدواء وأخذ حبة واحدة بيضاء خمنت ربنا ( ديمكرون) وشرب نصف الكوب ، ثم انتظر قليلا وفتح اللفة فخرجت رائحة الفول والطعمية /الله يكرمك// وأكل وشرب باقي الكوب ونام علي المكتب لحظات ثم وقف فرأيت عينيه ، غرقت في حالة غريبة من الدهشة وأحسست أنني أٌسحب مني ، كان هو قد نام يتلوي علي المكتب والتف حوله بعض الزملاء الذين حضروا علي صوت ألمه المكتوم وانفتحت في رأسه النائم شاشات العرض 0يخرب بيت كده؟ما هذا؟
جلست إلي نفسي لاأدري من كان منا أمام الآخر ، دخلت إلي نفسي ، نزلت إلي نفسي، وتأملت حالي بعد رجوعي منهكا من هذا المشوار في مركز البحث وما لاقيته به من أحداث كلها تتعلق بها الكائن ، فجأة قفز قط مرعب بالحقيقة وجلس في حجري، هذه المرأة التي رأيتها في هذا الكائن ليست عمته إنها عمتك أنت، لم يحدث أي شيء، فقط لم أستطع القيام من مكاني بينما استمرت شاشات العرض التي ظهرت أمامي علي الحائط، كأنني طفل مستسلم لقضائه هانئا بلبن أمه يمتص حليب ثديها ويتفرج علي صدرها، بالضبط هذا ماكان أثناء مشاهدتي العرض الذي أثبت لي أن كل مامر بهذا الكائن من عروض في رأسه تخصني وحدي ، لكن ما ألمني أنني كنت أشتهي عمتي وأنها أتت إليّ في شقتي واختبرت رجولتي فلم تجدها ، وبعدما رحلت وجدت رجولتي كأنني قد خبأتها في زلعة الدقيق خوفا عليها من فئران الشهوة0
قمت فزعا وقلت ليس أمامي بعد كل هذه المكابرة إلا الذهاب إليه0
************
السلم حتى الدور الخامس مرهق تماما لكأنما سكن الدور الخامس ولم يشجع صاحبة العمارة علي تركيب مصعد ليقطع قلبنا وندرك مدي أهميته وعلو شأنه،وضعت يدي علي الجرس خفيفا ففتح ضاحكا : أهلا 00تفضل 00ازيك
ـــ يا سلام مبسوط ، أنا تعبان يا عبد الله 0000مبسوط ؟
كان يضحك وتركني ودخل إلي المطبخ
ــــ تعال يا أخي لاتتركني
ــــ حاضر سأحضر لك القهوة
ــــ القهوة 000؟ أقول لك أنا تعبان ، تقول القهوة ، يا دكتور صاحبك أنا ،سأجن وسأرمي الناس بالطوب في الشارع ، لا ربما جننت فعلا
ـــــ اشرب القهوة ثم احك لي كل ماتريد أن تقول
ـــ لقد اشتهيت عمتي ، وجاءت إليّ لتختبر رجولتي 000 يا أخي لا أستطيع أن أكمل وأنت تعرف ماذا يعني هذا في الشرع ،وفي الأحلام عند ابن سيرين، وعند طابور النفسانين من أول عمك حفني حتى، لا كان، وأدلر، مرورا بفرويد ومعلمه الأول الذي سرق منه فرويد عمله المجيد وطوره،
كل البشر تدين هذا التصرف ، هل أقتل عمتي تلك المنحلة بنت الكلب أم أقتل نفسي ؟
ـــ عمتك من ؟
ـــ عمتي فتحية التي كانت تصعد السلم/ في العمارة الكبيرة التي أسكنها/ خلفي وكانت يتشح بها الأسود وتتسلح بمفاتنها، هذه المكتنزة يا أخي!
ـــ ليست لك عمه بالمرة وهذه المرأة حكيت لي عنها أنها كانت تصعد خلفك السلم وكنت تتمناها ثم حدث باقي ما تعرف و
ـــــ هل ستشتغل عليّ دكتور؟ أنا مريض ولاداعي لقتلي الآن ، الله الرحيم لم يقتل البشر، ولكنهم يحلون مشاكلهم بالقتل ، وهناك فرق بين القتل والإبادة
ــــــ هذه المرأة عمة أحمد بركات صاحبك
ــــــ أحمد بركات صاحبك ؟من؟
ـــــــ لا داعي للتسلح بذاكرة إنكارية تحتمي داخلها من داخلك الذي يواجهك، كن قويا وتسلح بالمواجهة في سبيل الوصول إلي نوع من التصالح بين الخارج والداخل و000
ــــــ متشكر السلام عليكم
ـــــ اجلس يا أخي لم نكمل الكلام بعد
ـــــ أنا أحب أن أسير في الشارع وحدي وأعمل مع نفسي جلسة صلح، لكن هل بالضرورة يا دكتور أن يكون كل من يشتكي من حالة مرضية أو عرضية أن يكون مريضا ؟ أليس هناك افتراض ولو واحد في المليون أن يكون كاذبا ؟ لماذا هذه الثقة التي تشبه ثقة الجراحين أنه هنا بالضبط سأفتح بالمشرط فتحة صغيرة فتبرز الزائدة الدودية !! أي ثقة هذه التي لا تجعل ما هو متعارف عليه يغير أحواله /فكيف تم اكتشاف حالات القلب الذي يغير موضعه وينام في جهة اليمني ؟/
ـــــ إذا كان المريض كاذبا فعلي نفسه ويمكن تدارك ذلك بسهولة من مقارنة أقواله جلسة بعد أخري ، أما موضوع الجراحات فهذا ما استقر عليه الطب من آلاف الحالات، والحالات المخالفة تم رصدها ، فلماذا لا تكون هناك ثقة ؟ وهل سنجعل كل حالة حقلا تجريبيا ؟
ـــــ هل تفعلون غير هذا؟
ــــــ أنت تحتاج أن تشغل الآخرين معك
ــــــ ماذا لو قلت لك عما يحدث لي عندما أري الأستاذ ؟؟؟
لا أعرف اسمه أو ربما أعرفه، لست أدري
ــــــــ لك أن تنام الآن ، فأنت متعب ، مرهق قليلاًَ
ــــــ عندي اقتراح ماذا لو أنتحر؟
ــــــــ تخاف من اشتهاء عمة لم توجد وتحل المشكلة بالانتحار،ثم أنت لن تنتحر
ــــــــ يا سلام علي الثقة
ـــــــ الانتحار يحتاج شجاعة من نوع خاص وهذه ليست عندك هل تعرف لماذا ؟
ـــــــــ أكمل فتح الله عليك يا مولانا لماذا يا حبيبي
ــــــــ لأنك تحب الحياة
لم أبك ولكني نزفت حتى ضخت العروق هواء0
أفقت وجدتني في بيت الدكتور عبد الله نائما وهو غير موجود ولكن هناك صوت ما في المطبخ قلت : ربما يجهز قهوة أو ما شابه ذلك ، وسمعت صوت زحف شبشب علي ا لأرض وهذه ليست طريقة عبد الله في المشي قلت : ربما الشبشب مقطوع قال : صباح الخير
رفعت رأسي إليه فارتعبت وصرخت: يا نهار أسود؟
كان الأستاذ يضحك ويحمل فنجان القهوة ، هو هو نفس المشهد ولكن القهوة بدلا من الوردة فأغمي عليّ0
صحوت من نومي كان الهدوء يسود المكان، وإلي الباب، إلي الشارع ليتنفسني الناس، لم أعد قادرا علي رؤية هذا الشخص كما لم أعد قادرا علي زيارة وحوار الدكتور عبد الله /لماذا يريد أن يجعلني مجنونا أو كاذبا علي أحس حال؟/ أما الآخر فلا أعرف ما يريده مني؟
قلت إن العالم قد نشر المصحات النفسية ، لماذا لا أذهب إلي هناك؟ ، لن يعرف أحد بالموضوع /
ــــ وهل هناك أحد يهتم بك؟
ـــ من أنت ولماذا تقحم نفسك في الموضوع ؟ ، ثم أن صوتك يندس كالفأر وأنا أحب الوضوح ،
أنا مختل قليلا وأريد أن أتعالج/كيف قليلا؟من هذا الشخص الذي أراه ويقابلني، نعم هو لا يتكلم معي ولكنه حقيقة ، هل أكذب عيني؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالت لي: البيض والفول أهم من الناس
لم أرد، ولكني أدركت أنني لابد من الذهاب إلي المستشفي
كان هذا بعد أن ضغطت جارتي علي الباب وكنت أنظر من الشباك لأتفرج علي حركة الناس في الشارع في الصباح وأسجل خواطري ، كلاب تسير متسكعة في الشارع ، غشاشون يستفتحون باسم الله العظيم ويسيرون في عملهم المعتاد يملأون الشوارع ببصاقهم ولهاثهم وكلماتهم النصف مبحوحة ، قطط تنام أمام القط الأسود الفحل برأسه الكبير بينما ترقص الشهوة في المسافة بينهن ، طوابير من العمال تصلح لكل شيء يتابعون النظر إليك وأنت في الشباك سائلين عن إمكانية تقديم الخدمات إليك ، وعندما انتبهت لصوت الجرس فتحت الباب فزعقن : ساعة و الجرس يرن وأنت نائم
ـــ أنا غير نائم ولما سمعت الجرس فتحت الباب
ـــ كنت مشغول؟
ـــ كنت أراقب الناس في الشارع
أعطتني الفول والبيض مع بعض الكلمات التي لم أفهمها ولكنها حددت قيمة الناس وأكدت أهمية الفول والبيض 0
( 3 )
ــــــــــــــــــــ
دخلت المستشفي،ذلك المبني الذي هو الهدوء بينما كان داخلي يغلي من معرفة قديمة لأساليب إخضاع المريض بالعنف لتلقي دفعات العلاج الكيماوي الذي يتركه عادة خرقة مبلولة، ومن المفترض أن يتلقي جلسات العيادة بينما التقابل مع المحلل وجهها لوجه الذي يتلقي إجابات من خلال أسئلة، بكل هذه الإجابات يكون هو القادر علي الربط والتفسير والتعليل والتحليل حتى تتماسك هذه القطع فتفرش أمامه لوحة هذا العقل ونقاط الظلام التي تحتاج إلي إنارة ،
ــــ أنا عبد العال يا كلاب
// صوت يأتي من عمق الأشياء ليقطع حبل اتصال التفكير ولكن يفجر مناطق كثيرة بالذاكرة//
ولكن ما سمعته لا يسعد أحد، وأنا أمام القول الفصل فليس هنا مجال لمجتهد وليس من ذاق كمن سمع 0
ـــــ نعم
ـــ مريض وأريد دخول المستشفي
ـــ كارت أو تحويل
ــــ لا ، أنا مريض ، أين الدكتور؟
هذا ما قلته وما قالته الموظفة التي بالاستقبال ، وبعد ذلك لم ترد عليّ ولكن تلفنت بصوت هادي ، وضحكت ولعبت في سلسلتها الذهبية ثم انتبهت لي قائلة: لا
تركتها وهممت خارجا ولكن اليد التي امتدت وشدتني من ملابسي بالتأكيد لم تك يد شيطان، ولكنها يد آدمي أدمي أنف الشيطان وكسر عظامه في منازعاتهم /سحبني من قفاي كلعبة في يده / في الحجرة التي بالحديقة والتي بجوار السور أدخلني فأقفلوا الباب ثم أخرج من الدولاب استمارات دخول، وتقارير طبية، ورأي الاستشاري وقراره ،وفترات صرف الدواء ، وتاريخ المرض0
ـــــ ما هي المشكلة التي هربت منها هنا ،ـ وماذا تريد أن تعمل بالضبط؟
ــــــ أنا مريض فعلا
ــــ ليس معقول أن تشتغلوا جميعا بالقيادة
ــــ سلكات ، هوستولتكا أنكاي
انقضت عليّ جماعات نزعت ملابسي وألبستني ملابس المستشفي، وأخذوا مقاسات كل جسمي، وقدمي ،وسألوا عن أحب الألوان، ولما قلت لهم البنفسجي أمال الدفتر إلي أقرب الواقفين بجواره لأنه كان قد سجلها قبل أن أنطق بها0
ــــ أنا عبد العال يا كلاب، سأظهر لكم من كل مكان
كان الصوت مستنجدا بأي أحد متعاليا كأنما يشمت فيهم لظهور صدق قوله، كان الصوت عندما ينطلق لا تعرف من أين يأتي ولكنه يمر من صدرك ، ينطلق في أوقات غير محددة ولكن في حينها ومناسبتها
ـــــــــــــــــ
كنت أراهم يخرجون من التوق إلي الشوق عبر السور الحديدي، ويمرون قبل الفجر من تحت الكوبري وقد تبدلت هيئاتهم// وتبدلت هنا ليس من باب تغيرت ولكن من باب لبست البدلة //
صارت الوجوه لامعة مشدودة ، و الشعر نصف مصبوغ ، ويندسون في ألق الوجاهة وعتمة الضباب متخطيين ذواتهم واهبين كل حياتهم للمؤسسة التي وضعت شعاراتها فوق السيارات التي يندسون فيها ، وعلي مهل وبدون عجلة كل يركب بالسيارة التي تصادف وجودها لحظة خروجه من السور ،كان ما يشغلني إلي أين يذهبون ؟
ثم لماذا لم تبلغ عنهم إدارة المستشفي بالفرار ، ومن يتحمل مسئوليتهم إذا حد ث لهم مكروه؟
ثم من أين يحصلون علي هذه الملابس؟
أم السؤال الأول فكان الامتناع التام عن الإجابة ليس لأني لا أعرف فقط ولكن وأجهل أيضا0
أما السؤال الثاني أن أهلهم يعتبرونهم مفقودين من لحظة دخولهم المستشفي وفي الحقيقة يكونون قد استراحوا منهم تماما، ثم أنهم يعودون بعد أداء مهامهم0
لهذا تأكد لدي أن الإدارة لا تتواطأ معهم لكنها تعرف أنهم يعودون فجرا ولذا تترك الباب الرئيسي لهم مفتوحا علي مصراعيه0/إذا كان الباب ضلفة واحدة فمصراعيه تعني الأعلى والأسفل ،وإذا كان ضلفتان فتعني مصراعا في كل ضلفة/
أما السؤال الثالث فقد عثرت بالصدفة علي مكان يكاد يكون من وضوحه أنه لا يري ، وعليه حركة قليلة له باب له صفة بيوت العقلاء ، كان الباب صامتا جدا وعاقلا جدا ، تبدأ حركته قبل الفجر وتنتهي بعد ساعة من الفجر ويقوم بحركة وإرسال الذاهبين إلي الهيئة0
إنه مخزن كبير جدا به ملابس عسكرية ومدنية ،وملابس نسائية ، وزي البوليس، وأزياء أخري تذكرك بمدينة السينما في هوليود، به أكثر من عشرات الأفراد بالضبط يعملون ربما كانوا من الصم والبكم في دقة الانضباط ولا يدهشون، ويؤدون أعمالهم بمنتهى الدقة والأمانة والإخلاص ، في رص وترتيب الملابس، واكتشفت أنهم هم الذين يحددون ألوان كل يوم ، فنلاحظ مثلا أن يوم السبت لبني، ويوم الأحد بني، بينما يوم الاثنين أخضر ، طبعا عرفت هذا عندما دخلت عندهم أكثر من مرة وأنا في طريقي إلي الهيئة لابسا ما يختارونه لي، ولما كنت قادرا علي حل السؤال الثاني و الثالث فإن الأول يتطلب لمعرفته فقط أن تدخل التجربة، لهذا قررت السهر حتى الصباح لأراقب هؤلاء الذين يتغيرون ويغادرون ،
سهرت حتى الصباح كل شيء هادئ وجميل، والقمر يبسم في عليائه والسماء رائقة كعين الكتكوت ،ولا ظلال لمخلوق إلا الأشجار هي التي تتمتع بالمكان والسكون ، شبح يتواري عن أعين مجهولة ترصده أشباح أخري تتلاقي ظلالها ولكن لا يكلمون بعضهم البعض ؟ هل لأنهم مجانين فعلا؟
