العلم في ( الجزيرة )
و
فضيلةالشيخ القرضاوي
تقديم: سوف يُثير هذا الكلام فرحة قوم، ونقمة آخرين، وليعلم الفريقان أنّ الحقّ ضالّــة المؤمن فلا تجريح إن خطّأنا الشيخ القرضاويـ أكرمه الله ـ وهو غيرمعصوم عن خطأ. لانقــف موقف المسفّه لكلّ مايقول ،ولانقول: آمين لكلّ مايقول، كلٌّ يُؤخذ عنه، ويُردّ عليه إلا ماكان وحيـاً أو ما في حكم الوحي من أقواله و أفعاله وصفاته وإقراراته ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ
وانتقادنا لجزئيّة في قناة(الجزيرة)لاينزلها من مقامها، فهي قناة فعّالة نشيطـــة، والاعتدال هو الموقف الصحيح، فلا إعجاب يغضّ الطرف عن كلّ مانراه خطأ، ولارفعاً لراية التسفيه لكل ماتنشر!
١ـ رحم الله ( الدكتور محمد البهــيّ )، لقد جاءنا بكتابه القيّم ( الفكر الإسلاميّ الحديث و صلته بالاستعمار الغربي). أخبرنا فيه أن جامعاتنا في كلّياتها النظريّة تعلّم فلسفـــــة القرن التاسع عشرالأوربيّة، وهي في القرن العشرين( دع عنك الملحق الذي أضافه لمدح إصلاح الأزهر، لاأدري أكان مقتنعا بذلك الإصلاح نظريّاً وعمليّا، أو بجانب منه، أم أراد ترويج الكتاب، وهو ديدن أمثاله- غفرالله لهم ـ ونسوا أنّ الأمر بيد الله، و ماعلينا إلا أن ندعوَ بالأساليب المشروعـة، وأمّا النجاح فبيد الله ـ تعالى ـ وحده).
٢ـ ونحن الآن في القرن الواحد العشرين تعود بنا ( الجزيرة) إلى الداروينيّة التي أفلســــت، وظهرت بعدها نظريّات جديدة، وتريد أن تكون موضوعيّة، فتناقش المسألة بدون تعصّــب لآراء العلماء المسلمين الذين بادوا!! ولا تجمُّد عليها.
٣ـ أماّالشيخ يوسف القرضاويـ أكرمه الله ـ، فلاأدري: أتركوا له وقتاً يُحضّر فيه الموضـــوع (كتحضير معلّمي المدارس على الأقلّ)، أم فاجؤوه، فارتجل الموضوع، هل هو مطّلع اطّلاعاً مفصّلاً على الموضوع، أم لديه معلومات كمعلومـــات المثقفين من الأطبّاء والمهندسين الذين يتصََّدَوْن للدعوة والتدريس( ومن يَرُدّ طبيبا أومهندساً في علمه!!ََ)؟!هل اضطرابه لمـــرض أم لهرم، أم لاقتحامه موضوعاً لا ندري أهو كفء للبحث فيه أم لا؟!( ليس هذا حكماً على علم الشيخ يوسـف القرضاويـ أكرمه الله ـ ، وإنّما هو وصف للحظة محدّدة ) بدا الشيخ القرضاويـ أكرمه الله ـ في البدء كمن يريد ألا يقف من النظريّة موقفا واضحا خشية اتّهام الإسلام بالوقوف ضدّ العلم،حتى إذا سمع ما قاله الأستاذ الشاميّ بقوّة وحزم، مصرّاً على موقف العلم الحديث الرافض لنظريّة داروين، و تفرّد الإنسان عن سائر المخلوقات بصفات عديدة، قويت شكيمة مولانا الشيخ، وهاجم نظريّــة داروين بصريح العبارة.
٤- وماذا تقولون في رأي الشيخ أن نترك الآن آيات لها – حسب قوله- تأويلات متناقـضة، فقد نحتاج إليها في المستقبل حين تظهر نظريّات جديدة مختلفة!!
٥-نحن جميعاً نميّز بين النظريّات العلميّة والحقائق الثابتة، ولكنّنا ننسى هذا التمييز في لحظات من الغضب أو الحماسة، وقد نتناساه في لحظات نريد فيها أنْ نتستّر بالعلم، فننصر رأينا بمنطق ظاهرُهُ العلم!!
ليس لي من عمل هنا سوى التذكير بأنّ اختلاف القرآن الكريم مع النظريّات العلميّة لا يُقلقنا ألبتّة، ولم يحدث حتى اليوم أيّ تعارض بين الحقائق العلميّة التي لا لبس فيها والقرآن الكريم.
فمال هؤلاء القوم يُسارعون إلى تأويلات باطلة يرغبون بها التوفيق بين النظريّات العلميّة والقرآن الكريم؟!تفسير القرآن الكريم يعتمد اللغة العربية ومقارنة الآيات ذات الموضوع الواحد أوالمتقارب، وما نُقل نقلا صحيحاً عن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- (نعود في تحديد النقل الصحيح إلى مصطلح الحديث وعلومه التي تدرس صحّة السند و مضمون المتن،)،ماكان منه وحياً كالأحاديث القدسيّة و ما في حكم الوحي من سنّة رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وما لم يكن نقلاً منه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لمعلومات عصره.
٦- وعلينا ألا نُحمّل القرآن الكريم أكثر ممّا يُفهم من نصّه وفق الأصول التي ذُكـرت أعلاه، وقد رأينا مَنْ يستغلّ هذا لمنافع دنيويّة زائلة، فإذا ذكرالله – تعالى- شيئاً أراد به تعداد بعض نعمــه على عباده، فقد ضرب بهذا الشيء مثلاً لنعم الله– تعالى- التي لاتعدّ ولا تُحصى، قد يكـون ذكره لسبـب، قد نعرفه و قد لا نعرفه ، و لايجوز لنا أن نفترض افتراضات من عندنا لا دليل عليها.
٧- قد يفترض كثيرون حكَمــاً لتحليل أو تحريم بدون دليل من وحي أو حديث استنتاجاً من عند أنفسهم أو اعتماداً لنظريّات علميّة. كلّ ما نحشاه أن تتعدّل هذه النظريّات العلميـّة، فنقع فيما وقع السابقون فيه من اعتماد ما شاع في عصرهم ممّا سُمّي علماً وسخرالعلماء منه اليوم.
٨-ومن المشكلات تداخل الاختصاصات، فلا يليق بطبيب أن يتصدّى للعلوم الشرعيّة معتمداً ثقافته الشرعيّة التي لم يجلس لتلقّيها طالباً وفق أسس منهجيّة مدروسة وسنوات مقرّرة، وكذلك لا يليق بعالم شرع أن يتدخّل في علوم الكون التي لم يعرفها إلا من قراءة بعض الكتب و المجلات العلميّة وغير العلميّة، ولم يجلس لتلقّيها طالباً في كلّية جامعيّة متخصّصة. كلّ ماأرجوه أن تتشكّل لجــان من الفريقين حين التصدّي لعلوم وردت في القرآن الكريم ( مع التذكير بأنّه ليس كتاب علوم كونيةّ، ولاكتاب طبّ، و إنّما فيه ما يُعيننا على زيادة الطمأنينة في أنفسنا، وهي كافية، و لاحاجة لمن يريد الدفاع عن كتاب الله إلى أن يكذب له!!)
اللهم أرنا الحقّ حقّاً، وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه.
وعلى الله التكلان.
/ ٢٣ / ٢ / ٢٠٠٩ م