قلت هذا وقتك ، واندسست وسط الأشباح التي صارت نزلاء كنت أري بعضهم ، لم يكلمني أحد ولم أكلم أحدا منهم،كان الصف يتحرك كأنما نسير علي الغمام ولم أكن خائفا وليس عندي ما أخاف عليه ، وصلت إلي باب المخزن الكبير ، صالة كبيرة واسعة ، تتوه في براح الصمت والأنوار الخافتة، وتتلقفك الأيدي المدربة الخبيرة فتجرد ك من ملابسك قبل أن تدرك ما يحدث تدفع إلي حمام، وتستحم كما لم تستحم في حياتك وتدهن بعطر ، وعطر ستعرف مستقبلا أنه يحدد دورك الذي أرادوه لك بناء علي هذا العطر، تلبس بأيديهم ملابس جديدة من هذا المخزن وتدس في بدلة كأنما أنت صاحبها، وهنا تكون أولي الحلقات قد تمت ، والحق أقول ثاني حلقات الإعداد ولكن كتمت عنك الحقيقة التي تقع في أول الأولي وآخرها، ولكن سأقول لك فأنت ستعرف لأنك ستمر بهذه التجربة ، بعد خلع الملابس وقبل الاستحمام أدخل كل واحد منا في حلقة وسط متحلقين لا وجه لهم لكن لهم أيدي بها كرابيج ، وبدأ الجلد ، ولا أي صوت لا مني ولا من غيري حتى كفوا وحدهم حسب الأوامر التي تسيّر المكان ،وللمرة الثانية للحق أقول أنني بعد نصف ساعة من الضرب ما كنت قادرا علي الإحساس ولكن كنت أفكر في الخطوة التالية التي لن أقول عنها سيئا فأنت تعرف، خرجنا وسط الطابور الذي لم أعرف من يحركه إلي السور، ووقفنا أمام السلك، كان كل واحد يعتلي السور في وقت معين ، ولا يتحرك الذي خلفه إلا إذا همس في أذنه بالتحرك وكذلك أنا ، صرت خارج السور، رأيت سيارة كبيرة بنية اللون وبدلتي بنية اللون فعرفت أن اليوم الأحد ، همس الصوت : اركب ، ركبت0
ــــ أنا عبد العال يا كلاب ، كلما تعاملت مع الناس زاد احترامي لكلابي
انطلق الصوت لست أدري من أين ولكنه اقتلعني بحكمته وصبره وإصراره الذي يختار الوقت المناسب، توقفت الحياة لحظات ثم صمت الصوت وبدأت تتحرك السيارة مغادرة المكان الستائر تتيح لك أن تري ولا يراك أحد ، الميدان خاوي تماما وتباشير الفجر في الطريق والباعة السريحة يقعون في شباك النوم فيمسكونهم من أنوفهم بعناوين الجرائد وأخبار الصباح ، فيغطسون في قاع الشبكة غارقون في النوم ويتمددون كيفما اتفق ، والبعض يحسون بألم في أنوفهم فيفزعون ويهزون رؤوسهم نافضين أو محاولين التخلص من اليد التي أمسكت بأنوفهم، ولكنهم يقعون، حتى ولو تحايلوا للصحو بتدخين سيجارة فقد يتركونها وينامون 0
كنا قد وصلنا ، ودخلت يسبقني دليلي إلي قاعة الاجتماعات فاردا الأوراق ممسكا بالكرسي الخاص بي دافعا بالكرسي أسفل المقعدة تمام /هم يعرفون مقاسات كل شيء/وعندما رفعت رأسي عرفت كل الوجوه زملائي بالمستشفي ولكن الرئيس لم أكن أعرفه ، وكان الرئيس يتكلم وكنت أتابع بفهم شديد ما كان يقول :(كلما 100% ارتفع معدلات الهواء في السحب ولم أكلمهم تفضل يا أستاذ ، وأنهم فيما كان يتحركون وستدور المقررات كما قد نركب الهواء المتماسك وأنا لم اكن أريد وصباح سافرت من زمن اندحرت الجبال 38% من الخزان 00والاحتياطي والطوارئ وكما يري الأصدقاء)انتهت كلمة الرئيس وتكلم الذي يليه < مسا الذي يتجه بكل حسم نحو000 التموين آه اليوم علي 15% من ماء كثير ينزل من الأذن ولكن المسنيرات انتهت، إن 15% من كمية الجولات فوق الدخول لإعطاء التركيب المثالي المتدني تحت تراب مدهوس مدهش 000لبست ملابسها مع الهيبو انترستنج ، والطائرات وتنزل حتى مستوي الرأس والرقص يدور حول قذائف العاصفة مجدولات لا تصرف الضرب المتكرر طيلة أدني نيران من ولوج إلي أي أن ، تمهيدا لاشتباك الشباك في شبكات المشبك المشبوك بشبابيك المشربيات المبشنقة بالبشانق التي تدور منكشفة علي محور الساقين خط مرج38ُُ، 97ٌٌ مع خط أفق الإقليم السابع 123 سيجما لمدة نصف ساعة لأن من يملك 00 كبيرفليتصل00 0أما كلام البندقاني بوصلات المترو لدفع حركة الآن السلاملك000 حاجز أسود مخرم و دانتيل وصغير وغير مبطن وهو سيور طويلة ملفوفة تلف ثم ترمي أو يمسح به ،لزوجته الأجنبية تنظر منه إلي التمثيل الشعبي لكائنات بدائية منقرضة في قطارات أطفال منتصف الليل بينما الموازنة للأشكال الهندسية تتمحور بين لاهور والنقب الشمالي مرتكزة علي لوس أنجلوس ، بينما دانيال شتيورز و ماكس في جيكور كر من قبل العاصفة، ومن تتابعات نسغ الموجودات مع التكرار الهندسي الوراثي يبدو أن تيتو الذي شارك في الحرب الثانية خرج من العالمية بإبهام مقطوع بينما كامل اليدين عند الموت ، إن مائة واثنان هي متوسط عمره الذي شوهد فيه فمالنا من غسيل دفقات الأموال والبشر لابد في دمياط وأسوان والعاشر والسادس ورأس البر ورجل البر بينما الأبراج بالديمقراطية في الاطارالعام0 > صفقوا طويلا لكنني علي ما أذكر قد أخذت قرارا بهدم الحي رقم 27 كاملا، ثم حدث شيء صعب تذكره ، ر بما تذكرتها ، وكنت سعيدا ،تذكرت للحظة أن في هذا الحي مكان أقدام سير محبوبتي مطبوعا تحت ثقل ردفيها علي السجادة بعد خروجها من الحمام من عشرات السنين ،لا أعرف ما حدث فقد أفقت ، وجدتني بالمستشفي كمريض كما قال لي الشخص الذي انحني عليّ لحظة الإفاقة
: أنت مهم جدا وأنا كشفتك من مشيتك ولكن حتى تري بنفسك ، إذا احتجت أي شيء نادي علي أي عيل باشا فهم في خدمتكم أو بالجرس يأتي لك راقصا/ ثم انحني حتى كاد يلامس الأرض و أشار إلي جهاز التلفزيون الذي بدأ يعمل / أأمرني يا سٌلطة ، يا خديوي ، تأمرني لأعيش خدام00 ثم قبّل الأرض وراح 0
ــــــ أنا عبد العال يا كلاب ، أمامكم ووراءكم ومن فوقكم ومن تحت أرجلكم يا بهائم0
رأيت جهاز تلفزيون فإذا أنا به أقول وأبتسم أتحاور ، لم أندهش و رأيت حركة الهدم للحي رقم 27 ، وقلت جميل ، ولكني دهشت //هل يلومني أحد علي دهشتي؟// 0
لما صرت كامل الإفاقة عدت، ولكن في المرة الثانية لم أحس بالضرب بتاتا /هل قلت أن هناك جلدا؟ / ربما لأبين المعاناة ،أو لأنني حسبت التدليك ضربا ، ولكن ما بعد التدليك وهو ما لم أقله فلا يمكن للإنسان أن يخطئ فيه أو لا يعرفه ولكني لن أقول ، كذلك حدث كل شيء ولكن المتعة كانت شديدة ، وكنت مبتسما وأنا أركب السيارة، مستمتعا وأنا بالمجلس أعطي الأوامر وأقرر القرارات ، شيء عادي لم يدر بخلدي أن ما سأقرره سينفذ،تكلموا وتكلمت وسجلت ، وتفقدت ، وافتقدت رؤية الشارع وأنا أسير فيه، / وتذكرت أنني أعيش في الحي رقم 27 المربع؟ نسيت /بمعني مأسور بما أنا فيه ، أي واقع تحت أسره / وافتتحت، ووضعت حجر الأساس رغم أن اسمه سمل الأساس ، وعدت إلي مكتبي بالوزارة ثم إلي الجلسة المسائية ، اتخذت القرارات وعند نهاية الجلسة أحسست بمن يدعك كوعي دعكا ، التفت إليه كان هو
ــــ ما الذي أتي بك إلي هنا ؟
ــــ سيقابلك الليلة بالحديقة بعد النوم
، لم أتوقع رؤيته أبدا ونسيته تماما ولم000 إنه كان يتكلم ؟ كيف؟ وهو الباسم الصامت الذي لا يريم؟!
كنت أثناء العودة غارقا فيما حدث فأزاح السائق الستارة قليلا حتى يشاهد الناس الرعاع ،الكبار الذي يفكرون لهم صباحا ومساء و لا يجدون وقتا للراحة/عرفت هذا من السائق بالتكرار/ كما انه ليس سائقا ولكنه سائقا بمعني يدير الأمور ويتحكم فيها / كان لابد من الذهاب إلي الهيئة لاستكمال باقي القرارات ، جلست علي المكتب أمام كميات ضخمة من الأوراق، ولكن السائق بعدما بدل ملابسه أحضر السكرتير دليلي وقسموا الأوراق ملفات وأمسكوا بيدي اليسرى وخطوا ووقعوا/ هكذا لا يكون الخط خطي ولا توقيعي أو توقيعهم كما أنهم صادقون في قسمهم إذا أقسموا أنهم لم يلمسوا الأقلام نهائيا وأن القلم كان في يدي، وسيكون قسمي صادقا أنني لم أوقع علي أي أوراق، سيأتي هذا مستقبلا في الأيام القادمة لأنه عادة كل لاحق يبرز عيوب ويحاكم السابق/وشربت القهوة الكثيرة كما أمروني، ودخنت السيجار كما أمروني، ونمت في الاجتماعات/مستقبلا ستعرف/ كما أمروني حتى يري الناس كم نحن مهمومون بمشاكلهم وأنه لا وقت للنوم لدينا0
ركبنا السيارة وعدنا ، كان الوقت ليلا، يسمع الليل فيه صوت استيقاظ الفجر وشربه الشاي حتى يستيقظ ليبدأ العمل، دخلنا من الباب الرئيسي الذي كان مفتوحا لنا علي أصوات الكلاب الضالة والتكتم الحذر إلي الباب الآخر للمخزن، زعق الصوت من خلال الزجاج المشروخ الذي يهتز داخلنا
ــــ مرحبا بالكلاب ، أنا عبد العال يا وساخة ،عبد العال في كل مكان، الحصار الحصار يا شعب عبد العال0
وخرجت العربات ،سقطت مغشيا عليّ كانوا يتابعون شريط التسجيل اليومي لكل منا علي أجهزة العرض ، أ دار السائق السيارة ووضعوني بملابس المؤسسة في المستشفي العالمي ، وقرروا إعدام طاقم الرئاسة والوزارة من أطقمي وعدت بملابسي التي دخلت بها إلي المخزن من أربعة وعشرين ساعة ، سحبت مع مخصوص إلي مكان الحقن فغافلته وعدت بمزاجه إلي سريري وأفرغ المحقنة أرضا قائلا : هم سيشكون ولكن سيتأكدون وستعدم 0
( 4) ـــــ لقاء الحديقة( الحقيقة)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل كنت مخلوقا سماويا لم يخلق كي يدوم طويلا علي هذه الأرض؟
كيف لي أن أصعد إلي السماء وليس لي جناحين اثنين فكيف لي أن أطير؟ وإلي أين ؟
كيف لي أن أختفي عن أعين الناس ، وهل قدّر لي ألا أراهم مرة أخري ؟ وكيف أعيش بدونهم/ مهما كانوا أندالا أو يحرصون علي مكاسب صغيرة تليق بمتسول ،أو أنهم مستعدون أن يقضوا بقية عمرهم ملتصقين بك من أجل سيجارة أو كوب شاي وهم ليسوا فقراء ولكن فقراء من الداخل ، داخلهم خرابات تبول فيها الفئران/0
انفصلت عنهم بعد أن قابلنا الأستاذ عبد القادر الأسد وضمنا إلي التنظيمات الطليعية غير أنني رفت في أول جلسة عندما ناقشنا عدم مشروعية إعطاء فرد الحق في الحكم علي تجربة شعب واتخاذ القرارات فيها ، فحتى لو كانت صحيحة فإنها غير حقيقية، لكن بعضهم استمر حتى صار هو التنظيم ، وأصبحوا غير ما باتوا، وبت أنا صديقا لعبد القادر الأسد صداقة سرية خوفا عليه لأنه كان محاضرا ومثقفا في التنظيم، وخوفا علي ما صرنا ننتمي إليه بعيدا عن عمله0
إذا كنت في ذلك المأوي أستطيع أن أراهم وأراقبهم وأتحكم في مصائر هم ومصائر أهلهم وغيرهم ، ماذا يمكن أن أفعل لهم لأسعدهم؟
هل هناك من سيسأل عن غيابي ،أو تهلكه وحشتي ؟
ــ لن ينفد أحد بجلده من تلك المبولة التي انهارت أرضيتها فانزلقنا في خرائها
أعرف أنني ما جئت هذا العالم كي أعبر فقط وأترك بصمتي وأتركهم ينسجون الحكايات حولي0
كنت أراني وأنا أدخر المعجزات لأيام أخري قادمة ،وليس ضنا بالمعجزات علي الأيام ، فالمعجزات كثيرة ولكننا نأمل في أن تكون هناك أيام أخري قادمة؛ لتحدث فيها المعجزات0
وكم مرة ضبطني وأنا أرتب الأفراح والقهقهات وأرصها وأرتبها وأكومها بجوار الحائط في كومات حتى أخرجها متي احتجتها ، لأنني إذا وضعتها في الدولاب قرضها الفأر فلا تكتمل، وليس كل ما هو غير مكتمل جميل، فجمال النقص متوقف علي عدم قدرة المتلقي علي تلقي الحقيقة كاملة فهو يمدح النقص / أي يمدح ضعفه هو /وإذا وضعتها في المكتب فإن اللصوص الصغار من ضيوفي قد يسرقونها أو يبعثرونها من خلف ظهري وهم يبحثون في مكتبي عن شيء ما وأنا أعد لهم الشاي ، وقد تتفتت منهم فتتحول إلي كوابيس، فتخيل مثلا هاهاها عندما تتفتت فتتحول إلي آه آه آه، فتصبح أنت عند التعرض لها مطاردا وغير سعيد،
فدائما عندما أحب أن أخبئ شيئا أضعه في أوضح مكان0
فكثيرا ما كنت أجلس في الشرفة الدائرية الواسعة ذات الأعمدة التي يعلوها التاج وتتصل مع بعضها بمقرنصات من عصر / ماذا سيفيدك من العصور، كلها مثل كلها/وسأضع هذا العصر بجوار القهقهات للأيام القادمة حيث أجلس أدخن الشيشة وفي كل مرة تتغير أشكال الشرفة والأعمدة والمقرنصات كما تتغير نغمة الساعة الدقاقة كل ساعة ، ربما في أيام أخري سأنام هادئ البال قرير العين ولن يؤرقني شخير جيراني في الشارع الخلفي أو في الشوارع الأخرى ، ربما هذا الأرق بسبب موتها؟!
فعندما قالوا لي أنها ماتت كنت عائدا من جولتي الليلية وكانت ترافقني روحا طائرة ، دخلت إلي الحجرة كانت نائمة ربما ابتسمت عند دخولي أو خجلت ، قلّبتها ، خلعت عنها ملابسها بحثت حول العنق عن مكان أنياب الموت أو أظافره أو مخالبه أو سكينته أو آلته التي استعملها ربما هتكا أو قطعا، رفعت الذراعين قليلا / ترهل الجسد الجميل كثيرا لكنها فاتنة مازالت/ أدرت الجسد في كل اتجاه فدار، الثديان متباعدان مكتنزان كمثري الشكل صنعت باريها فمن يباريه إذا أغدق بالحسن ففاض؟ لم تكن للموت علامات، لكن رائحتها الحلوة الطائرة كانت تغمر المكان وتأخذ بتلابيب الروح ،لا خلل في المفاصل ولا ثقوب بالجسد صرخت : يا رب من أين دخلها الموت أو خرجت منها الروح؟
لماذا ازدادت جمالا وصارت مكتملة في الموت ؟ هل لأنها ذاهبة إلي باريها ولا يقبل أن تمر من بوابته إلا قوافل الطيب المعتق بالجمال ؟لك الأمر 0
توجهت إلي الله: أنت تعرف بلا شك من أين دخلها الموت أو حتى خرجت منها الروح ، وأعدك أنني لن أقاوم الموت عندما يجيء في هذه المرة،ولكن دلني فقط علي المكان0
كنت أحس أنها ستنادي عليّ فيفلت مني القول ــ نعم
كثيرا بكيت وأنا أقلّب جسد المحبوب، كنت أبحث عن وجه الموت وأنتحب لماذا يا موت ؟ أنا أمامك فلماذا اخترتها إذن هل لأنها الأجمل وأنت تكنز الجواهر ؟ أخذتها بين يدي في حضني ونمت بها باكيا، قلت في نفسي عندما أقابل العلم سأقول له يا علم لماذا لم تخترع مواد نعطيها لأحبائنا فتشف أجسادهم فنري ما يؤلمهم فنمد أيدينا وننتزعه ونرميه في الشارع وتقول له روح بعيد ياشر0
أنا يا ناس مسلوب الإرادة ومسلوب الموت مسلوب من كل شيء،
ولكنني كلما تفرست في راحة اليد والأصابع مفردوة كطرق متشعبة تشممت كل الطرق ووضعت علامة علي دربك حتى لا أتوه عنه، وحملت جثتها في قلبي حتى لا يتبعني أحد وأخذت قراري بالرحيل فلم يعد عندي ما أخاف عليه ،ولكن ضاع الدرب مني لم أتعرف عليه0 فدفنتها في قلبي وسرت،
كلما اشتقت لها وخاتلني ظلها أخرجتها اسما من القلب ، وكومتها كومة جواهر فوق سريري أو في سريرتي فيضيء الليل والنهار وتنكسف الشمس وينخسف القمر ، فيجمع الشمس والقمر وتقوم قيامتها فتحتل الكون فأسبح باسم خالق الجمال وأنادي : ارحمنا مني ، ارحمني منها ، فقط أريد أنام0
ربما سأنام وسأتابع النوم، لكني أخاف من ذلك القط الذي يجري في قفزات سريعة مقوسا ظهره ألمحه يعدو بين الشوارع وكأنه أسد الوحشة، وشوق الحزين ،إلا أن بطنه الأبيض يمرض عينيك كالنور الذي شاغلك أثناء الاستيقاظ0
بتلك الأمنيات قلت سأعيش0
كنت أسمع صوت البكاء المكتوم، وفي ثناياه همهمة فسرتها بعد جهد
ــــــ يا حبيبتي تعالي أنا عبد العال ، أنا لم أحن رأسي لأحد من يوم ولادتي حتى اليوم، حتى الحلاق لم أحلق رأسي عنده أبد من عامي السابع حتى لا أضطر لأن أحني رأسي لأحد ، كفي قلت لك تعالي، آه أنا عبد العال يا بقر0
وعرفت أنها ليست الأمنيات لأنني عندما مددت يدي إلي المستقبل أفتش فيه، مقلبا دفاتر الأيام ، أعدت ترتيبها مدخرا قبل نهايتها وانهيارها كميات هائلة من الضحكات والقهقهات والمعجزات والصحة الجيدة والأصدقاء الطيبين، وكدست كل ذلك حتى ازدحمت به تلك السويعات الباقية، ولكن عذرا فلم تستطع كل المعجزات أن تعدني بأن تمتد الأعمار قليلا ولا أن تبعد عني كل الطفيليين والمدعين وأولاد الكلب الذين لا احبهم، ولكنها أبقتهم لي بدلا من الأمراض والعلل، كان لابد لهذه السويعات القصيرة أن تتحول إلي أيام وأشهر وسنوات حتى تستوعب كل مدخراتي فلم يكن أمامها إلا أن تتمطى وتتمدد فيصير اليوم كألف سنة مما تعدون0
ربما ما يجعلني سعيدا أنني أنتظر السعادة ، وأعتبر كل شيء لانهائي فعندما أحب فالمحبوب هو الكون، وعندما أكره فلا أراه، وعندما أسافر مثلا ألي أي مكان أصرخ : الحمد لله يا رب أن عشت لليوم الذي رأيت فيه هذا المكان0
(مازلت أنتظر الذي واعدني للقاء بالحديقة ولم يحضر0)
//اعتدلت ووضعت الساق التي أعلي اسفل والتي أسفل أعلي حتى يقوم العدل//0
مشاكسات الصباح بيني وبين المحبوب هي عنب النهدين وشهد النور، ومشاكسات طائرة ، حمامات اللوعة والرغبة المكبوتة تخرج مقطوعة الحروف غير مكتملة، فإذا بها عمياء لا تري طريقها فتتوقف أمام فم صاحبها تسد الطريق أمام كلمات أخري، فيخرس صاحبها فتمتلئ المسافة بينك وبينه بزجاج مكسور، يدخلك ويهتز في صدرك ويدميك ولا تستطيع طرده، وكلما تذكرته يهددك فتعرف أنه الخوف 0
لذلك أحب أن أكون سعيدا ،
لمسني فانتبهت كان هو من رمي لي ميعاد الحديقة ، جلس صامتا ربما لم يكن هو ؟ ولكنه هو ! ، لا يمكن أن أنخدع فيه قال : مساء الخير
ليس هو00 إنه يتكلم
ـــ أعرف أنك مشغول باكتشاف شيء ما، وكنت قبل ذلك مبهورا بإنجازات العلم حتى بات لك نسق خاص من التعامل، ثم أفلت العقل قليلا من تحت زمام العقال ، الحق أنك علوت وسافرت فاختلفت فصرت غيرهم ، فجئت هنا لتحمي نفسك من المجتمع ثم فوجئت أنت وحدك بما حدث معك ، وسيحدث والمفروض ألا تفاجأ لأن هذه النتائج التي نعيشها لا يمكن أن تأتي إلا من هذه المقدمات التي عشتها وشاركت فيها ومازلت ستشارك ولكن في أماكن أخري، فقد لوحظ أنك لحوح في الأسئلة، وتفكر وترتب كلامك منطقيا فتحلل وتستنتج وهذا أس البلاء لهذا تم إنزالكم عشر رتبات قوامية فصرت قائد \جيوش البر الشرقي ولا يحتاج الأمر إلي كلام / فنحن نحارب من أجل السلام ونسالم ونحن أقوي للحرب0
قلت :هذا شخص يعرف كل ما يفكر فيه الناس ، وما يترصدهم في زمانهم المقبل ،وما سيفكرون فيه فلأحمي رأسي منه وأوافقه0
ـــــ سأتركك لمدة نصف ساعة لتتدبر أمرك وليس في يدك إلا الموافقة ولكن تدبر أخطاؤك0
تركني وانصرف وكانت الحديقة بيضاء بأشعة القمر لكأنها جوهر الحقيقة وكنت أفكر 0
ــــــ ارحم نفسك يا وضيع وإلا لن يرحمك أحد، صحي البهائم يا عبد العال الفجر قرب0
في الليل المختلس روحك ،والمغتلس بشيء ما يسرق الروح ويشرق فيها غروبا ، تدق في صدرك خطوات العسس فتتوجس رعبا وتتذكر أرميدان والزنزانة رقم 17 والكلمة المحفورة في وسط غابات الكلمات //حبيبتي نسرين// وصورة ملائكية لبنت صغيرة ، لا داعي لفتح هذه الغرف الآن ، فعندما تهتز أضلعي كنت أثبت أضلعي بأوتاد من الصبر واللا مبالاة متوقعا أن تفتح كوة بالليل يدخل منها أولاد الكلب بعد منتصف آخر الليل وتقيد اليدين خلف الظهر ، وعصابات علي الأعين وجلدك علي عروسه الاعتراف ، وأسواط انتزاع اعترافات كما يريدها هو، وحمي الأسئلة لا تتوقف وقسوة التعذيب، والرحمة طبيعتهم، رغم أنه وقع أمامي في ورطة مرتين الأولي كنا في السجن ونعذب ووقعت اتفاقية سلاح مع أحد الأطراف فكان لابد من خروجنا من وسط أيدي هذا النظام الكلب فاضطر مع غيره أن يعتذر ولكن كانت ابتسامة السخرية من نصيبه وقلت له غدا ستحرسني وسأضاعف راتبك عندما أصل إلي الحكم ، والمرة الثانية عندما عرف أنني أعرف أن زوجته تعرف شخصا آخر وهو لا يستطيع منعها قلت له : هذه هي الحالة التي لا أستطيع فيها التدخل وأتمني ألا أراك مرة أخري0
ولكن في وسط هذا التذكر المر يدخل قلبك صوت صديقك الذي تركته منذ خمسة وعشرون عاما في شوارع حلب تسمعه0
يا نسيم الصبح قولي للرشا
لم يزدني الورد إلا عطشا
لي حبيب حبه وسط الحشا
إن يشاء يمشي علي خدي مشا
روحه روحي وروحي روحه
أن يشاء شئت وإن شئت يشا
تهل البشارة من جبال الطهارة مغتسلة في ماء نهر الجوي ، فأرفع لواء القبائل المعترضة وأوحدها قبيلة واحدة،بينما صوت الكمان يعلو بشجوه فوق كل الأشياء وتسقط في غابات الشجن ، فعندما يسري صوت الكمان في العروق قطعا مدببة من الزجاج تحس بها وعندما تتوقف معترضة في مسرى الدماء تمد يدك وتعدلها في مسراها ليتدفق صوت الكمان عاليا ،لأنك لا تتحمل سريان صوت الكمان الطفل الذي يحمل صوت الغريب والمجروح والمأنون ، رغم أن صوت الكمان يلون الجروح والدماء بلون البهجة الحزينة ولكنك لا تتحمل ليس عن ضعف ولكن عن قلة صبر، لأنك كلما شاكسك الموت كنت تفلت منه ، صحيح أن ضرباته قوية ولكن في آخر تحرش بك ضربك كتفا قانونيا كاد أن يفقدك ذراعك ولكن لا بأس ، فلماذا تخاف أصلا؟
كان قد وصل ووقف أمامي بينما كنت أمد يدي في جيبي وأمسك الكتاب
قال : بالليل لابد أن تمارس مهامك الجديدة ، الهيئة بدونك لا تعمل ، لدينا آلاف غيرك في كافة المجالات فقد ثبت بالتجربة أن أي منكم يمكن له أن يعمل في أي مكان، لكن أنت وصلت إلي وضع لا يتوفر في كثيرين، فنحن نعرف انتماءاتك السياسية قبل ذلك ونعرف أبحاثك، كما نعرف قدرتك الفذة في متابعة وانتظام العمل في مراكز الأبحاث التي عملت بها0
قلت : من حقي أن أرفض/كان يدوي في أذني صون عبد العال ، أنا عبد العال يا كلاب0/
قال : عندما تصير في سلك الهيئة العليا ، لا تصبح ملك نفسك ولا تمتنع فلك دور محدد حتى موتك، وطبعا لن تحتاج أن تتخيل أنك في حاجة إلي أي شيء0
كان صوت الكمان يعلو في القلب ، والموت يضحك بعيدا في آخر المشهد، بينما كان يقف أمام بوابة الجحيم ممسكا بوردته الحمراء0
************
( 5 )
ـــــــــــــــــــــ
ــ الرجل مات؟
ـــ النبض لا يبين ، كلها كم ساعة ويرحل
ـــ بلغ الإسعاف
ــــ أنا رأي بلاش
كنت أبتسم وأنا نائم علي الإسفلت بعد أن دخل عليّ الموت وكنت لا أعطية أي اهتمام وهو يلهو بنبلته متصيدا الناس في الميدان، كنت أعرف أنه يشاكسني ولكن لا أعرف لماذا كنت مطمئنا له ، وكانت كل التحرشات السابقة تنتهي بلي القدم ، الجرجرة علي الإسفلت عند نزولك من الأتوبيس، أو علي الزلط وأنت تقفز من القطار المسرع، ولكن عندما جاءني اليوم من الخلف ضاربا كتفا قانونيا كاد يودي بحياتي ويفقدني يدي عرفت أنه لم يكن يضحك فغضبت 0، وقررت ألا أكلمه لكنه كان غارقا في الضحك وهو يجلس فوق إحدى العمارات0
بكت السماء علي غير عادتها في فبراير يوم أن ضربني الموت كتفا قانونيا راميا بي علي الطريق تحت عجلات السيارة ، ربما غسلت السماء ذنوب الأرض الكثيرة ، كذلك بكت الأرض ساعتها ، وكلما التق ماءان فدائما توهب الحياة فاجتزت جسر الموت مرات كثيرة في غرفة الجراحة ، والطوارئ ، والإنعاش0
تحملت النوم تسعة وثمانين يوما متصلة علي الظهر ، وثلاث عشر ساعات بغرفة العمليات مرة واحدة ، وست ساعات في عمليتان تاليتان مرتين متتاليتين، خرجت من كل هذا كيس جلد به مجموعة عظام تم تصحيح وتدعيم معظمها؟ وكمية من الشرايين والأوردة والعضلات والأعصاب تم وصلها ، وخياطات كثيرة في كل أنحاء الجسد لا أدري ما كان تحتها ، أو سببها ، لكن كان التقاء الماء بالماء وبكاء السماء والأرض فرحتي بالحياة الجديدة وانتظرت جولة أخري مع الموت0
********
عندما رآني أحمل ذراعي في رقبتي وأسير به في الشارع أخذ يطلق قهقهاته ويرش الباقي منها علي الناس، كنت مهزوما ومقهورا فماذا أفعل؟ هل يمكن أن يكون ما أنا فيه حيلة أخري من ترتيبه؟
بعد الشفاء ، قلت هو لم يطرحني أرضا وهذه أول علامات السعادة ، ولكنني قابلت000000كان يقف أمامي بوردته الحمراء قمت جريا حتى لا يراه أحد من النزلاء ، كان يبتسم كعادته همست في أذنه : ما الذي أتي بك إلي هنا ؟
سار أمامي طويلا وجلس في ركن من الحديقة ومال علي فخذيه متكئ إلي الأمام فرأيت مؤخرة رأسه تنفتح0
ــــ اذهب للراحة الآن000لديك عمل في الوزارة مساء
انفلت مني ذلك الذي خفض درجتي وصرت ضابطا كبيرا وآمرا حكيما ، الأسرار بين يدي تتدفق وتندلق
وتخرج راقصة من قلب الباب محمولة علي أيدي الأرمن ،الممثلات أبناء علماء النبات ـ وأول من أرشف موسوعة النباتات والأشجار والشجيرات والأعشاب والحوليات ونباتات الصوب والظل والمجموعات الخاصةـ والتمثيل والجاسوسية ، وخلع الأسرار من بدل اللواءات والأركانات والقيادات ويخرجن من المحكمة براءة بفتوي الأزهر الشريف، هؤلاء الذين في قشرتهم الخارجية مسلمين أو مسيحين أو بوذيين أو من ملة بلاد تركب الأفيال وتسافر إلي واق الواق ،ولكن عندما تشق عنهم قشرتهم الحديدية تجد أن لبهم يهودي شديد التعصب والبرمجة0
انفلت مني ذلك الشخص كما غاب عني الآخر بوردته الحمراء0
************
سنين طويلة كنت أسير في الشارع لا أحمل إلا فكرة واحدة تؤلموني ، هل يفكر الناس مثل بعضهم البعض ، هل كل الفصاميين يفكرون بطريقة واحدة ، وهل يمكن أن تصير لهم لغة واحدة تؤرشفهم من خلال الفصام ؟
كنت مكتفيا بطهارتي لهذا لم أشك لحظة واحدة في أن هناك شخص ما ممكن أن يكذب من أجل أي شيء فما بالك لو كان من أجل شيء تافه؟
كنت ( ألتمس لأخيك سبعين عذرا ) لكنني أليت علي نفسي أن تكون خمسة وسبعون عذرا، الرجال لماذا يكذبون من أجل قروش قليلة أو مكاسب بسيطة تلك خيبتهم وهذا انتصار البخل، والبخيل ضنين بنفسه ومشاعره فهو لا يحبك ولكن يحب ما يأتي من مكاسب بسببك، وإذا كانت كل امرأة قد اختارت خرابة وحفرت فيها ودفنت الضمير ووضعت فوقه ملابسها الداخلية وردمت عليهم وأقامت فوق كل هذا ناطحة سحاب من الكلمات عن الشرف والأخلاق والضمير أيضا دون أن يهتز لها جفن قد ترتعد خشبة نقل الموتى من كل هذا لكن الرجال والنساء هؤلاء لا تهتز لهم شعرة واحدة !
فهؤلاء لا ينهارون ولا يحدث عندهم اكتئاب ولا يحضرون إلي هنا// أليسوا مجانين فعلا؟//لكل هذا قررت أن أصارحكم بما يحدث هنا وما حدث لي من بداية لقائي بالشخص الوردة، لكني وجدت أن المسألة تحتاج أن نرجع قليلا من بعد البداية بحوالي ثلاثة أمتار إلا ربعا0
فأنا رجل بلا أسرار ، ليست لي أحلام كبيرة أكبرها أن يمر اليوم علي خير بلا جوع أو عري أو مشكلات ، وليس مهما الغموس يوميا لكن لا نجوع ، وكان يقلقني سؤال كوني ماذا يفعل أصحاب الألوفات بكل هذه النقود، وأين الوقت لعد هذه الفلوس، وكيف ينامون مرتاحي البال ؟ لهذا عندما قال لي صديقي أحمد بركات عن المرأة التي صعدت خلفه سلم العمارة قلت أنها عمتي فقد عشت هذا ولا أعرف فعلا هل هي عمتي أم عمة أحمد بركات ؟ ولكني رميت الموضوع من الشباك واسترحت ، ولكن ظهر لي الرجل الوردة ولم يفعل معي عبد الله ، د0 عبد الله سيحول كلمة( تفعل) إلي تحليل عن رغبتي في التفسخ لكن سيترك حالتي / هل يمكن لأي عبد الله أن يكون متآمرا مع ؟ مع من ؟ وأنا من هذا المن ؟ لكن هل هناك آخرين قادرين علي السيطرة الكونية؟ أو التعامل بدون تصيد الأخطاء والإيمان الشديد بكل ما يقوله الخواجات؟
********
كنت أعشق تلك الأماكن الصغير /أثار أقدامها مبللة علي السجادة مطبوعة تحت ثقل جسدها/وهي تتحرك كل صباح لتذكرني بها ملفوفة في بشكير كبير خارجة من الحمام تنقط ضوءا وندي وتنسكب نورا علي عينيا فأعشي فلا أميز إلا رائحتها وانفراط الجسد خارجا من البشكير علي السرير بجواري، فأستعيد تجميعي لدبابيس شعرها من الحمام و وردات صغير هجرت ملابسها الداخلية من شدة الحرارة المنبعثة من جسدها، كذلك توكات شعرها عندما تصير حصانا فألم كل هذا في كفيا فينتقل القلب إلي كفيا فأصرخ بكل حملي وجوارحي : عودي
كثيرا ما كنت أسمعها فأرد من فوق السرير : القهوة سادة والشاي ملعقة واحدة سكر0
فتصرخ : أحبك
كان ذلك بعد أن ماتت بعشرات السنين، وكنت في أول الأمر أبكى لحظة اكتشاف الفقد وأرحل في بحر دموعي إليها فتغضب مني وتضمني طويلا بين هالات الضوء فأرضي 0
ولكن في يوم غير تلك الأيام ربما عوديا علي أفقية الأيام لم أجد دموعا لحظة تذكرها فوقفت حائرا، أليست حركة الأرض حول نفسها وحول الشمس مسؤولة عن الفصول الأربعة فلماذا لا تأتي الدموع إذن ؟
نمت متلفعا بوشاح من الحزن وقلت غدا أراك يا بنت البهجة ونور الأشياء 0
صحوت علي لمس الحرير يعبث بشعر رأسي وشعر جسمي يهتز له طربا، تغمرني قبلاتها وأحسها تضغط عليّ وهي نازلة من السرير لبعض شأنها فأبسم دون أن أفتح عيناي وآخذها في حضني وأقبلها وهي فوق الأغطية فأتنهد نارا وأفتح عيوني لأراها فلا أبصر إلا وسائدي ، ولا أدري لماذا كل وسائدي محترقة ؟
مرات كثيرة أكثر من عدد أصابع القدمين واليدين تساءلت / هل أفتح شقتي فأجدها؟
لماذا لا أذهب إلي الأماكن الكثيرة التي كانت تحتفي بنا فالاحتمالات بوجودها كثيرة ، تلك آلامي وهذا ميعاد انتهاك الروح ، ففي هذا الوقت، في الثلث الأخير من الليل تنتهك الروح والكلمات والمشاعر وينتهك الجسد ساعات الغمر والفيض والتوحد والألم والإشراف علي أعلي مرتفعات المتعة0
ولما لم تجدني هناك عدت أنام كما الأسماك بعيون مفتحة حتى أسقط في لجة النوم ، لكن هل كثيرا أياما أعيش ؟؟
جاءوا من خلف حائط آخر بناية يتسللون كما القدر ويلوذون بالحائط واندفعوا في اتجاه المخزن // غرفة الملابس//0
قمت من فوري واتخذت موقعي ورششت الوهم حدائق من أفيون فوق أعصابي ودققت له في هون الأيام عظام الخوف وربطته بشالات الكتان و التيل //الموجودة فوق الخابور الخشبي وراء الباب//الأعصاب فأصاب القلب البرد وصرت من السادة في جودتها // اللامبالاة//فتهيأت أمام الخازن ملطا صرت فواتاني بالسوط وأعطاني بالبرح فلم أبرح من تحت يديه إلا منتقما من كل البشر الفانين بلا أي ملامح أو ذنب إلا ما صادفني في سيري أو وقع ذبابة في شركي، كائنا آخر صرت أنا ، في السيارة وداخل الملابس الجديدة التي بالأوسمة انطلقت السيارة حتى باب العمل المؤسسي ،كنت أتأمل انعدام الحمد في البشر ،وكنت أعرف أن هذه آخر ليلة لي في هذا الموقع وغدا علي مؤسسة الدفاع فقررت اتخاذ كثير من القرارات الهامة جدا ، حتى يكون هناك وضوح ولا داعي لإخفاء الحقائق عن الشعب أولادي فيتم تهويل كل شيء ، فما إعدام بعض الناس إلا لصالح الأعم وهو في العادة من باب تقليل العاطلين ومثيري الشغب أو في باب النظافة ، فنظافة المجتمعات أساس تقدمها ، إلي أين ليس مهما ، وما الجلد والكي والكرسي الكهربي/ إن كان يستخدم/ إلا من باب التدليك والتنشيط وجميعهم نشطاء، ليس جميلا أن ننسي تلك الجهود المضنية لتوفير الغذاء الذي فاض عن الحد حتى تجد المزابل في كل الأحياء الراقية مليئة بالطعام ولا يمنع الفقراء من أخذه ، أليس هذا توفيرا وحدا من استهلاك الأغنياء؟
ثم انظر هل ينتفع الأغنياء بمالهم ومصانعهم ومشروعاتهم ؟هي للفقراء يعملون فيها ويقبضون منها ويعيشون بلا مغامرات مع المستقبل أو خوف الإفلاس والمضاربات0
//أنا عبد العال يا كلاب( كان الصوت يرشح من داخلي تكاد كل الدنيا تسمعه)//
ثم إن الإدعاء بأن هناك خمسون ألف معتقل بلا قضايا يأكلهم الجنون والجرب والسل كلام لا أساس له من الصحة، ويقال في كل المناسبات ،وفي كل الحكومات من باب أن يظهر القائل بأنه عليم ببواطن الأمور0
الواقع أن الناس لا تفهم معني السهر علي راحتهم وهم نيام وكل واحد لابد أن ينام تحت عينك مباشرة ، ثم إن كثرة الحريات الممنوحة جعلت الشبان والشابات يتمحورون حول ذواتهم ، أليست هي الأنا وهل هناك شيء أهم من الأنا؟
ــ يا أولاد الكلاب يعني يا أولاد الكلاب، كفاية كدب يا وساخة ، عندما أسمع سيرتكم وأري أفعالكم أحن إلي كلابي ، وهي ليست مثلكم ،هي كلاب عبد العال0
إن العالم أصبح قرية صغيرة لا مجال فيه للكلمات الضخمة التي يطلقها المتخلفون عن انحراف المثقفين بفعل فاعل حتى تصبح الكتابة عن الذات بعيدا عن القضايا الكبرى مما يفقدنا الهوية والقومية ، والنظام يريد للناس أن تعيش كخراف السيد المسيح ، كالأبقار الدنمركية ، حررناكم فاعتبروا أنكم أحرارا بجسدكم لن نضع في القانون الفرنسي الذي يحكمنا بهذا الشأن أي تغيرات و لا نتدخل إلا في حالات الاستغاثة ، ولم تعد هناك قضايا كبري فأنت مواطن وطنك العالم ويجب عدم الوقوف أمام الأفكار القديمة والضيقة ، لا تقل لي إن هذا انحراف بالقضايا عن جادة الطريق مما يكرس لقضايا فردية ويجعل التحرك علي المستوي الفردي ، وليس هناك تكتلات من أجل القضايا الوطنية ،هذا هو التخلف بعينه ويكفي هذا دعنا نلحق بالعالم من حولنا/ لست أدري هذا الصوت بقايا الضمير الذي دفنته بعيد وتهت عن مكانه عامدا ، ولكنه مد جذوره بفضل بعض الدموع التي ذرفتها عليه ، لهذا ينبت هذه المقولات في مواسم الشتاء مع المطر عندما يلفك هذا الحزن العميق ، أو أنه صوت إنسان ما لا أره ؟
طبعا فإن قبر أي شخص من هذا النوع مليء بالشياطين والأفكار القديمة وبذور أحلام عبيطة تتكلم بقاموس الأسلاف، ولا يتوقف القبر عن التفكير والكلام في ساعات كثيرة ، يتكلم كوجه يعود إليك يحمل ندوبه وبقاياه إثر إصابته بالجذام الوطني ، كل هذا لا يخيفني ولن 000، نحن نصنع قدر هؤلاء البشر وإننا لعلي موعد مع القدر0
ثم ما معني إثارة عواطف الجماهير ؟
الجماهير كل مستقل بذاته وهي كلمة مطاطة فجماهير الكرة غير جماهير الكلمات المتقاطعة ،غير جماهير الإثارة ومتابعة القضايا الجسدية وحرية إعلان الجسد ، ثم ما معني أن أجد في أرشيف الوزارة التي تم تغيرها إلي المصالحة والأخوة ملفات كاملة تتكلم عن الحدود كيف يمكن أن نتكلم عن الحدود و نطالب بالحرية؟
لماذا لا تستطيع هذه القلة استيعاب الزمن وحركة الوقت ونحن كفيلون بطرح هذه الأفكار أرضا وتثبيت الجديد يوميا إننا هنا من أجلهم ، نتخفي عنهم لنسهر علي راحتهم ، انهم أولادنا فماذا نفعل، لن نتخلي عن دورنا أبدا0
لماذا نتكلم عن المساجين هؤلاء خارجون وهم في مكان أمين لنحميهم من المجتمع ، أنا لا أعرفهم ولكن هي أرقام تزيد وتنقص وهذا موجود في كل العالم 0
ما هذا الذي يحدث لي ربما تعب في الأعصاب من قلة النوم أو حالة إغماء ليس في يدي وقت أضيعه لهذه الخرافات 00ولكن ما هذا00
دفقات من دم أبيض بهالات النور تعلو الصحراء وتخرج في شكل هالات كبيرة من الوجع مصحوبة بروح الأنين والتعذيب ، معطية الشمس استراحة من الإضاءة حتى تمرق في سماء الله الواسعة فارشة سجادة البلاد تحت أقدامها رافعة أكف الرحمة والاستغاثة ملايين من تراتيل تطوح العشاق بكؤوس مترعة بالحب ، داخلين في صلاة الوجد ممسكين بتلابيب روح البلاد ماسحين عن رأسها أصابع الغدر والوحشة0
مالهم يمددون جسد البلاد علي سجادة الوجد ويحسون رعشة الذبيح في ارتعاشات الجسد ؟ مريضة هي ؟
أن أعرف قديما أنها ذبيحة تقطعها أيد غريبة لا تمل من التقطيع والذبيحة لا تمل من النمو والنبض، قلت من هذه ؟ ولماذا بلا أحد؟ قيل إنها أم خير أجناد الأرض
صرخت : دافعوا عنها تعش و000
كم قطّعوا من أول الكون ويأتون ويرحلون وتبقي 0
صرخ الصوت بكل بكاء العالم : صدقتم أنكم كلاب ،وعرفتم أنني عبد العال يا كلاب؟
**********
أحس أن ملابسي ضاقت عليّ ونهر عرق يسبح علي ظهري
خلعت سترتي وناولتها لمرافقي فنبهني سكرتيري وقائدي أن ما فعلته خطأ لا يغتفر فقد صور وسجل وشوهد0
كان بطني يزداد كأنما بطن خنزيره به عشر توائم0
مسحت عرقي بمناديلي الورقية فكان دما وزيت تحلل عظام الموتى التي تسيل من أجسادهم ، كنت أراه عندما كنا نخرجهم لننفذ فيهم حكما بالإعدام بعد محاكمة كل العهود البائدة 0
كانت تنبت من أطراف أصابعي تبرعمات مثل الخميرة في شكلها البسيط للانقسام الميتوزي البسيط مكونة حوريات ينفصلن عن أصابعي ويتلفعن بشيلان بيضاء ويستدرون فيتحولون إلي رجال فرسان من عهود مضت شاهري السيوف مترعين بالورع داخلين إليّ متحلقين حولي بينما تنبت من ظهري خلايا جزعية ذاكرتها في d /n/ a صفر ، تتحول تكتلاتها إلي نساء يلطمن الخدود بلباسهن القديم من أيام كربلاء ، وأخريات حاسرات يسرن كالسبايا عيونهم مناجل حقودة قاصدة رقبتي ، يتقدمن تحت سنابك الخيل المغيرة في حمي فرسانها ، وأخريات تحت بطون الجياد بينما الأرض بركان دم متخثر0
تقدموا تقدموا راوغتهم وهربت منهم جاريا بكل عمري،
وجدتني في صحراء هائلة عليها ركامات بيوت وأنقاض آدميون، وكنت كلما تقدمت ينبت الدم من تحت أقدامي ، تعثرت إبهامي في عين جمجمة فصرختْ : لا أدعو عليك بالعماء فأنت هو0
كانت الصحراء تنبتُ من حولي بملايين الهياكل العظمية التي دفنتْ فيها من زمن ، وتخرج من باطنها مخلفات النفايات الذرية من تربة راشحة بالدم وكل شيء يتشح بالأسود من أول الرعب حتى الموت مرورا بالخوف، وكان نهر طويل يقف باكيا عموديا علي الصحراء، يتأرجح متراوحا كالسيف الراقص نحو عنقي وينطرح كل مرة بجواري، صرخت : يا ه ،
امسكني سكرتيري ومساعدي وكنت عاريا ، وضعوني في تابوت سداسي وأعادوني إلي المستشفي0
*********
كان جسد الهواء ممددا ، وكنت لا أشكو ولا أهمس ولكن كنت أتذكر ماضيا من الوهم الجميل يحيط بسرير مرضي ، لكأنما كنت استدعيه فيهاجمني فتهب من خلاله البلاد خالصة لك ، أما الآن فتري ما هو مسكوت عنه الآن ، وفي ما ض جميل ، أو ربما رؤية من نساء لوحات فناني الإسكندرية الأخوان وانلي ، بين الأوبرا براقصاتها والسيرك بلاعبيه
ــــ لا مكان لك ، مازالت ذاكرتك تعمل ، نحن لا نحب ذلك0
كان يربت علي كتفي
ــــــ ارحل
ـــــــ 00000
ــــــ أشباحنا لا تشبه أشباحكم ولا تظهر دون إذن ولا تلبس الشيلان البيضاء ولا تأتي تحت بطون الخيل بجوارهن الفرسان، الأجيال الموجودة تم برمجتها في أرحام أمهاتهم ووضع شريحة بها موصلات وأشباه الموصلات فائقة الجودة بها كل ما يراد في فترة زمنية محددة لها جلود سميك، عميان القلب، من اختير للمهام الخاصة ينامون في خيمة الأوكسجين وينقل إليهم شهريا أربعه لتر من دم بنات عذارى يبلغون من العمر سبعة عشر عاما به أكبر كمية من الإستروجين، فيعُودُون فتيان بلا ذاكرة من جنس واحد متحد ، لهم كمالهم الذاتي، وأقوياء، وعندما يمرون في منطقة ويعيدون المرور بها مرة أخري يستعجبون عن هذه القدرة التدميرية التي لحقت بالمنطقة، ربما مر بذاكرتك أفراد من زمن قديم كانوا يقومون بمثل هذه المهمات ،لكن هؤلاء يوضعون اليوم في المتاحف أو يلهو بهم الأطفال لإمكانياتهم المتواضعة ومقولاتهم التي خدعت الناس لزمن طويل وصارت عارا لهم الآن ، وفي الأغلب كان توجههم لقيام ما نحن فيه اليوم ـ لذا فإنك من زمن قديم لم تتخلص بعد من ذاكرتك، ستعامل بقانون الاخلاء0
ــ طبعا أنتم كلاب وأنا عبد العال يا كلاب
كأنما فتحت عليّ طاقات من الضياء أو سرب بنات حملنني منطرحا علي صدورهن متلمسا نعومة أجساد جرحها لمس الحرير وأدمتها أصابعي ، ربما أنات حيوانات تحولت إلي إناث ولكن لست أدري شيئا، صاروا حور عين ،كاعبات، ثيبات، وأبكارا ، متدفقا من بين أصابعهن ماء الحياة أكفهن الرحيمة روح تتراءى لأعمي فتبرؤه فيري وهن يرفعن أكفهن البيضاء ليرفعن خصلات ذهبية من فوق جباههن فيذبن في الضياء 0
كنت سعيدا إذ حملنني وعدن بي إلي القرية ،أراني مضروبا بحمي شمس شديدة القسوة تتركني أهلوس فأجدني في صحراء كالتي زرعت هياكل عظمية وبقايا ذرية نمتْ في مكاني، ويزعم الزاعمون أنني لامست شفه شقراء لم تستطع قوة العجائز ولا بخورهن ولا نمنمات وصلصلات الأجراس ومجربات أعياش أن تدمر طريقها أو تطردها من بين يدي، لهذا سرت في طريقي مبتهجا لكأنما عدت إلي حبيبة بعد طول هجر 0
لم يكن أمامي إلا الهرب فهل أستطيع ؟
كانت الصحراء بلا هياكل عظمية ، قلت في نفسي أو جهرا من سيسمعني أعود إلي شقتي بالمدينة 0
لم يكن في الأفق غير الصحراء والرمال وعلي مسافة بعيدة عدة أشجار واصلت السير محاولا في نفسي رسم خطة بعيدة المدى عن ما الذي يمكن أن أفسر به اختفائي؟، أو ما الذي أفعله عندما أعود إلي شقتي؟، هل أخذ حماما ثم أكل وأنام ؟ولكن ماذا أفعل لو وجدت دبابيس شعرها في الحمام ،أو نادت علي من حجرة النوم فوجدتها جالسة علي السرير في قميصها الخفيف الأصفر الباهت بلون عصير العنب وقد هجرتها ملابسها شاخصة بعينيها إلي صورتي الضاحكة في الإطار هل أقول لها صباح الخير؟ 0
ماذا لو أخذت يدها بين يدي فأحسست دفئهما ثم تذكرت بداية الأخيلة ، ضربة مفاجئة علي اليافوخ ( إنها ماتت ) 0
كنت قد وصلت منهكا غارقا في عرقي وأفكاري حتى أشجار كثيرة متكسرة كسيرة رغم أنها أشجار إلا أنك تحس أنها وحيدة نجت كل واحدة بنفسها من وهج القنابل الذرية فوقفت فاقدة الذاكرة لا تري ما حولها محاولة أن تمنع التشوه عن أجيالها القادمة منكفئة علي نفسها تعيش في العزلة والوحدة 0
أسفل هذه الأشجار ناس مهلهلين ربما بدو رحل لكن ليست الملابس كذلك والملامح لشعب خليط ضاعت ملامحه وتباينت طباعه كل فرد جزيرة منعزلة لم يجمعهم إلا ما هم فيه
قلت : الطريق إلي المدينة ؟
قال أحدهم : أنت في المدينة هذا هو الحي 27
- ما الذي حدث له
- أمر المختص في المؤسسة قبل أشهر بهدمه
- حتى المربع 61؟
- نعم
لم يكن إحساسا بالفقد لأنني أقطن هذا المربع في ذلك الحي ولم أكن أنا الذي فعلتها ،أو ربما أنا، ولم يكن شيئا له علاقة بالجنون ، لكن فقط لأنني لن أري أثار أقدامها تحت ثقل ردفيها علي السجادة مبلولة ، أو دبابيس شعرها في الحمام أو مسح أصابعها علي السخان من أثر السناج0
فقط فقدت منطقة تقبيل وحشتها وانبعاثها ضياءا 0
ما قيمة هذا القلب إن كان لا يسعك 0
عندما تكف كل أعضائي عن العمل فأبقي كومة عظام وجلد فيشفق الناس عليّ، فلا أحس إلا بنبض القلب فأقول أنه يتمدد في قلبي، فأحسك، و تأكلني نار مقدسة، يرتفع الحريق فأخر ساجدا علي سجادة قدميك تلفحني النار المقدسة فأصرخ :
أن بورك من في النار ومن حولها
فأسمعك : يا نار كوني بردا وسلاما
فيصرخ كياني : فذلكن الذي لمتنني فيه 0
لم أحزن عندما أخذتها مني ، فأنا أراك في النقمة ، فالنار جسر إلي الفردوس ، تزيل خبث الجسد بالنار فتصبح أنقي ، أخاف من النعمة حتى لا يركبني الغرور ، سعيد أنا بأمراضي وأوجاعي سعيد ، وسعيد أيضا وأنت تسحقني في الحادثات فأخرج منها كومة عظام وجلد ، كنت قد شكرتك كثيرا لأنك كنت قد تركت آثار مسح يديك عليّ فتنة أثناء الخلق ، لم يعد هناك جمال ليفتن، والشعر شاب وقلْ ، العروق تنبض فأصرخ هكذا أتجرد حتى أتيك عاريا إلا من ذنوبي فتحرقني بالنار المقدسة ،و تتجلى عليّ يا كلي القدرة فأصرخ :
أن بورك من في النار ومن حولها 0
كنت سعيدا أراك وأنت تبتسم وأنا أمسّد شعرها وأقبّلها فلا أجرؤ علي رفع رأسي للنظر إليك؛ لكنني كنت أحس بك تحتل قلبي / بيتك / ، وأفرح كثيرا وأنا أري جمال صنعتك في مفاتنها وآثار بصمات أصابعك غمازات الحسن ، يندلع الحريق من الخفين ويخرج برج نار من رأسي ، لا وقت للنوم ، الصيام عن كل ما عداك الطريق ، لا أدري أي قيمة لأي شيء إن لم يكن لك ، أخرج مرصعا بالتوبة والذنوب مرتفعا علي قمة جبل الخطيئة غارقا في دموع الندم فأسمع النداء أخلع نعليك 00فأنا اخترتك
فأصرخ: للبلاء للسحق للأمراض والعاهات أنا راض بكل هذا فهل أنت راض ؟ 0
وأنا في سحق المرض وقد غادرتني العافية قالوا لي اصبر
قلت لهم : لا ، أنا في عجلة من أمري ، كيف أصبر وأنا أتقلّب لحظيا تحت عينيك علي نار الوجد، من مثلي الآن جسدي في تابوت المرض وقلبي في عليين ، أنا علي قمة جدول الأعمال
متي أتيك أطرق الباب فأسمع النداء : من أنت فأقول أنت، فنتحد
كنت كلما هممت بالغناء لها توجهت إليك
فارحم القلب الذي يصبو إليك
فغدا تملكه بين يديك
اليوم كألف عام أحتفل بالاحتراق، وفي كل حب أراك وفي النقمة أراك حتى لم يبق إلا قلبي / بيتك / فهل أنا أسرف في الأمنية ؟0
للأسماء مدلولات ولكن لماذا تصبح المدلولات واحد هو أنت ؟
تندلع الحرائق من براعم الورد وأزهار اللوز وفاكهة التين وأبصرك هنالك تتجلى ضحكة طفل ، أريج زهور العشق وأري أطفال الرحمة وملائكة المغفرة تهدهد رأس العالم ، أبصرك ، أحيط بك دلالة كبري حيث كنت أبصرك دائما في عيونها فأخجل أن أنظر إليك وأمتنع عن تقبيلها0
علمتها أن أقبلها مغمضة العينين حتى أستطيع أن أتنفسها فأنت تجلس في عيونها ، من علمها أن تخرج كل لهيب العالم تحت يديا فتندفع النار من جسدها إلي أصابعي وتلف جسدينا فتشتعل الحرائق فينا، وتفتح عيونها، وأراك ونحن نحترق فنسجد علي سجادة قدميك صارخين أن بورك من في النار ومن حولها ،
ـــ وأنا اخترتك
فأهتف ثالثة ورابعة وألف 0
*******
كنت القبل قد صنعتها من هواي ، علي بعد الوحشة من ميلادي صرت شغوفا بالنساء ، أتلصص عليهن من فوق أسطح الدور وأدور وراءهن من موقع هوي إلي آخر ، أهتز من الوجد وأترجرج بترجرج الجسد وحمي العيون المريضة ، أذوب مع اهتزاز الصدور فتصدر عني الآهات صارخا من وقدة عود الآراك وروائح حصى ألبان ، لكن كانت حبيبتي أجزاء موزعة في كثير من النساء في مخلوقات الكثيرة 0
تعوي الرعود مقهقهة فأعرف أن صرخاتي تقع في الوحل، كان يقول لي: احذر هواك فالماء نقي والتراب طاهر لكن لو اجتمعا صارا طينا0
قلت له: من الطين خلقنا وبالحب وجدنا فهل نكون حبا من عجينة كره ، هل يمد الكلي القدرة يده ليصنع محبيه من عجينة دنسة /حاشا وكلا /
قال : أنت مغوي فاحذر ألاعيب الكلام
تردد صوتها داخلي : متي أكون
علي مهل كانت /راجع أوجاع الطين / بعد رحلة شاقة اتحدت بقلبي ، كانت النار قد أحرقت ثوبي ، وهي تشب فيا مندلعة من خفيها وأن أتلفع بها وأصرخ :أن بورك من في النار ومن حولها0
ذهبتُ إلي بيتي وأخرجتها وسكنّا وكنّا ، كنت أراك ترعانا وكانت النعيم المقيم فخفتُ ، وادخرتها ليوم معلوم، أخذتها عندك، لم أغضب وكان بودي أن أنجح في الامتحان، كثيرا ما كانت عظامي تؤلموني وأكاد أطير بجناحين كبيرين ، ولم أشكو أو أطلب الرحمة وكنت دائما أصرخ : زد في السحق حتى أكون ، زد في ابتلاؤك وبلاياك ولا تسمعني دمي المنثال علي الطرقات حوادث، وتسألني كيف الحال ،ولكن أحرقني لتطهرني حتى لا يكون أمامي إلا الفردوس الأعلى فأراها0
لم تختلط الرؤيا عليّ ولم يعترك الشك بصدري لأنك أنت هناك ، كذلك لم أكن مجنونا كما يقولون ، ولكن بطيئا واثقا عدلا تجيء لي، مالأ كل الوجود تأخذني علي جواد الخيال مترف النعيم بثوب من البلايا ،فأتدفق علي الدنيا نورا ونوارا وأريجا سائلا ويبقي مني بعد المغادرة كومة عظم مسحوقة ولسانا لا هجا باسمك0
هذه قبضة التراب تعود إلي الأرض، والباقي لك فما شأني بالآخرين؟
صاروا حولي غريبي الأطوار ، قالوا هجرت عملك ونسكت في كتبك وجننت ،وكنت أكتب الكتاب بأن أضعه في درج المكتب وأحتضن المكتب فأري ما يكون وتسجل كل ما في ذاكرتي وما سيأتي ولم أقرأه في يوم من الأيام ، وجمعت الأوراق في وقت ما ووضعتها بالدرج فنمت فقمت وجدته مجلدا ، فلبست بدلتي البنية ووضعت الكتاب في جيبي وأخذا روح حبيبتي وردتي الحمراء وسرت0
حاولت التفاهم معهم ولكن كيف ؟
فالقلب مشغول بغير
القلب منتهك بغير
هجرني الناس فتزملت بنفسي وتدثرت بك وأسقط روحي نوارا علي الطرقات زهرا ،
قلت : من يلم زهر روحي ؟
لم يكترث أحد0
كانت نوارات روحي تتساقط زهرا مفروطا في وحل الأيام، ما صادفت دمعة عين ولا آهة قلب0
زمان حينما مرت علي خطواتي النابضة روحي علي إسفلت الشارع لمت زهر روحي وأدفأتها في صدرها فأفرختني فقالت : هو أنت
قلت : نعم هو أنت
فامتزجنا دما واحدا وتوازت أسنتنا تحت وجه السماء فأخذتها مني، شكرا لك0
اعتزلني الناس فلم أجد الآخر ، وكنت أعرف أنه ليس جحيما ، ولكن صار 0
صارت الكتابة بعد التفكير فيه حياتي ، نزف دمي، وبراح هو الجنون الذي أكابد حتى ألامس حدوده ، أجنحة الخيال بعدي بكثير، كنت مشفقا عليها لأنها تبتعد كثيرا بائسة فقيرة ، في هذه الحالة بالضبط يلتهمني الحريق ويذيب عظامي وتلك منطقة جديدة فأعرف أنني نجحت في الاختبار فأصرخ : أنا الغريق اتركوني فتتحول النار بردا وسلاما0
أشواقي للإنسان الذي أوحشني طاغية وغير محدودة بحدود ، أقطع من عزلتي وأمد جسرا من التواصل ولكن لا جدوى فلغاتنا مختلفة تماما كأنما هبطت من مكان آخر ، رغم امتداد جسور تواصلي مع الحيوان و النبات والجماد، الكل في وحدة واحدة ، لم تبق لي إلا الكتابة ، تحت سبي القراءات اقرأ،
كل ما قرأت تحول إلي صمغ الراتنج من الموصلات وشبه الموصلات فائقة الجودة بنقاط الحديد الأخضر والأصفر مصنوعة بعيدا عن الجاذبية الأرضية في محطات ميرا تؤرشف كل الثقافات والتجارب في الذاكرة 0
ــ ما عليك ألا أن تضع الأوراق بالدرج 00000
كنت قد فعلت وأنهيت أحلامي ومستقبلي وهواياتي وكتاباتي
قالوا: سندهن كلماتك في الهواء أو علي الورق براتنج الطيب اللاصق فلا تغادر سامعها أو قارئها وتسري في الدم مواكب اتخاذ القرار، كثيرا ما نحاول مساعدتكم ولكن طرقكم في التواصل لا تصدر عن القلب0
كنت أود أن أدون سفري أنا بنار مقدسة شاويا آثامي مبقيا كومة عظامي ودمامتي حتى أصبح عبرة للناس ،
ولكن كيف أعود لأندمج بمطلق الجمال ؟
هل تقبل بوابة الغيب ما يشبه العيب؟
لماذا في غمرات الجمال أجدنى مقتحما أسوار الجلال كاسرا سدا من العزلة مخرجا القلب من قفص الروح داخلا ملكوتك في عمائي الأزلي سابحا في بحرك سابرا غورا بعيدا ، أكاد أغرق من عمق لجتك الأولي فتحاصرني نار الكينونة فأشتعل برقا ، نيزكا ، نجما ، بركانا من صدع يخرج من تحت الماء زفرة مكبوت فتشعل النار في الماء وأشتعل وأشم رائحة احتراقي فأصرخ : زد مواجعي حتى أري0
ناولني كتابي بعد تجليده قائلا كل ما فيه قد تحقق وما لم تقرأ هو ما سيتحقق لحظة قراءته فاعلم واصدح بحلمك0
***********
عندما كنت أري الضوء الباهر منعكسا في السماوات العلي ، وعلي الجانب الآخر من النهر ، ضوء يمكن تمييزه وسط أضواء باهرة كثيرة كنت أعرف وأتمتم /هذا موعد مرورها اليومي0
وعندما أتذكرها أصير أعمي يزحف علي يديه وركبتيه متتبعا عبيرها باحثا عنها وعندما لم أجدها كنت أتمني أن تعتصم عيوني بالصمت 0
ماذا لو أعود فأجدها في الشقة / لا تقل لي أنها ماتت أنا أعرف يا أخي ولكن/ تأتي في زيارة خاطفة وأجلسها علي السرير أخذها في حضني / لا تقل لي لماذا ترعتش ، أنا لا أرتعش ولا أبكي فقط أتذكر/أخذها في حضني ونتعانق ونتقلب فوق الفراش فأقلبها إلي الجهة الأخرى فتتبدل أماكننا ، فأغافلها وأرتدي رداء الموت وأعود معه بعد انتهاء الزيارة القصيرة ، وتظل هي في الحياة ، فهي لن تتذكرني كثيرا، لن أملأ عليها الوجود فأصير الوجود ذاته، بعدي لن تستغني بذكراي عن العالم، مثلما فعلت ، ولن تكوم اسمي أحجارا كريمة تضيء ليل وحشتها، وإذا مررت يدها عليها يضيء الكون ، ولا هي ستبكي ، وإن بكت فهي في عينيها دموع، أما أنا فدموعي جفت،/أنا لا أرتعش ولا أتلاشي ولا عيوني تكاد تصبح كليلة فلا أري ، أنا بخير لأنها تترائي أمامي0/فقط اتركوني سائرا في دغل أحزاني ومفتتحا أمام الوجد بابا بعد باب0
( 6)
ـــــــــــــ
لما أخذتنا السيارة بعيدا إلي مؤسستي العسكرية القسم الشرقي ، لم يكن لغزا ما أراه أمامي علي خرائط المعركة ، لم تكن الطبوغرافيا شيئا بعيدا عن تفكيري ، أعرفها وأعرف الملاحة الجوية ، أعرف التكتيك الحربي وأقواس النيران والأسلحة المعاونة والمواقع التبادلية، وشدتي الخفيفة وأقنعة الغاز ، والزمزمية ، وعشر حصيات لزوم انقطاع الماء وكتاب دليل الجندي في المعركة ، أعرف قواعد حفر الخنادق وانتشار الجنود و00 لا أذكر متي عرفت هذا بالضبط ، كنت أعرف أن لكل جيش عقيدة قتالية لكن ما هي العقيدة القتالية ؟ ربما كنا نستلمها مع المهمات وضاعت في التسليم والتسلم ؟!
ولكن آخر التقارير التي أمامي تقول //أن كل الدول تعرف أسلحة كل الدول لكن الفرق في السرعة فإذا كانت السرعات قد وصلت إلي –5فإن المطلوب هو-7 بمعني زيادة إمكانية السلاح في العملية الواحدة في كل استعمال إلي مليون ضعف للقدرة عن غيره أو نفسه قبل التطوير ، ولذلك فإن إطلاق صاروخ من علي سطح غواصة تحت الماء سيعيق تتبع مكان الصاروخ ومكان انطلاقه ويلغي فرصة إعاقته ويفاجئ أجهزته المراقبة أنه وصل إلي الهدف وبفضل الغواصة يغير موقعه في كل مرة كالعاهرة فلا يتم تدميره ، حتى عندما قلد الغير إطلاق الصاروخ أطلقوه من داخل الغواصة فكانت سرعة الصاروخ أعلي من سرعة فتح الغواصة فانحشر فيها مدمرا 0000 // أقفلت التقرير الذي راجعته ولكني دهشت لماذا تبقي تقارير مثل هذا في وقت يسود فيه السلام ، إن هذا من تبعات الماضي السحيق0
//تم كشف 65 شخص في مواقع قيادية تورطوا في عمليات تجسس//
تجسس؟
مازالت هذه العقليات القديمة تحكمنا انهم يريدون إعاقة مشاريع إنعاش الناس ، إن التطور الهائل في نفسيات الناس بعد إلغاء قانون التجنيد الإجباري واعتبار أن هذه الوظائف وظائف مدنية يحق لمن يريد أن يشغلها التقدم إليها كالوظائف العامة ، ذلك لأن شعار الناس العالمية ، وليس المواطنة وضيق أفق القومية والهوية، ما الذي يمكن أن يتحقق للفرد في ظل تلك النظم القديمة ؟ لا شئ ، ولكن في ظل النظام الجديد يمكن أن يتقدم من c100،c200،c300 ،c@ ويمكن أن يصل إلي 1@ ، كل هذه إمكانات كانت تعوقها الإقليمية البغيضة الضيقة 0
ـ علينا أن نتحرك الآن لزيارة المنطقة الشرقية
نبهني مرافقي لأخرج من تلك الملفات والتقارير والتأملات ثم همس : لاحظ أنك تتصرف بشكل منطقي وكل هذا مرصود عليك( وابتسم فابتسمت وقلت ) وعليك أيضا0
تصل العربات إلي مكان الجهة الشرقية تتصاعد الروح طائرة علي ظهر الجواد أقع في كوابيس وأحلام غريبة ، ما إن نهبط من السيارات وننتشر لتفقد المكان إلا وأقع في شقوق الذاكرة ، كنت أود أن أصبح أعمي أو أن يغيض الماء في شقوق الذاكرة ، حتى لا يبقي لهذه اللحظة أي أثر ليستعاد ، لماذا تأتي من بداية الذاكرة الأولي تلك المشاهد التي أراني فيها قتيلا في الصحراء والذباب يتجمع علي زوايا الفم في وقدة الظهيرة الشاملة للكون، هي صحراء لا ينبت فيها إلا العَقُول والصبار، والحسك، ولا مرّ في خاطرها قطرة ماء ، الرياح دوامات شديدة وأنا مغمض العينين وحيدا في الصحراء، ولكن ذاكرتي في أعلي درجات تألقها مدركة بوضوح شديد ما أنا فيه وما سيأتي0
قالت لي الشوارع : سنشرب دمك ،اجعل هذا اليوم بعيدا قدر الإمكان 0
لماذا لا تعمي الذاكرة؟؟
لماذا لا تفارقني لحظة وضع الدبلة والخاتم والساعة وخطاب في ظرف جواب قائلا للشيخ علوان الذي رفض الهجرة وظل يقدم لنا البطيخ والبلح والخضار من أرضه مع المانجو لكل السرية: هذه أمانة يا شيخ علوان ، أوصيك بإيصالها ألي أهلي في حالة استشهادي قائلا لهم لقد دخل الحرب سعيدا، فقد انتظرتها طويلا بشكل شخص لغسل عاري وحتى أستطيع أن أسير مرفوع الرأس0
بكي الشيخ علوان وأهل منزله قائلا ، إن شاء الله تعاود بالسلامة، لا تقل هذا الكلام الشر،إن شاء الله نراك بخير 0
استمر إطلاق نيران المدفعية ساعة ونصف حتى عبرت القوات التي أمامنا ثم جاء دورنا للعبور ، كنت في القارب المطاطي ناسيا كل شيء في العالم إلا الشيخ علوان وأهل منزله الذين وقفوا تحت القصف يلوحون لنا ودموعهم تزيد ارتفاع منسوب المياه في القناة0
لم تزد الخضراء البكاء إلا ثقلا ووجعا بالقلب، كنت خاطبا ابنة العم لكنني كنت قد صممت علي الزواج من الخضراء وبحثنا معا الإقامة في الضفة الشرقية يوم تحريرها، لم تتكلم ولكنها في الصباح التالي كانت تصب الماء علي يديّ وأنا أغتسل فرفعتْ القناع فنظرت وطأطأت رأسي بالأرض
ــــ سبحان الله 000 الله أكبر
فأسدلت القناع ،وجاء اليوم لرفع القناع والالتحام0
كان يتحرك ببدلته العسكرية مع كل أصحابه المدفونين في ملاجئ القرود وأقفاص النسانيس، يمرون من خلال خنادق المواصلات والإمداد والتموين ، كان يجري خارجا من القارب المطاطي جارا مدفع المكنة، كانت تجره عربة زيل61 ولكنه يجره الآن مرتقيا به الساتر الرملي هاتفا الله أكبر غارسا في أعلي القمة علما بألوان ثلاث / ربما كان هذا فيلم المنتصرون / ما أروع السينما الأمريكية / مازال يتحرك ، زخات رصاص، سقط متعلقا بالعلم / أين رأيت هذا العلم قبل ذلك؟/يتقدم الآخرون جحيم بحري ، موجات لسيل طال حبسه لا تتوقف في اندفاع كاسح ، أذاب الماء المنطلق الساتر الرملي، فرموا بالعدو بعيدا وانفتح المدى شهادة ميلاد المنتصرون /اعلم أنهم سيُخدعون ولن يهنؤا بنصرهم هذا الذي كنتم تزعمون ، نحن أولياؤكم في النصر والهزيمة والتسوية الإجبارية واجبة وإلا فالجحيم الياباني لنجزاكي في انتظاركم/
اندفعت من مكاني متذكرا مشاهد الزهو من رؤية طوابير طويلة من الذل والهوان للأسرى الذين كانوا ينهبون الأرض سبع سنوات، وذلك وعد غير مكذوب ، كانت المعدات لعب كارتون مشتعلة ، والإنسان بعناده مقتول، والرمال مشوية بالنار ، شديدة هي لعبة الصراع بين إرادتين، والوقوع في يد الآخر لا يعني إلا البحث في منحنيات الذاكرة عن نظريات تدريب من خلالها يعاد الترتيب 0
كانت أيام طويلة نعيش فيها داخل قفص القرود ننحني باستمرار في الخنادق ،في الهناجر، في الملاجئ ،وفي خنادق التوصيل، والمواقع التبادلية ، قليلة هي أيام الفرح بلقاء من تحب ، لم يعد الحب إلا اجتياز الماء ، لم يعد له معني إلا قتل هذا الانحناء الكلي الذي جعلنا نؤجل الزواج خوفا من أن يصبح أولادنا يحملون ميراث الانحناء،يولدون منحنون0
لم تكن العودة من هناك إلي العمق لإعادة التدريب هي التدريب ولكن كانت الترتيب للذاكرة وللنفس من الداخل 0
كثيرا ما كنت أنط سور المعسكر بجوار كلية البنات واضعا البارية في كتافه القميص تحت الرتبة العسكرية مارا علي المقهى حتى أرتب نفسي، وألمع الحذاء ،واشرب الشاي ،والمعسل ، أمشط شعري، وامسح نظارتي الطبية وأغدو روحا طائرة إلي المحبوب 0
: أنت هنا في القلب ،أقدامك تسير عليه
: وأنا أقدامي لا تصل إلي بقية قلبك
آخذها في حضني ولا أجد فوق رمال شعرها إلا دموعي ، فكأنما أخذوني من حضن أمي صغيرا كنت ،والقوا بي في عراء الشتاء والبرد / هذه الذكري التي ستظل تطاردني بقية حياتي /،حدثت مرتين، الأولي يوم أخذوا أبي وكنت صغيرا في بيت أبى ، والثانية مرات كثيرة وأنا بالجامعة وبعدها ، ذكري تمنع الإمساك بحبل الانتماء 0
سبع سنوات في هيئة أسد تحمل علامة النصر في آخرها ، لكنها كانت سنوات قهر ، مؤجلة هي الأحلام ، والدموع ، والشهوة ، ولمس قطع الأثاث ، ورائحة البياضات وقطن التنجيد في سرير الزواج ، لم يكن أمامنا إلا لقاء اللهفة وتأجيل امتداد الأشواق ودلق المشاعر أمام الناس في المقاهي والكازينوهات ، والعواء بالليل اثر قنص صديقك الواقف بجوارك أو المار بالخندق، أو انطراح الجسد حاملا العشاء لحظة رفع رأسه، وانفلات الجميع من الاستعداد لتسليم الجثة إلي الأهل ، ومطاردة صور الأشياء الموجودة في جيوب السترة أو الكراسته // مشط ، صورة العائلة ، صورة الحبيبة ،تذكرتين سينما ، تصريح ، جنيه مقطوع نصفين غير موجود النصف الآخر والباقي عليه محمد رسول الله ، عشر جنيهات في مكان وحدها ، سبع جنيهات ونصف وربع الجنيه ، وعشرة قروش فضية وقطعة لبان دكر ، علبة سجائر كيلوباترا بها ستة سجائر ونصف غير مشتعل، ومشط كبريت ، إيصال أستوديو العائلات بعدد صور والاستلام مضي عليه ثلاثة أيام ، دبلة في اليد اليمني حفر عليها هناء متولي 16/9 / 0//
دموع تنزل من جوانب العينين علي الصدغين صاعدة من الكعبين نازحة كماء البئر أو كنسغ الأشجار 0
سبع سنوات عجاف يأكل سبع ثمان ، وكنا نظن بعد النصر بالدم ،أن سبع سنبلات خضر قادمة ،أو سيأتي عام فيه يغاث الناس وفيه يعْصِرُون ،لم نكن نتوقع أبدا أن تكون الأيام التالية يُعصرُ فيها الناس 0
ـــ الحركة للأمام يا فندم
نبهني سكرتيري ومساعدي وكنت قد سرحت قليلا
فقلت : نعم 00نعم
مرت العربات وكنت في وسط قول التحرك ، كانت القرى السياحية، والشواطئ الخاصة، والحدائق المدلهمة ، وبشر أكثر بياضا ولا ملابس ولا زعل ، ومياه ربما هي نفس المياه لكنهم ليسوا نفس البشر ، وليست هي تلك الأرض ، كما أنني لست أنا ، فلماذا يقرضني هذا الشعور الزنيم بوجهه اللئيم ليخرجني من مهمة الكرسي تمتمت : التحول السريع نحو الأفضل0
ـــــ هل صدقتم ما أقول لكم ، أنا عبد العال يا كلاب
لم يرد عليّ أحد ، نظرت مرة إلي سكرتيري ومرة إلي مساعدي ، قال المساعد بنظرة كالشرك : كيف ؟ أرى أن رأيك غير هذا ، خاصة وأنك لم تر المنطقة مطلقا فكيف عرفت بسرعة التحول ؟ 0
كدت أقول أنها بنت دمي ، وسبع سنوات من عماء الانتظار، وتأجيل كرامتك واسمك، وتصبح دفعة ، أو حضرة الضابط ،أو نمرة ،أو أسد علي حسب، كيف لا أعرفها، ولكني صمت 0
ـــ يبدو أن الذاكرة مازالت تحمل بعض أمراضك القديمة
قال ذلك مساعدي متوعدا فلم أرد ونظرت إلي الأمام 0
كان يضحك ويقهقه وهو علي أعلي نقطة علي علم السيارة لابسا بدلته البنية ممسكا بوردته الحمراء مبتسما كان0
حبست صرختي وقلت في نفسي: حلمي أم أنا الذي يطاردني ؟
لم أحس بنفسي إلا في خيمة الأكسوجين بعد الإسعافات ثم عدت إلي السيارة أو أعادوني فلم أعرف ولكنه همس في أذني بعد خروجنا من المخزن
ــــــ لم تعد تصلح لدورك الجديد ولا للعودة لدورك القديم
كدت أصرخ مسترحما ساقطا علي نعل حذاءه إلا أنه قد غاب0
ـــ اعتدل ، صرت كلبا مثلهم،الكل قبض الريح باطل، لكن أنا عبد العال يا كلاب
************
الدنيا امرأة عارية تغمز لك لتتبعها ، وكلما هممتٌُ ، ابتعدتٍْ متقلبة بفصولها الأربعة وبألف وجه، وعندما يغمرك اليأس وتكاد تلامس قرارك بالتوقف 00تكشف لك جزء من مفاتنها وتمنحك علي البعد القليل فتبتسم، وتدخل شرك الغواية بها ، وعندما تمسكها وتمسح علي سرتها تدفعك في رحمها/انه الموت/0
الحياة لا يمكن أن تكون بنت الانتظار في الحديقة ولكن لماذا أنا من تضرب له المواعيد تحمل في داخلها العواميد كأنني سليمان الحلبي بميعاده المشهور ، هل يحدث هذا مع كل الناس ؟ لماذا يخطر ببالي صديقي د0 عبد الله ؟ هو صديقي ولا بد أن أثبته بلقبه خوفا من التأويل من أي لكع بن لكع ، ويكفي ما حدث مع نصر، أو ما صار مثلا في الوليمة ، كأنما لم نشبع من الأمثال القديمة والأدب الشعبي فبحثنا عن أمثلة جديدة حتى وإن أثبتت خيبتنا!!
أصبح البوح صوت السكات ونذير الخيال وابن الأحلام ، ومرافقة نفسك وبعدك عن الآخرين، هل كنت مجنونا لحشو ملابس بالليل في سروال ذاكرة الحياة ؟
صرت أترقب مواعيد الحديقة دون موعد ، أدمنت التهديد و التخفيض للرتب والتحول إلي أولوزر اسكاي هوك، وهذا لقب من مخلفات الإنسان القديم يطلق علي الشخص الصالح لكل شيء، وكذلك المنتهي مفعوله كرأي فيكون كما يريدون، فيصبح رقما يمكن أن يضيع فإن زاد صار غيره ، وإن نقص صار غيره، كل يوم وكل لحظة ليس هو، ولكنه منتظم في سلك الهيئة وهو روحها ، انتماءه للأوامر والتنفيذ الدقيق دون الاستفسار0
ماذا عليهم لو تركوني سائر في دغل التذكر والوحشة الحميمة ، لا أبصر إلاها طيفا ، أقع ما بين الرؤيا والتصديق واقعا ومنغمسا في دوامة الشك وخندق البين بين، تبين قليلا ملامح القادم من يوم أو أشهر أو سنوات فقدت الأشياء قيمتها واتزانها وثقلها فأنا أنزلق في سرعة مجنونة نحو قاع هاوية كبيرة عميقة بجوف أسود هائل يمتص كل ضوء كمقابر النجوم، وأري أن كل ما حولي ينزلق معي بينما يقف علي طرف الحافة ويدير سرعة السقوط أولئك الذين يتحكمون في هذه المصحة ، لم أري أحدا منهم وأظن أنهم هيئات غريبة ذات قدرات خاصة0
كان لابد لي من الهروب من هذا المكان وبأقصى سرعة ليس خوفا من الشنق أو من الدمار فهو قادم لا محالة، ولكن عندي رسالة واضحة شديدة الوضوح تجلت لي الآن لابد أن أبلغها للناس لعلهم 0000لا أجد ما أكتبه بعد لعلهم لأنهم ربما لا يلحقون إتمام سماعي لأننا سنبتلع بأسرع من الانتقال من حرف إلي آخر، لابد من00
ـــ الإدارة تطلبك الآن
لم يكن هذا غير أحد النزلاء بالمستشفي0
سرت وراءه إلي الاتجاه الأيمن ثم إلي اليسار ثم اخترق طريقا في الوسط ثم انحدر بالطريق إلي سرداب عميق /لم يكن مهتما بإجراءات أمنية كالتي تتخذ في الدخول أو الخروج من وإلي المخزن /، أحسست بشيء ثقيل يصطدم برأسي ، أفقت لأجدني في قاعة بها مساعدي وسكرتيري وكل العاملين بالمستشفي وكل النزلاء ماعدا عدد قليل، ففهمت أنني الوحيد الغريب عن هذا المكان ،فربما القلة القليلة الغير موجودة الآن تكون لها أعمالها الخاصة؟
انطلقت الأصوات ببعدها الهائل المتضخم كصوت ارتطام المجرات
ــــ تفكر في الهرب إذن ، من حقك أن تجرب ، جئت هنا باختيارك ، دخلت المخزن باختيارك مارست كل مهام عملك باختيارك /رغم التقصير الشديد والإهمال ، والتفكير الارتدادي أثناء العمل ولا يخفي عليك أننا نرصدك باستمرار حتى أثناء نومك، ولكن ما لا تعرفه أننا أنفقنا عشرات السنيين في متابعتك وخلق كل الظروف التي أحاطت بك حتى تأتي هنا باختيارك، مركز الأبحاث ، أحمد بركات ، احمد المصري ، عبد القادر الأسد، العمارة التي كنت تسكن ، خراب الحي وإزالته ليس له علاقة بقرارك ولكنه قرارنا حتى لا تجد ما تلجأ إليه ، حتى لو كان مجرد ذكري، لأنها بذكرياتها التي لم نستطع اقتلاعها مع بعض الجذور الغريبة للضمير هي التي جعلتك في هذه الحالة من التردد، ولأنك مازلت رومانسيا فإنك مازلت تفكر في الهرب ، لكن إلي أين ولم يعد لك أي شيء حتى أماكن ذكرياتها وآثار البهجة والوحشة تم إزالتها مع إزالة ليس الشقة فقط التي كنتما تسكناها ولكن الحي كله حتى لا تتنفس الذكريات بينكما، فإلي أين الفرار؟
ـــــ كل ما كان أنتم صنعتموه، نعم الصانع والصنعة ونعم الصبر ،وأعلن أسفي وندمي ، وخطأ أفكاري ، ولكن أطلب العطف بالعفو والسماح فأنا من بقايا المجتمعات المتخلفة ، لكني أطلب السماح باستفسار صغير ، كل شيء أنتم جهزتموه وقدمنا لكم الشكر ، لكن حبيبتي والجحيم أيضا من صناعتكم؟
ــــ لا000 لم يكن يعنينا الأمر وظنناك عاقلا، تقيم علاقات صداقة ، ولكن وجدناك تحفر وتمزج دما بدم0
ـــ وكذلك ذلك الذي يقف علي بوابة الجحيم بوردته وبدلته البنية الشتوية في عز الصيف
ــــ هذا هو أنت بكل ما تكون ممثلا لأمة تأخذ قرارها الخطأ وتنفذه بثقة ، فتلبس ملابس الشتاء وهي ولقفة أمام بوابة جهنم وبشكل رومانسي بوردته الحمراء تلك ، نحن أخرجناه من داخلك هكذا ، أما الجحيم فمن صناعتكم أنتم
ــــ نحن؟لا
ــ أنا عبد العال يا كلاب/ أنا عبد العال يا كلاب يا كلالاببببب
ـــ هذا اختياركم وهذا صوت نفوسكم، نحن نعطي الفرصة لداخلكم أن يتنفس فلا يتنفس إلا شرا،لا تخرج عن الموضوع بادعاء البطولة وترديد كلمات غيرك0
ــــ الجحيم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار ، تحت اسم الحضارة، والتحرر، والتقدم ، والنهوض ، والبعد عن سلوكيات المجتمعات القبلية، والتحرك بمنطق العصر والعولمة والخصخصة و000
ــــ انتهي كل شيء وأنت الآن في انتظار قرار اللجنة0
*********
أفقت لأجدني في الحديقة وأحسست أن ألف عين تترصدنيٍ ولكني تحركت يمينا وشمالا مداعبا ساعات المغيب التي تشرق من روحي 0
كان كل شيء مدمج في عماء وأنا أجري باحثا عن أي شيء أقيم عليه انهيارت نفسي وسط صحاري الرعب كان عامود نور يقف وحيد وقد حني هامته بشكل نهائي ، قلت في نفسي ما الذي أبقي عليك وسط هذا الدمار ؟
تذكرت كانت تقف عند هذا العمود تنتظرني ، وكان هذا مكان لقاءنا المعتاد ربما نجا العامود من الذبح لأعلق عليه خيباتي وانتصارات قلبي، وأجد مكانا أبعث منه قبلاتي إليها، زعقت : إليك قادم أنا0
كنت أجري لأسبق نفسي لأصل إليها قبل أن يصلوا إلينا ، لأنني منذ أن هربت من المستشفي مهرولا ، كنت أعرف أن قرار الإعدام والتخلص مني سيكون قرارهم فإذا كان علي كل حال هو الموت فلأمت بإرادتي مرة0
لمحته كان يقف بعيد منتصبا وسط أشقاءه قلت قادم إليك من جذور ألمي0
كان العرق الذي يتصبب مني تشربه الصخور والأحجار الكبيرة، وأنا في جهد مستمر للرقي والصعود متشبثا بآمال عراض أن أجدها عند القمة هناك ، أو أستحضرها طيفا ، لم أنظر خلفي ولا أسفلي ولكني كنت مستمرا في الصعود حتى غمرني هواء عليل /مريض / مخنوق يكاد يضج برائحة الحمي والكوليرا والتيفود0
جلست متأملا هذا الخراب الشامل ،والنهر الجاف ،والصحاري المزروعة بالهياكل العظمية ،وقلت: هو الآن قبل أن تشوي الأرض في جحيم الامتلاك0
ـــ تعالي يا بهجة الروح ويا نسيم الجمال /كانت الكلمات ماسخة وسط هذا الخراب /لم يأت أحد، تعالي يا مروان يا حلبي بما أنشده الحلاج ، لم يأت أحد ، تعالي يا بن عربي وأزعق/ أن الصبا لا ترجع الأحباب/k أأ ن
، لم يزعق أحد ولم يأت أحد ، فاستحضرتها اسما كومته علي القمة بجواري فوق الهرم الأكبر، ومسحت عليه فشهق الكون ، فعرفت أن الكون صحيح ، فإذا كان الكون معافا فلماذا أنزل نعش الحزن ليدفن في عافيتي ؟000000
مررت يدي عليه كثيرا فأضاء الكون فضجت كل حروف العشق بباديتي ، وصرخت وأنا واقف فوق الهرم الأكبر، وهي اسم /جواهر بين يدي وقلت : اللهم اعطني القدرة وكل من معي ومن في ذاكرتي ومن لم أذكر علي الصمود في وجه السل ،والجرب، وعواصف الصحراء، والنفايات الذرية ،وجنون البقر، والعولمة، وكذب المؤسسات، والدواء المحروق، والحكام والمحكومين السلبيين0
اللهم أكرمنا بأن نلحق لنا قبرا في الوطن0
وأن نموت علي الأرض التي ولدنا عليه ولا نطرد منها ، واجعل لنا القدرة علي أن نصدق أنه وطن0
اعطنا القدرة علي تحمل القنابل الذرية ،والهيدروجينية، وغاز الخردل، والنشادر، وميكروبات الصواريخ، وإبداعات الهندسة الوراثية، وتشويه الحق، وتسيد الباطل، وتخنث الرجال، وسطوة الشواذ علي كراسي القرارات0
بارك في ماء النيل ولا تمنعه من الجريان ، بارك في الحنطة والذرة ولا تجعلهما في عداد الندرة0
اعطنا القدرة علي تحمل المحللين، ورجال الدين ،والرقباء القاعدين علي الصدور ظلما وعدوانا0
امنحنا القدرة علي تحمل المبيدات، والمخدرات، والجنس ، واعطنا طاقات الخيال لتحمل الواقع واستيعابه0
اللهم ارحم الممسوسين، والمجانين، والخارجين، والشاردين، وأصحاب الرؤيا الواضحة ، ووضح للنساء الفرق بين الرجل والمرأة، والشارع والبيت 0
اللهم بارك في الحب والحبيبات ، وأكثر من الكلام القليل الجميل الذي يتكسر علي شفاه المحبين فيذيب قلوبهم ،اللهم اجعل العيون أجمل والرغبات أقوي ، وامنحني القدرة علي حب عرق المحبوبات أكثر من العطر ، اللهم اكتبني عندك في باب العرش الصوفي النزق ، أدمني عشقا طلقا، امنحني مليون محبوبة كل واحدة لا تشبه الأخرى ،اللهم اعطني القدرة علي القيام بالأمر خير قيام ،امنحنا القدرة أن نقول هذه خيانة ولا نجتهد و لا نبرر ونحلل وتطغي مصالحنا علينا حتى نعمي بالمكاسب الصغيرة0
كان هذا قبل اندفاعي منتحرا من أعلي الهرم الأكبر هرم خوفي ورعبي وجنوني، و أنا أري البلاد في ضباب الوضوح طوابير من الأسري العراة،وكنت أنشد : هذي البلاد تجاوزت وجعي0
ما الذي أفعله إذن أكثر من هذا ؟ هل أجري وأزعق علي الناس وأقول فستعلمون ما أقول لكم و لهم و ما يجري ومن سمع كلاميي ي ي ي ي ي ي ي ي ي0 كان هذا ما دار في رأسي في لحظة القفز ثم0000000000000000000
*******
( 7 )
ـــــــــــــــــــــــ
مساحة بيضاء وضوء مكتوم يرشح من تحت ستائر خضراء / لابد أنني في الجنة يا سلام الحمد لله/، بحركة لا إرادية اندفعت يدي تتحسس وجهي فاصطدمت بشيء ما التفت فوجدت أنني في حجرة يوحي شكلها بأنني بمستشفي /هل في الجنة مستشفيات؟0
تأملت الحجرة والتفت في كل اتجاه كل شيء عادي ، الجدران عارية إلا من صورة رئيس المؤسسة وضعت لزوم الإفاقة ، فعرفت أننا بحجرة الإفاقة ، وتنبأت أنني قد أجريت لي جراحة / ربما استئصال الضمير / ؟
كنت أود أن أقول لها لا تدخلي نفسك في دائرة الحنين/ ليس سهل عليّ/ وخوفا عليها/ وقلبي لا يحتمل ارتعاشات الهواء المثقل بالحنين الذي يحيط بها ، ولكنني أبص علي وجهها كل صباح وأحس نفسي والعالم منمنما: إن لم يكن إلا أنت لكفي 0
ولا أزيد0 كأنما ملايين الخليقة الحسنة قد اختصرت فيك ، فتخمر فيك الجمال وتقطر منك الجمال ندي يشف الروح فتهتز جراحاتها لهبا مقدسا حارقا ملقيا بي في أنهار الشطح فأكابد غيابك في وجودك ، فلا أحد يراك إلاي ، ربما كنت البذرة النقية من النور الخالص للنور وسلالات الطهر والملائكة ، ولما كنت أمر برموش عينيا علي زغب وجهك وجسمك منفلتا تحت إسار ثوبك مندسا في دفئك ، وأقلّبك علي مراود الروح، فتقوم قيامتنا داخلين إلي الفردوس في قصور البلور ،
انهار قصر البلور تحت أنقاض عمليات الهدم ، ليس لي أي ذنب فهم الذين أمسكوا بيدي ووقعوا، صحيح أن القلم كان في يدي ولكن من يملك الإرادة؟
لابد من هدم هذا المستشفي / المورستان / من أساسه حتى تفني هذه الطائفة ، آه لو تسلق أحد الحبل الواصل بين الإدارة والمستشفي ليصل إلي الجهة الأخرى ليعرف فقط ما يدور هناك وماذا يراد لنا؟
لمن ؟
لنا؟
أنت أصبحت من هذه الهيئة
يا رجل أنا كنت أريد أن أندس وسطهم لأعرف ماذا يفعلون
التي تخون هي الأخرى لم تكن تقصد الخيانة ، ولكنها كانت تريد أن تعرف ما يحدث فقط ، ولماذا تخون النساء؟ وهل هناك شيء مختلف؟
أنا أعرف أنك لن تصدقني وستقول امتلأ الكون حتي فاض جياعا ومقهورين
لا سأقول لك
كل شيء رائق البهجة يبدو حولنا
أيها الساقي بما شئت اسقنا
ثم اسقنا
واملأ الكون ب000
أنت تغني ولا تأخذ كلامي مأخذ الجد/ هل أنفض هذا كله عن دماغي وأكبر دماغي حتى تصير كالمحيط وأعيش عطية الهطل/وأترك الحبل علي الغارب لهم ، لتك الأصابع المندسة وأقول كله نصيب ومكتوب؟
أم أخرج مكفرا العالم ومهاجرا إلي الصحراء عائدا في وجه كفار مكة بالسلاح واضعا نصب عيني // سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلي إمام جائر فأمره ، فنهاه ، فقتله//
العالم يمر بالأفغنة ثم البلقنة ثم الانفصالات العرقية، فتتفسخ الكيانات الكبيرة إلي كيانات صغيرة هشة لا تبني حضارة، ولا تكون قوية للدفاع عن نفسها ، فتصير تابعة بإرادتها ويسهل حكمها وتغيير مصيرها بضغطه واحدة علي بعد آلاف الأميال ، افهم 0
أنا فاهم لكنك لا تريد أن تسمعني ، ماذا أفعل هل أسمع ما قلت لك عليه سابقا أم أسمع نظريات التكوين المتغير للبلورتاريا في عالم متغير تغير فيه نشاط رأس المال ودورة عمله فلابد للعمال من متابعة تطوير نظرياتهم عن طريق الطليعة المثقفة الراصدة وتكوين تنظيمات جديدة نقابية تتصدى للشركات متعددة الجنسية ليس بغرض فرض رأي عليها ، ولكن من باب التشاور حتى نصل إلي حل ، ولا بد من المرونة والتفاوض وعدم الجلوس علي مائدة المفاوضات بشروط مسبقة، حيث أن سقف العالم تغير 000
القادر ينتزع حقه ولا يحتاج إلي تبريرات ، اسمع كلام عبد العال وانتظر ماء صوته ليسقي عطش الروح
من أنت ولماذا جئت تفسد عليّ راحتي أنا مريض ومازلت بالمستشفي0
لم يكن أحد حولي ولكني تلفت ، فمازال السقف أبيض ولم يتغير!، فلماذا تغير سقف العالم/ لابد أن السكان الذين فوق يدكون السقف علي من أسفلهم فيضيقون عليهم مساحة الهواء فلا يأخذون نفسهم / كاتم نفسي/
باب النفس مقفل أقصد باب الحجرة مقفل
مازال السقف أبيض
وأنا ساكن( فيه)
(فيه)ليس فمه ، ولكن بداخله
والهدوء ساكن في كل هذا السكون
لا ممرض، ولا ممرضة، ولا هواء
وحدي مع اللاشيء مسلوبا وصامت
والسماء لدي السماء تسربلت خلف العمائر والمعابد
لم يبق من أحد تصادف أو تعاهد
/لم تبق عمائر أو معابد/
ليمكن لقرار واحد أن يحول البلد إلي خرابة؟
ولماذا عندما سألت المسئول عن من صنع الجحيم ضحك وقال نحن لم نصنع شيء ؟
ماذا كان يقصد بالضبط؟
كنت قد أزحت الغطاء ونزلت من علي السرير متجولا بالحجرة ، ثم خرجت فوجدته أمامي
ـــ أي خدمات
ـــ دورة المياه؟
أشار ناحية آخر الممر،
لماذا لم تلحق دورة المياه مع حجرة المريض ؟ هل خوفا من الهرب ؟
دخلت الدورة واسترحت ، وفكرت في أن أستحم ولكني صرفت الفكرة من رأسي وخرجت من دورة المياه متلفتا فوجدته أمامي يدفع عربة أمامه وناولني من عليها كيسا شفافا به ملابس داخلية وجلباب ، وفوطة0
كنت تحت المياه أفكر في جدوي الهرب، هل يمكنني أن أعرف أسرارهم ثم أكشفها عندما يحين الحين ، أم أظل أعمل معهم حتى أرستق نفسي ثم أخلع؟
أنت لن تترك المستشفي لأنك لم تكن في منصب ما طوال حياتك ولم تكن صاحب سلطة وكان كلامك نقد من سطح عدم الإمكان وقصر ذيل يا أزعر ،
لا أنا كاشف أشياء لابد أن يعرفها الناس
ناس من ، أما زلت تتذكر يا رب بلدي وحبيبي ، والمجتمع والناس ،هؤلاء ماتوا منذ زمن طويل من أيام جمال عبد الناصر ماتوا معه ، كان حلما جنينا جاء إلي الأرض فوجد أنها لا تتحمل فكرته فأخذ ناسه ورحل،وهؤلاء هم المجتمع والناس/
أنت لا تفهم أي شيء وتريد أن تعكنن عليّ، ثم هناك طرق مقاومة منها السلبية ولم أكن كذلك أبدا في يوم من الأيام ، أو التهكم والسخرية ، أو اليأس والدفع بالنفس تحت عجلات اللامبالاة، معني هذا أننا نتيح الفرصة لآخرين لا نعرف من هم ليديروا العمل
هل تعرف من أنت ؟ ، إذا كنت قد جئت إلي هنا بخمس شخصيات إلي الآن لا اعرف من أنت فيهم؟ فما جدوي وجودك ، ثم أن ما تعرف يعرفه من بقي علي قيد الحياة بعد التجارب الذرية واليورانيوم المخصب الملقي في العراق بأموالنا علي أراضينا غضبنا أم رضينا ، ثم لماذا لا ترحل إذا كان الوضع غير مريح ويخفضونك كل يوم درجات والآن ليس أمامهم إلا الخلاص منك وأنت تعرف ذلك0
تريد أن تكون أنت العارف بكل شيء والقادر والمهيمن والذي تسبق الحوادث وتعرف ما سيحدث لسنوات قادمة /أنت بذلك تفسد الرواية / فلم يعد المؤلف هو ذلك القادر المهيمن صاحب الأحكام الكلية الجازمة ، لأنه ببساطة ليست هناك أشياء يقينية حتى الموت بعده حياة ، لا تريد أن تصدق أنت حر
أنا لست المؤلف ، أنظر جيد أمامك
كان يقف أمامي بوردته الحمراء ضاحكا،
صرخت من الفزع : لا يمكن ، غير معقول
قال ولأول مرة أتأكد أن الصوت صادر من جهته :
لماذا ، وهل كان معقول أن تحكم وتتخذ القرارات وتصير (مالك)
قلت : مالك بن النبي
ــ مالك خازن النار والمسؤول عن الجحيم، وأنا كنت رداءك الخارجي بكارتك ، أنتظرك حتى أسلمك أنت وأمثالك فكلكم واحد ما زرعت أيديكم ، حرست شركم لكم فمبارك في النار أنت وأمثالك
قلت : ماذا أفعل الآن ؟
ــــ كان اسمها ما العمل ، ليس أمامك إلا أن تنتحر، وإذا نجحت في الانتحار / وأعتقد أنك لن تفعل مع العلم إذا فعلت فلن يمنعك أحد/ فتكون قد حققت شيئا جميلا، ويكون أمامك عدة اختيارات:
1ــ أن ترجع ألي المستشفي بعد إنقاذك وتظل رجل الاختبارات علي بقايا الضمير في العصور السابقة لجماعات بشرية متخلفة
2ــ أو أن تهرب من المستشفي فتدهسك سيارة قضاء وقدرا طبعا أنت تعرف
أما إذا نجحت في الانتحار ومت فعلا وهذا أمر مشكوك فيه فهناك عدة احتمالات
اــ أن يشك في موتك وتصبح قضية جاهزة لأي شخص يراد التخلص منه
ب ــ أن يصبح موتك عارا ويفتضح أمر تخريبك لمشروعات الوطن أو تكون عميلا للعدو / ليس مهما من يكون العدو فاللحظة ستفرضه فرضا/0
ج ــ أن يكون موتك عاديا /ربما يصدر مرسوما باعتلال صحتك أو لا يصدر/
المهم عشت أو مت لن تكون بطلا ، فأنت عشقت السلطة وأنصحك بالرجوع إليها/فهم سيتخلصون منك بمعرفتهم/ وقلنا لك سابقا السلطان هو من لا يعرفه السلطان
ــ من أنت ولماذا تأتي كلما فكرت، لا تتركني حتى وأنا بالحمام
ــ أنت تعرف من أنا، أنا بقايا شيء كان في داخلك بتلاشي الآن فالوداع
ـــ أنا لا أريد أن أعرفك ، ولكن فقط كيف نجوت من الدفن وأنا دفنتك عميقا ، وأين كنت طوال هذه المدة؟
كان الطرق علي الباب قد تزايد فصدر صوت داخل الحمام ـــــ لماذا تصرخ ، طبعا مازلت تفكر ؟
ــــ لا ، أنا لا أفكر ، لقد ذهب ولن يعود
ــــ كنت أظنك تفكر أنت أصبحت كلب من الكلاب
ــــ من أنت ؟
ــــ أنا عبد العال يا كلاب
انقطع الصوت فخرجت من الحمام ثم اكتشفت أنني لم ألبس ملابسي وسمعت قهقهة عالية فأدركت عري، ولكني لم أهتم أبدا وتبسمت حتى أبدو مرحا، وفكرت في جدوى ارتداء ملابسي0
********
( 8 )
ــــــــــــــــــــ
تحركت السيارة / لم يحدث بهذا الشكل /سارت السيارة/ لم أحس بسيرها / إذن انتقلت بنا السيارة لا أعرف كيف ودون أن أعرف متى بدأت حركتها ، وكنت أترقب سيرها ، لكن الستائر مسدلة ومعي شخص بالسيارة ، فجأة فتحت الباب وقيل تفضل/كنت أتوقع أن أجد بيتا وأولاد وزوجة وأعرفهم ويحبونني وأكتشف أنني أحبهم، عادي جدا وهذا حقي / ولكن كان بيتا جميل تقدمني مرافقي، دخلنا إلي بهو واسع فتركني وغاب وظللت واقفا فترة طويلة وبحثت عن كرسي لأستريح عليه فلم أجد، كان التعب قد بدأ يرمى بثقله فوق أكتافي وأحس بتعب في المفاصل والظهر، احتجت دورة المياه بشدة فلم أجد ، واكتشفت أنني لم أتناول حبوب السكر من يومين، بدأ العرق يتصبب من كل جسدي وأحسست بالعطش وأصبحت قدرتي علي مقاومة التبول أمر مشكوك فيه ،أحسست أنني أغرق في دوامة عميقة ، وفي آخر درجات الوعي بعيدا عند البياض الذي يمسح الذاكرة أحسست بأيد كثيرة تحملني0
أفقت لأجدني في مكان مظلم ضيق أكاد أجلس فيه القرفصاء ، الجدران تراب متماسك قليلا ليس له رائحة الأرض البكر ، ولا الطين، فعرفت أنه حفر منذ أمد بعيد ، من غير تفكير كثير ولا يحتاج الأمر إلي ذكاء حين يخطر علي بالك التفكير في الإضاءة ، وكذلك أن تحاول أن تفهم وضعك ، فلا تهرب من أنه أسر وتحديد إقامة بدلا من الموت ، إذن هناك أمل في فرصة (أنه يمكن الاستفادة منه) ربما في فرصة قادمة ، إذن أنت مازلت صالحا للوجود، فقد تغيرت تلك النظرية المسماة بالفيض والصدور فصار أقطاب المؤسسة لازم الوجود ، وما حولهم في الكثافة الأولي واجب الوجود ثم جميع البشر والحيوانات والآلات بين قسمين صالح للوجود، ومنتهى0
لكن مالا يمكن حله ، كيف يمكن قضاء حاجتي في هذا الخندق ؟0
ثلاث طرقات، كالمسرح تماما ولكنها من أعلي الرأس ، أدركت أن الباب فوق رأسي ، إذن ليس هذا خندقا ولكنه لحد
/أي رعب هذا الذي يلفني؟ من لي بكمية كبيرة من المخدر حتى لا أحس بما هو آت /
الحمد لله الذي خلق العبقري الذي اخترع المورفين والبنج،
هلت طاقة من ضوء شاحب من أعلي ومد حبل طويل في آخره أنشوطة كحبل المقصلة ، دخلت في الأنشوطة حتى وسطي وشددتها عليّ، ورفعوني عاليا حتى أخرجوني وسط الصحراء وربطوا عيني وساروا بي ثم أدخلوني أدبخانة( أدب خانة) من بقايا معسكرات الجيش أو ربما الأمن المدني لقضاء حاجتي0
واستحممت ، وخرجت لم أكن قادرا علي فتح عيناي في ضوء الشمس، فأجلسوني أمام الأدبخانة ووضعوا أمامي عيش ،وحلاوة، وطماطم ،وجبن، وزجاجة ماء0
بعد الانتهاء من الأكل حملت ما تبقي معي مع وعد بالفتح عليّ في نفس الميعاد من كل يوم، ولم يناقشني أحد، ولم أفهم مصيري وتذكرت أقفاص الأسود في حديقة الحيوان0
رجعت إلي الخندق غير مرعوب ولا خائف// ولكن ربما تحسب أنني أنتظر تلك الفرصة التي جعلتني صالحا ولم تلق بي إلي الدفن بالصحراء في خنادق عميقة نهائيا ،//ولكن الأمر لا يحتاج إلي تفكير فكل شيء مثل كل شيء، وأبيض الشيء أسوده، وانتهت الماركسية إلي المطالبة بعالم الرفاهة، والمكتسبات الدائمة، والسماح بالملكية، والتعدد الثقافي والتحلل في كل شيء، فهكذا تساوت مع عدوتها الفكرية وإن كانت عدوتها الفكرية قائمة علي ما يشبه الأفكار، لهذا كان ذلك السقوط المدوي، الذي كان لابد أن يحدث من سنيين ماضية في إطار النقد الذاتي من تحول المثالية عند هيجل والتي بني عليها ماركس تنظيراته / داخل مخطوط رأس المال وكان كتابا لصديقة انجلز حتى يستطيع أبيه أن يدير رأس ماله في دورته الصناعية دون توقع ضغوط عمالية مفاجئة /أن يتحول عند لنيين إلي مادية جدلية،(كيف يا ناس؟؟) من هنا فقد المجتمع نظامه فأصبح فوضي ،إذن لا فلسفة لهذا المجتمع ، وهنا يصعب رصد حالته وقيام ثورة مناهضة ، فالثورة مناهضة لنظام معين وليست مناهضة لفوضى / وطالما أصبح القيام بثورة أمرا مستحيلا فالحلم بأي شيء ممتنع/ وطالما أن المجتمعات أصبحت هكذا فلابد أن تنهار ويتوقف تاريخها لأن التاريخ يرصد لنا الآتي،وآليات الانهيار من موقع ثابت لنظام ما تقريبا، لكن عندما يصبح كل شيء منهارـ فلابد أن يتوقف التاريخ، إذن يتوقف التاريخ ،وتختفي الفلسفة ،ويمتنع الحلم، ولا يوجد أي منطق للحلم حتى بثورة ،وتصبح المؤسسة والهيئة هي الشكل ،والمضمون يومي يمكن أن يسقط في أي وقت ولا تحلم له بمستقبل ولا تستطيع أن تبوح0
لا أهتم بعد الأيام أو الشهور التي تمضي، لكن كنت جالسا القرفصاء واضعا رأسي علي ركبتي في داخل الخندق رحم الأرض، راض تماما ولا أفكر في أي شيء، فأنا أعيش يوم واحد طويل ، لكن لم أعد أتذكر الأصدقاء وتسقط الأسماء والحوادث كأنما حفرة كهوة سوداء سحيقة منصوبة كشرك وسط الذاكرة ، تتصيد ترتيب الحوادث فتقطع حبل التواصل فأقف تائها وسط الذاكرة يحيط بي الضباب، وتبدأ الذاكرة في التحلل مثل نسيج من التريكو تم فك آخر غرزة فيه، فبشدة واحدة يتحول النسج إلي خيط غير مترابط كما تتحول المعلومات إلي حروف يصعب تكوين شيء مفيد أو غير مفيد منها0
عندما خرجت لقضاء حاجتي سألت الذي أصبح مشفقا عليّ متي تنتهون مني؟
قال: عندما لا تصدر لنا الأوامر بالمرور عليك0
عندما أرادوا انزالي بعد عصب عينيا ، أحسست بروح ابتسامة أعرفها وأخاف منها مدت يدي أعطاني الوردة الحمراء الطويلة الساق ووضعتها في جيبي، بعد انزالي تركوا الباب العلوي مفتوحا فأخرجت الوردة وتأملتها كانت أوراقها كالجلد مكتوب عليه كتابات كثيرة، أخذت تأملها ثم بدأت في قراءتها //كان يقف علي باب الكون يمسك بيده وردة كبيرة بساق طويلة00000//
أدلوا لي الحبل وتركوه
//بساق طويلة لها تويج كبيرو كثير الألوان ، ولها رائحة مستقبلية000//
نمت ، وصحوت ، كان الخندق قد اتسع فاكتشفت أنهم نقلوني ألي حجرة لها باب ، ولكنني جلست في الركن وأخرجت وردتي ووجهي إلي الحائط0
//وكان ينظر إلي البعيد ويبتسم لشيء ما بينما تدوي خلفه طبول الآخرة0000//
ازداد الطرق علي الباب ثم دخلت مجموعة لم أعرفهم،
ــــ نحن أصدقاؤك القدامى ربما لا تذكرنا كنت معنا في مركز الأبحاث، قبل مرضك والآن تم السماح لك بالخروج،
هززت رأسي لهم ولم أعرفهم ،
ــ والهيئة 00المؤسسة000وعبد العال؟
لم يجبني أحد منهم كأنهم من بلد آخر، كنت أود أن أقول شيئا ولكن واجهتني ذاكرتي بمساحة بيضاء تماما غير مدون عليها أي شيء فصمت0
كان بودي أن أقول كتعين لما هو حادث/ وانطلق الرجال إلي الغابات لينضموا إلي الثوار والفارين بانتظار اللحظة بعد تنظيم صفوفهم،/ ولكن نحن كذابون وبلادنا ليس بها غابات ، وأنها مكشوفة كعورة الماعز لا تتيح الحركة لحرب عصابات لعمل فدائي، ولا يوجد من يحمل السلاح عاشقا ،والناس ما عادت تصدق اليوم الأتي إلا من رحم ربي لهذا 000
كان بودي أن أعبر إلي الجهة الأخرى بهدوء، وأمد يدي بكومة ملابسي بعد خلعها من تحت عقب الأيام مزيحها إلي الجهة الأولي، وأن يجد الأحبة في ملابسي هيئتي ، وأنام أتفرج عليهم في الجهة الأخرى ولكن كيف ؟ وعموما حاولت فأعادوني إليهم بالحب والحنين والدموع والدعاء فارتجت السماء فتداعي الحائط بين الجهتين وأعادتني الدعوات فأنا دعوة آبائي وأهلي، دعوة لهم وليست عليهم لهذا استدرت وجلست بالركن وجهي للحائط ومعي وردتي واستأنفت القراءة
//بينما تدوي خلفه طبول الآخرة علي بوابة الجحيم ، بدوي مدبب يدخل في عمق كل الأشياء باختراق عظيم مؤلم00000
صلاح والي6/6/99
1/7/2001